رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مشهد متكرر, يُصاب الكاتب أو المبدع بانهيار شامل في جسده بعد أن تخلى الجميع عنه، يلزم فراشه وحيداً، يصبح معزولاً عن العالم، ينساه من يعرفه، ويتجاهله من قرأ له، ويتنكر له كل من تتلمذ على يديه، يواجه ألَمُ المرض وقسوتُه، وألم الجحود والنسيان منفرداً مجرداً من أى سلاح، يدفع ثمن الكتابة والفكر والإبداع، وكأنها جريمة يُعاقَبُ عليها صاحِبُها بأقصى أنواع العقوبة, ثم يرحل فى هدوء وتنطوى صفحته، حتى إذا تذكر أحد بعض أعماله, أو ورد اسمه فى أحد المحافل، أقيمت سرادقات العزاء من جديد، وعقدت الندوات التى تتحدث عن مناقبه، وظهرت أعماله للنور، وطبعت عدة طبعات ليستفيد منها أصحاب دور النشر، لأنه غالباً لا يظهر له وريث شرعى.

وقديما قالوا «لا كرامة لكاتب أو فنان في وطنه»، فالكرامة هي آخر ما يمتلكه بعضهم بعد أن يكون المرض قد نخر أجسادهم، أو الفقر قد استباح آدميتهم، أو الانتحار قد أطفأ شموعهم، فيغادرون الحياة فرادى كما دخلوها أول مرة.

عندما رحل الكاتب الكولومبي جابرييل غارسيا ماركيز، قامت كولومبيا عن بكرة أبيها حزينة على وفاة صاحب «مائة عام من العزلة»، فغادر الرجل الحياة محتفى به دون عزلة، حيث خرج آلاف الناس إلى الشارع مُشيعين كاتبهم المفضل. وهنا يمكن أن يظهر بعض المتنطعين وأصحاب السخافات –وما أكثرهم– للتدليل أن كولومبيا تمتلك الإمكانات ونحن نعانى فالمقارنة ظالمة, والحقيقة أن الظلم فى فهمنا للمبدع ودوره فى المجتمع، وتأثره فى أجيال متعددة, وقيادته للرأى العام إلى آخر ذلك. فالأدب أدب، والإبداع إبداع، والإنسان إنسان، فى أى زمان ومكان، فأى كاتب أو شاعر أو فنان مرآة تعكس حقيقة مجتمعه ومآله. وتبقى مقولة ونستون تشرشل الخالدة: «إن بريطانيا على استعداد أن تضحي بجميع مستعمراتها على أن لا تضحّي ببيت شعر واحد من قصائد شكسبير».

على الجانب الآخر تبقى حياة المبدعين في مصر، الذين منحوا عصارة فكرهم وموهبتهم وحياتهم للجمال والإبداع في شتى حقول المعرفة مهددة هامشية يعانى أصحابها من شظف العيش والعوز والأمراض، تخنقهم غصة التهميش والنسيان والإهمال، يطل عليهم شبح من رحلوا من أقرانهم، لكنهم مصرون على التواصل والخلق والعطاء، باعتبارهم عقولاً ثقافية انتقادية منتجة، تتحدى المحن والشدائد على مدى عقود.

مناسبة هذه القضية حكاية جديدة –بالطبع ليست الأخيرة– لأديبنا الكبير محمد جبريل الذى انضم لسلسلة طويلة من المبدعين المرضى يعانون الإهمال والنكران والجحود.

جبريل الروائى والكاتب الذى تجاوزت مؤلفاته الستين كتابا، ونشرت رواياته منجمة وقصصه القصيرة في كبرى الصحف والدوريات العربية، وصدر عنه 15 كتاباً و12 رسالة جامعية، وتُرجم الكثير من أعماله إلى عدة لغات كالإنجليزية والفرنسية، كما دُرست أيضا في جامعات السوربون ولبنان والجزائر، وحصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى, فضلاً عن صالونه الثقافى الذى تخرج منه الكثير من المبدعين، وهو الصالون الذى لم يتوقف للعديد من السنوات ما أفاد الكثير من الكتاب الشباب.

صاحب الأسوار، إمام آخر الزمان، من أوراق أبي الطيب المتنبي، قاضي البهار ينزل البحر، الصهبة، قلعة الجبل، النظر إلى أسفل، الخليج، اعترافات سيد القرية، زهرة الصباح، الشاطئ الآخر، رباعية بحري، زمان الوصل، ما ذكره رواة الأخبار عن سيرة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله، حكايات الفصول الأربعة، وغيرها من الأعمال الأدبية.

يعانى جبريل منذ فترة من آلام شديدة فى العمود الفقرى بعد خطأ وإهمال فى جراحة أُجريت له أنفق عليها ما يقرب من الـ 100 ألف جنيه، وهذا الخطأ أدى به إلى تفكك فى العمود الفقري، وانسداد فى بعض الأوردة التى أدت إلى توقف إحدى قدميه عن الحركة تماماً، ومن ثم لازم الروائى منزله منذ ما يقرب من الثلاثة أشهر غير قادر على الحركة، فضلاً عن الآلام الشديدة التى يعانيها ليل نهار, وهنا نصحه طبيبه بالسفر للخارج، لإجراء عملية جراحية دقيقة فى عموده الفقري، تتكلف 45 ألف يورو.

ولجأ جبريل إلى اتحاد الكتاب فحاول منحه مبلغ 2400 جنيه فقط، الأمر الذى جعله يتنازل مجبراً، وأصدر رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب قراراً –لم ينفذ- بعلاج الرجل على نفقة الدولة بمبلغ 12000 يورو فقط. لأن المستشار الخاص بمجلس الوزراء قال إنه لا يوجد مركز طبى بـ«فرانكفورت»، والقرار لا يشمل مرافقاً مع العلم ان جبريل لا يستطيع الحركة بمفرده. وأخيراً قالت زوجته الدكتورة زينب العسال فى تصريحات صحفية «محدش سأل فى محمد جبريل وهيموت فى مصر ومش هنقبل أن أى دولة تقوم بعلاجه غير بلده».

وأضافت «العسال»: رغم المساندة الإعلامية لكن «مفيش» حد سأل فينا. ونحن لا نملك أى أموال نظراً لما قمنا به من عمليات جراحية من قبل. كلمات العسال صرخة زوجة قدم زوجها لمصر الكثير، وجرس إنذار لإنقاذ ما تبقى من المبدعين قبل أن نقرأ رثاءهم فى وسائل الإعلام، فنطلب لهم الرحمة ونقلب الصفحة.

[email protected]