رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بدون رتوش

تجاوزت السعودية قرارات فيينا عندما انفردت بتنظيم مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، والذى اختتم أعماله الخميس الماضى، فرضت وصايتها على اختيار ممثلى المعارضة وفق أهوائها السياسية، إذ إنها مازالت تصر على حراك أحادى تقوده بالنسبة لما يحدث فى سوريا، وكأنها قد غدت هى المتحدث باسم الشعب السورى، كان غريبا أن توجه دعوة حضور المؤتمر المذكور لجماعات مسلحة مصنفة فى الأساس على لوائح الارهاب كجيش الاسلام وأحرار الشام وهم على شاكلة داعش وفكرهم قاعدى دموى يتطلعون إلى تشكيل امارة اسلامية ليعودوا بسوريا إلى ما قبل التاريخ. وهنا نتساءل: كيف يسمح لجماعات ارهابية بتقرير مصير سوريا؟!، فى المقابل استبعدت أطرافا من المشاركة فى المؤتمر أبرزها المنبر الديمقراطى المعارض وممثلو الأكراد وحزب الاتحاد الديمقراطى الكردى.

مازالت السعودية حريصة على رؤيتها بضرورة رحيل الأسد عن سدة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية.. ولهذا جمعت المعارضة فى الرياض للخروج ببيان يؤكد هذه الحيثية، ومن جديد ظهر السيد «عادل الجبير» وزير الخارجية ليؤكد أن على الرئيس «بشار» ترك السلطة عبر التفاوض أو القتال ليعطى الانطباع بأن هذا ما انتهى إليه مؤتمر الرياض بل وما اتفقت عليه دول مجلس التعاون الخليجى فى قمتها 36 التى عقدت بالرياض أيضا وبالتزامن مع مؤتمر المعارضة، فرحيل بشار عن الحكم يجب أن يتم تنفيذا لرغبة عارمة باتت السعودية مسكونة بها. ولكنها نسيت فى هذا الخضم أنها بذلك تسطو عن عمد على حق الشعب السورى فى تقرير مصير من يحكمه.

وهكذا أرست السعودية مبدأ جديدا فى العمل السياسى منحت لنفسها من خلاله المشروعية لتقرير مصير الحكم فى سوريا وكأنها بذلك قد نصبت نفسها نائبا عن الشعب السورى فى القيام بتلك المهمة، بعد أن سحبت منه هذا الحق عندما غاب عنها أن الشعب السورى وحده هو من يقرر مصير بلاده، ولربما أرادت السعودية هنا أن تتقمص الدور الذى قامت به أمريكا الدولة الأحادية القطبية عندما وجه رئيسها «أوباما» جملة واحدة للرئيس الأسبق مبارك قائلا: «ارحل.. الآن». وكان أن رحل مبارك بالفعل بعد تسعة أيام. ويبدو أن السعودية تريد إعادة هذا السيناريو من جديد وتتبنى النهج الأمريكى الاستعلائى الأمر الذى يفرض شروط اذعان قسرية وجوبية على دول المنطقة عندما تطالب برحيل الرئيس السورى عن السلطة، كان الخطأ فادحا عندما حذت السعودية حذو أمريكا فى المطالبة برحيل الرئيس الشرعى لسوريا عن السلطة والبحث عن تشكيل هيئة انتقالية لا يكون فيها، فلقد حولت الأزمة بذلك إلى حرب بالوكالة على الأرض السورية.

عجيب غريب أن يصدر هذا عن السعودية وقد كانت أحد الأضلاع الثلاثة فى المحور العربى الذى ضمها مع مصر وسوريا فى قمة شرم الشيخ فى مارس عام 2000 وهى القمة التى جمعت بين الرئيس مبارك والرئيس بشار، وولى عهد السعودية الأمير عبدالله بن عبدالعزيز. كان المحور يومها عروبياً خالصاً يبحث سبل التحرك العربى حيال الممارسات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين ويسعى لتنسيق التوجهات العربية ازاء التحركات الدولية خاصة ما يتعلق منها بعقد مؤتمر دولى للسلام. كانت العلاقات وثيقة بين الأطراف الثلاثة تبث روح التضامن وتعكس وحدة المواقف، أما اليوم، فالقياس مع الفارق حيث قادت السعودية سياسة عدوانية ازاء دولة عربية شقيقة عندما رهنت تسوية الأزمة السورية برحيل الرئيس بشار رغم أن كل الدلائل تؤكد أن البديل فيما إذا رحل سيكون كارثيا على سوريا وعلى المنطقة. وعندئذ لن تكون السعودية بمنأى عن العواقب الوخيمة التى ستطال الجميع.

وكم كان غريبا أن ترهن السعودية تسوية الأزمة برحيل بشار وتمضى فى زرع الأسافين لقطع الطريق على أى حل منصف يخرج سوريا من مستنقع المؤامرة الكونية التى استهدفتها والتى لعبت أمريكا فيها الدور الرئيسى وساندتها دول اقليمية وعربية كتركيا وقطر ولعبت السعودية فيها دور رأس الحربة، فأكدت بذلك صحة ما ذهبت إليه وكالة المخابرات الألمانية مؤخرا من أن سياسة السعودية الاندفاعية قد تؤدى إلى زعزعة الاستقرار فى المنطقة.

كان يتعين على المملكة العربية السعودية فيما لو أنصفت أن تعقد مؤتمرا لمحاربة الارهاب، فالارهاب هو الذى يجب أن يحتل الأولوية وليس إقصاء «بشار» عن الحكم كشرط لحل الأزمة السورية التى ستدخل عامها الخامس فى مارس القادم، فالاصرار على رحيل الرئيس كشرط اذعان للحل من شأنه تهيئة الأرضية لتصبح الظروف مواتية لتمدد داعش الارهابى وشركاه أكثر وأكثر. ولهذا لا يمكن للسيناريو الذى تبناه أوباما أن يعاد لأن الله هو الذى يولى وليس العبد، آن الأوان كى تدرك السعودية أن دوام الحال من المحال، وأن المعادلات تتغير وكذلك موازين القوى، وأن المال عرض زائل والسلطة لا تدوم.