رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أخذت الصحف على اختلاف أنواعها، الجانب الشكلى فى حكاية السيدة التى استغاثت بالرئيس، أمام البرلمان، وتجاهلت المضمون فى الحكاية كلها!

فالشكل، أن مواطنة لجأت إلى الرئيس، وأن الرئيس قد استمع الى شكواها، ثم أنصفها.. أو بالأدق، أمر مدير مكتبه بأن ينصفها!.. أما المضمون فى القصة، فهو أمر آخر تماماً، لأنه يطرح هذا السؤال الأهم: إذا كانت السيدة كريمة جاد الرب، قد استطاعت أن تصل الى رئيس الدولة.. فمن للذين يعجزون عن الوصول إليه، خصوصاً إذا كانوا مرضى يبحثون عن علاج مثلها..  من لهم؟!.. إن الواقع يقول إنهم يموتون إما داخل مستشفيات الحكومة التى لا تقدم علاجاً حقيقياً، لروادها، وإما أن يموتوا على الرصيف، إذا عجزوا عن دخول المستشفيات نفسها، التى كما قلت، لا تقدم فى غالبيتها خدمة علاجية آدمية، ومع ذلك، يتمنى المريض الفقير، لو يستطيع دخولها، ليموت حيث يموت، وهو على وهم بأنه قد تلقى العلاح الواجب!

على هامش هذا الكلام، أريد أن أقول: إنى لا أعرف حتى الآن، كيف استطاعت السيدة جاد الرب، أن تصل الى مكان يراها منه الرئيس عند انصرافه من مجلس النواب.. لا أعرف.. فإجراءات الأمن.. وهى مطلوبة وبشدة بالطبع، لا تسمح لأى كائن حى، بالمعنى الحرفى للكلمة، بأن يصل ليس إلى المكان الذى يتواجد فيه الرئيس، ولكن إلى مكان قريب من هذا المكان.. فكيف، إذن، وصلت هذه السيدة الى هناك.. هذا سؤال حائر.. ثم إن هناك سؤالاً آخر، أشد حيرة، هو: إذا كان المخترع الشاب أسامة طه، قد وجد نفسه مضطراً، قبل أسبوعين، الى مقابلة رئيس الوزراء شخصياً ليجد حلاً لمشكلته.. ثم إذا كانت هذه السيدة التى تفتش عن علاج لابنها المريض، سوف تجد أنها أيضاً مضطرة، للذهاب الى الرئيس فأين الحكومة بكل أجهزها على أرض هذا البلد، وأين قدرتها، بأشكالها، وتجلياتها، ومستوياتها التنفيذية المختلفة، على الوصول الى الناس، وحل مشاكلهم؟!.. وأين المسئولون الذين هم دون الرئيس، ودون رئيس الوزراء.. أين؟!

إننى كنت أنتظر من الرئيس، فى خطابه الذى هو أول خطاب لرئيس مصرى أمام البرلمان، بعد ثورة 25 يناير، أن يقول، إن مبدأ العدالة الاجتماعية كان مرفوعاً كشعار فى ثورتى 25 يناير و30 يونية، وإن كثيرين بيننا ربما يتناسون، أنه هو نفسه، وبنفس بمعناه وعبارته، كان مرفوضاً كشعار أيضاً فى ثورة 23 يوليو 1952، باعتباره وقتها، واحداً من مبادئها الستة الشهيرة، وأن رفع المبدأ ذاته من جديد، فى ثورة جديدة عام 2011، وفى 30 يونية 2013 من بعدها، معناه أن كل ما تم بذله من جهد، فى سبيل تحقيقه، من 1952، الى 2011 لم ينجح فى شىء، ولو كان، ما كانت هناك ثورتان فى عامين والنصف، أو على الأقل ما كان هذا المبدأ على وجه التحديد، قد وجد له مكاناً بين مبادئ الثورتين الجديدتين!

بل كنت أتمنى ما هو أبعد من هذا وأعمق؟ فى خطاب الرئيس، بأن يقول، إن جهوداً بالطبع قد جرى بذلها، من عام 1952، إلى عام 2011، لتجسد معنى هذا المبدأ الأهم، على الأرض، وفى حياة الناس غير أن مشكلة تلك الجهود، فيما يبدو أنها أخذت من العدالة الاجتماعية كمبدأ، شكلها، لا جوهرها.. فالجوهر فيها يقول، إنه لا عدالة اجتماعية، بمعناها الحقيقى، فى حياة المواطنين، وخصوصاً غير المقتدرين منهم، إلا إذا صادف كل واحد فيهم، تعليماً جاداً، وعصرياً، وحقيقياً، لأبنائه، فى مدارس الحكومة وإلا إذا أتيحت له، ولأولاده خدمة صحية فى مستشفيات الدولة، تجعله مطمئناً، الى أنه إذا مرض، سوف يجد علاجاً آدمياً فى انتظاره!

العدالة الاجتماعية، ليست مجرد حافز مادى يضاف إلى مرتب، ولا هى مجرد حد أدنى يوضع للمرتبات ولا هى حتى مجرد زيادة فى الدخول بوجه عام لأن هذا كله فى النهاية، ليس إلا أوراقاً للبنكنوت لا تجدى شيئاً أمام الخدمات العامة التى على الحكومة أن تقدمها لمواطنيها، وخصوصاً، بل بشكل أخص خدمة الصحة، وخدمة التعليم، وليس لأى طرف آخر فى الدولة، كالقطاع الخاص مثلاً، أن يقدمها للناس.. فالحكومة، فى أى أرض، هى المعنية بهما دون سواها، ولا عذر لها، إذا عجزت عن تقديمهما مع خدمات عامة أخرى لا مجال هنا للخوض فيها.

وجود السيدة جاد الرب، على باب الرئيس بهذا الشكل، معناه أن هناك مشكلة كبيرة، ولابد أن حلها، ليس بإزالة أسباب شكوى السيدة، ولكن بإزالة أسباب الشكوى ذاتها، لدى الكثيرين غيرها، ومن نوعيتها، بامتداد البلد كله، وهذا لن يكون، إلا بأن يتبنى الرئيس عملاً شجاعاً يوفر تدريجياً، وعلى مدى سنوات ـ الخدمة الصحية لغير المقتدرين الذين تحمسوا. أكثر من غيرهم، لانتخابه واختياره.. نريد عملاً كهذا، لن يكون شجاعاً وفقط، ولكنه سيكون باقياً، لأنه سوف يستثمر فى الإنسان.. نعم فى الإنسان.

المرأة التى أغاثها الرئيس، عند البرلمان، كانت رأساً ظاهراً، لمشكلة أعم وأكبر.. أكثر منها صاحبة حالة خاصة، وعلى الرئيس، بحكم مسئوليته أن يتعامل مع العام فيها، قبل الخاص، ولا بديل آخر!