عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ليس معنى أن تسقط طائرة أن يتم إيقاف رحلات الطيران أو أن يتم لعن من قام باختراع الطائرة، وليس معنى وقوع حادث تدافع في منى خلال أداء مناسك الحج أن يتم توجيه كل اللوم إلى طرف بعينه باعتباره السبب الرئيسي في كل ما حدث، فهناك على مدار الزمان وعلى مدى الوجود الإنساني، ما يمكن وصفه بالحوادث التي تقع بفعل طبيعة الأشياء، فطالما وجدت السيارة فستكون هناك حتماً، حوادث تصادم، وطالما وجدت دول سيكون هناك بكل تأكيد حروب، وطالما وجد زحام فسيوجد تدافع.. وهكذا. ليس هذا تبريراً لكارثة أو محاولة التماس العذر لجهة وإنما هي مقدمة ضرورية حتى أضع القارئ في سياق ما أود طرحه في السطور المقبلة. غير أن الاختلاف في مستوى وقوع الحوادث.. هنا فقط يمكن لنا التوقف والمساءلة، وهي مسألة يمكن القول إنها تخضع لقواعد وحسابات.. فأن تشهد طرقك مائة حادث سيارة سنوياً فقد يكون ذلك مؤشراً على حسن تنظيمك للمرور وتوعية السائقين وأن تشهد طرق أخرى ألف حادث فذلك يدل على الإهمال وهكذا.

ليس المجال هنا متاحاً لاستعراض أحداث الحج لكي نقرر ما إذا كانت الأمور تسير وفق الأفضل أم الأسوأ، لكننا نشير إلى أنه سبق الحادث الذي وقع هذا العام آخر كان قد وقع عام 2006 وهو ما كان بمثابة إنذار بضرورة البحث عن سبل أخرى لتأمين حياة الحجاج وتوفير سيولة وسهولة أدائهم لمناسك الحج، وكان لصاحب هذه السطور رؤية قدمها آنذاك في مقالة له بجريدة «البيان» الإماراتية تحدد بعض الإجراءات للاستفادة مما حدث. وعندما ندرك أن الحادث الأخير وقع بعد 9 سنوات، فذلك يشير ويؤكد حقيقة أن السلطات السعودية تبذل قصاري جهدها من أجل رعاية الحجاج وتوفير الأمان لهم، وإن كان يزيد من وقع المأساة حادث الرافعة الذي جعل من الهم همين. والمشكلة أن يتركز الاهتمام فيما بعد الحادث الأخير على الزحام بمعناه الضيق، وهو كيف يتم توفير إجراءات تنظيمية كافية لكي يتم القضاء على أي أحداث تدافع في المستقبل.

في تقديري –والتقدير، مثل الاجتهاد في منظور الإسلام، يحتمل الخطأ ويحتمل الصواب وإن كان قد يكون له أجر أو أجرين أو لا– أن مناط التركيز يجب أن يتجه إلى جوانب أخرى، فتوفير الإجراءات التنظيمية التي تضمن سلاسة الحج تقع ضمن ما يمكن وصفه بـ«الجهاد الأصغر»، فيما أن الأمر يتطلب مواجهة وإجراءات جذرية يمكن وصفها بـ«الجهاد الأكبر».

روشتة الإجراءات الجذرية ربما تكون طويلة وربما تبدو للبعض صادمة، غير أنها ضرورية.. والعنوان العريض لهذه الروشتة هو: «تفكيك زحام الحجيج». أما كيف يتم هذا التفكيك فهذا ما يحتاج لتفصيل.

لا أريد أن يتوه معي القارئ فيما أود الإشارة إليه، غير أنني أشير إلى أن أول إجراءات تفكيك الزحام تبدأ بإعادة النظر في أعداد الحجاج والنظرة لفلسفة الحج لدى المسلم العادي. كنت قد كتبت في آخر مقال هنا منذ أسبوعين انتقد دعوة خطيب مسجد المسلمين للتكالب على الحج وعدم التحجج بمنطق «من استطاع إليه سبيلا».. وذلك أحد مظاهر الأزمة وأسبابها.. وهو حرص المسلم على أداء الفريضة أكثر من مرة والتوسع في منطق «الاستطاعة». ليس سلخاً للذات وإنما نقد لا بد منه أقول إننا إذا نظرنا لعدد كبير من المسلمين الآن فإن وضعهم يذكرنا بالحديث النبوي الذي يقول في شأن الصيام «رب صائم لم ينل من صيامه إلا الجوع والعطش».. وهو ما يجعلنا نؤكد على فكرة فلسفة الحج، فليس المهم بالنسبة للمسلم أداء الحج وإنما أن يتحلي بسلوكيات الحاج التي هي جزء من سلوكيات المسلم الموحد للإله والمصلي المزكي الصائم.. والمؤدي للحج.

 إذا وضعنا ذلك في سياق أعداد المسلمين في مراحل زمنية مختلفة وأعدادهم التي تنامت بشكل مهول الآن أمكن لنا استيعاب منطق وضع شروط تتعلق بضبط أعداد الحجاج. تبدو أهمية هذا السيناريو ليس في ضوء الحادث الأخير فقط وإنما في ضوء التصورات المستقبلية بشأن زيادة أعداد الحجاج المسلمين لو سار الأمر على هذه الوتيرة حيث قد يتجاوز ستة ملايين أو سبعة ملايين وهو أمر لا شك يفوق قدرة تأمينه أو تنظيمه أي سلطات في العالم.

نأتي إلى بيت القصيد ويتعلق الأمر هنا بمفهومنا للحج وهو اقتصاره على التاسع من ذي الحجة والأيام التي تليه في ضوء الحديث النبوي الشريف الذي يؤكد على أن «الحج عرفة».. وهو حديث تقابله آية كريمة تقرر أن: «الحج أشهر معلومات»، وهناك الكثير من الآراء بشأن هذه الأشهر تتراوح بين كونها شوال وذي والقعدة وذي الحجة، فيما تذهب آراء أخرى إلى أنها تقف عن العشر الأوائل من ذي الحجة. مرة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة لا نريد أن نفتي بغير علم، فليس بمقدورنا تحمل إثم من أخذ بما يراه فتوانا، ولكننا نتساءل، والسؤال إحدى الخطوات المؤدية إلى المعرفة والإنجاز: هل يعني ذلك أن الحج يمكن قضاءه على مدى شهور؟ وهل يمثل هذا الأمر مجالاً للاجتهاد وفتح بابه وهو الذي قد أغلق على مدى قرون بشأن شعيرة أساسية تحتل موقعاً هاماً في بنية الإسلام كدين. في تاريخنا الإسلامي يتم الإشارة إلى مثل تقليدي بشأن سلوك الخليفة عمر بن الخطاب في عام الرمادة حين أوقف تطبيق حد السرقة. وبنفس الروح العمرية نطرح تساؤلنا في قضية نعلم أن مليارات المسلمين لا تقبل الاقتراب منها في ضوء حالة التقديس المحاطة بفريضة الحج والحرص على أدائها على النحو الذي وصلنا من أسلافنا الأوائل، وهو أمر يجافي المنطق وفلسفة الإسلام ككل الذي يحرص على الروح الإنسانية وحتى لا نبدو أمام أنفسنا قبل أن نبدو أمام الآخرين وكأننا همج رعاع في تكريس لمقولات الخصوم الكاذبة بأن الإسلام هو سبب تخلفنا وتراجعنا.. وتلك آفتنا الكبرى.

[email protected]