رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بات محفوظًا عن ظهر قلب، السيناريو الذى تتبعه الحكومات المتعاقبة فى الخرطوم منذ استقلال السودان عام 1956 إلى اليوم فى تأزيم العلاقات مع الحكومة المصرية، واختلاق المعارك معها، وتصعيدها فى سياق لا علاقة له بما هو معلن لأسبابها. والسيناريو يبدأ بتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية  فى الساحة السودانية، وتكرار الفشل الحكومى فى التصدى لها، فيتم القفز عليها وترحيلها للخارج، بهدف تحقيق مكاسب انتخابية عابرة أو جلب التأييد الشعبى  لسياسات فاشلة، بإثارة مشاعر الوطنية الساذجة والسطحية للمواطنين حول مشاكل الحدود مع الحكومة المصرية، لاسيما فى أوقات التربص الغربى بمصر وبسياستها الداخلية والخارجية، وتنفيذ المخطط الذى ينتج عنه، باستخدام أطراف إقليمية وعربية. حدث هذا فى فبراير عام  1958، ومصر لم تكد تتعافى من العدوان الثلاثى عليها، فى أعقاب تأميم الزعيم جمال عبدالناصر لقناة السويس تمهيدًا لبناء السد العالى، ومع تصاعد العداء الغربى للوحدة المصرية –السورية.وفى هذه الأثناء قرر عبد الناصر إجراء استفتاء على الوحدة ورئاستها، بحيث يشمل ذلك مثلث حلايب، الذى تبلغ مساحته أكثر من 20 كيلو مترًا مربعًا، وتتداخل فيه القبائل المصرية والسودانية، ويقع فى الجنوب الشرقى لمصر وفقًا لاتفاقية الحكم الثنائى التى حددها الاستعمار البريطانى عام 1899، وهى اعتبرت حدود السودان هى جميع الأراضى الكائنة جنوبى خطط العرض 22 الذى يفصل بين البلدين. ومع تفجر الخلافات داخل ومع حكومة حزب الأمة برئاسة عبدالله خليل، فقد سارع الأخير بتقديم شكوى ضد الحكومة المصرية إلى مجلس الأمن الدولى، مستندًا إلى قرار إدارى مؤقت أصدره وزير الداخلية المصرى عام 1902، بوضع مثلث حلايب تحت إدارة الخرطوم للم شمل القبائل، وهو قرار انطوى على تأكيد فى نصوصه أن المنطقة التى يشملها القرار مصرية، وأنها لا تعنى إلغاء اتفاقية الحكم الثنائى  لعام 1899، التى تجزم أن مثلث حلايب منطقة مصرية، وقد تم تأجيل تسوية الوضع بناء على الطلب المصرى، وتم تجميد القضية فى مجلس الأمن، ولم تسحب الخرطوم شكواها، ليجرى تجديدها حسب التساهيل من وقت لآخر. وبعد أشهر قليلة، ساهم النزاع على السلطة بالإطاحة بحكومة عبدالله خليل عبر انقلاب الجنرال إبراهيم عبود العسكرى.

ومنذ شهور تتعثر حكومة الخرطوم، الفرع السودانى لجماعة  الإخوان، فى خطواتها لإجراء حوار مع معارضيها، وتنتهى كل جولة منه بالتنكيل بالمعارضين واعتقال قادتهم واغلاق الصحف ومراكز البحوث ومصادرة مطبوعاتها، وملاحقة المنظمات الحقوقية الأهلية. وقبل أيام انتهت بالفشل  فى أديس أبابا المحادثات بين الحكومة السودانية، والحركات المسلحة فى دارفور والحركة الشعبية فى الشمال، لبحث شروط وقف  الاقتتال الأهلى فى دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وهى المحادثات التى تتم بواسطة من وفد من الاتحاد الأفريقى  برئاسة ثابو مبيكى. مع نجاح مرشح عن دائرة حلايب وشلاتين للمرة الأولى فى الانتخابات النيابية المصرية، ومع تصاعد الضغوط التى يمارسها الطرف الإثيوبى مع مصر، لافشال المفاوضات الجارية بشأن التوصل لتسوية ترضى جميع الأطراف لتقليل المخاطر الناجمة عن سد النهضة، وجدت حكومة الخرطوم الإسلامية الفرصة مواتية  لاستحضار سيناريو التصعيد مع مصر، باستغلال أخطاء أمنية فى التعامل المصرى مع مهربى عملة سودانيين، واساءة معاملتهم فى أقسام الشرطة، ونشر وكالة أسوشيتد برس الأمريكية، أنباء عن قتل الشرطة المصرية 15 مهاجرًا سودانيًا وإصابة 8 آخرين، تجاهلوا طلقات تحذيرية، وحاولوا التسلل عبر سيناء إلى إسرائيل، ليتقدم وزير خارجيتها بشكوى ضد مصر فى مجلس الأمن تحيى ملف الخلافات الحدودية  معها حول حلايب. واستحضرت حكومة الخرطوم فى الوقت نفسه ميليشاتها الإلكترونية، لنشر وثائق واضحة الفبركة تزعم أن المخابرات المصرية، أرسلت خطابا إلى وزارة الداخلية  تطلب منها اساءة معاملة المواطنين السودانيين فى مصر والاعتداء  والتضييق عليهم، بشكل متكرر، فضلا عن حشد مظاهرات لأنصارها ضد السفارة المصرية فى الخرطوم، والتحرش بالمواطنين المصريين وممتلكاتهم فى السودان، ونشر حملات دعائية فى صحفها لحث المواطنين على عدم الذهاب إلى مصر، ورفع لافتات على مطاعم يمتلكها أنصارها، تحظر دخولها على المصريين والكلاب، بزعم الدفاع عن كرامة السودانيين التى تم إهدارها فى القاهرة، وهى مزاعم  تبعث على الضحك والأسى فى آن، إذ إن الحديث عن الكرامة لا محل له ومواطنون يضحون بحياتهم بحثًا عن لقمة العيش بعد أن ضاق بهم وطنهم، وأجبرتهم سياسات خرقاء للبحث عنها حتى لو كانت فى إسرائيل.

لا أحد يقبل بطبيعة الحال اساءة التعامل مع أى مواطن سودانى أو تعذيبه كما يزعم إعلام الإنقاذ، حتى لو كان مخالفا للقانون، وحسنًا فعل وزير الخارجية  سامح شكرى حين أكد فى لقائه مع السفير السودانى بالقاهرة أن تحقيقات تجرى بشأن ما ورد فى مذكرة للسفارة حول التجاوزات مع من ألقى القبض عليه من السودانيين، كما حث السفير على مد السلطات المصرية بكل ما يساعد فى انهاء تلك التحقيقات، مؤكدا أنها لا تعدو أن تكون تجاوزات فردية.

محاسبة من قام بتلك التجاوزات أمر ضرورى للحفاظ على كرامة كل من يتعامل مع أقسام الشرطة، وتأكيدا لدولة الدستور والقانون. لكن المؤكد أن إجراء المحاسبة لن يوقف التصعيد فى الأزمة التى تقوده حكومة الخرطوم، لأسباب عقيدية وايديولوجية لا تخفى على أحد، فهى من جهة تدعم نظيرتها جماعة الإخوان التى أطاحت بحكمهم الفاشل  ثورة شعبية عارمة  تخشى  على نفسها من عواقبها، ومن جهة أخرى تشارك فى الضغوط على القاهرة، بالتوحد مع الموقف الإثيوبى من سد النهضة، والذى لم يعد أمام القاهرة من مفر سوى اللجوء فى هذا الملف للتحكيم الدولى.