رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كأننا لا نتعلم وكأن الأيام والأحداث لا تكسبنا خبرة أن نتلافي أخطاء وقعنا فيها من قبل.. وأتصور أن سبب مصيبة خلط الدين بالدولة أو بالسياسة ليس الجماعات الدينية وإنما الأنظمة السياسية نفسها التي لا تزال تري أن الدين يمكن استخدامه لحمايتها وتعضيد سلطتها وقت الحاجة وأن فكرة فصله عن الدولة «السياسة» فكرة خطيرة على الدولة أكثر مما هي خطيرة على الجماعات المتأسلمة التي تستخدم الدين والفكر الديني غطاء لأغراض سياسية. وبهذا التصور يمكن استخلاص نتيجة صادمة تقول إن الدولة المصرية منذ عقود طويلة هي أكثر الكيانات متاجرة بالدين وتوظيفاً له لخدمة أهدافها وينافسها في هذا الهوى الجماعات الدينية.

الذين ينادون بنزع الدين من حقول السياسة الآن يركزون على رفض تشكيل أحزاب على أسس ومرجعيات دينية وهذا جزء من الحقيقة والمصيبة التي تخنق مصر منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، وأقصد «تديين السياسة» أما الجزء الغاطس من الحقيقة أن الدولة المصرية تستخدم وتوظف الدين والتدين في مناوراتها مع الجميع – وأنا لا أفهم الآن ما جدوى أو منطقية الدعوة الرسمية لتجديد وتطوير الخطاب الديني واعتبار المؤسسات الدينية الرسمية «الأزهر والأوقاف والفتوى» المسئولة عن ذلك - في حين أن هذه المؤسسات لا يمكن ادعاء استقلاليتها عن الدولة ولا يمكن تجاهل أن دور من أدوارها تبرير السياسات العامة للدولة في كل عصر من العصور.. بعد ثورة يوليو تبني الخطاب الديني شعارات المساواة والعدالة الاجتماعية اتساقاً مع مبادئ المرحلة ومع بداية عصر السادات وما عرف بالانفتاح تبدل الخطاب الديني ليركز على شرعية ومشروعية الملكية الخاصة والجنوح للسلام مع الخصوم التاريخيين وذلك اتساقاً مع ولع السادات بالغرب وأسواقه ومباهجه وأيضاً مبادرته للسلام إلى الحد الذي جعل الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق يكتب أن العشرة المبشرين بالجنة كلهم من كبار الأثرياء وليس بينهم مثلاً بلال بن رباح العبد الفقير وذلك تبريراً لظهور طبقة جديدة من الأثرياء ثراء اعتمد في معظمه على النهب وليس الكفاح والعرق.. أما حقبة مبارك «الثلاثينية» فهي الأكثر تأسيساً للزج بالدين في الشأن السياسي عندما تعامل النظام مع التيارات الدينية بسياسة العصا والجزرة.

وللأسف لم يدفع ثمن هذا الابتزاز للدين وللسياسة معاً إلا مصر الوطن والمصريين المعاصرين.. كانت محاصصة الجماعات الدينية في البرلمان واضحة بتقسيم الدوائر بين أهل الدين وأهل الدنيا.. ومما يؤسف له أن أهل الدين من الجماعات المتأسلمة هم أكثر من أهانوا أبسط القيم الدينية، أما أهل الدنيا من أرباب السلطة السياسية فلم يعملوا إلا من أجل مصالحهم الشخصية الفاسدة وظلوا أبعد ما يكونون عن إعمار الدنيا بالحق وتركوا الفقراء في عشوائياتهم فريسة لابتزاز الجماعات الدينية التي اشترت ضمائرهم السياسية بالزيت والسكر ومستوصفات العلاج.. وعند الصدام بين الطرفين تستخدم السلطة عصاها بإقصاء جماعات الإسلام السياسي المتمردة عليها وأحياناً باعتقال رموزهم، وفي الوقت نفسه تصدر السلطة خطابها السياسي ممزوجاً بالدين لتصوير خصومها أنهم يتاجرون بالتدين الخاطئ من أجل السلطة ويميلون للعنف لفرض أفكارهم، في حين تستخدم السلطة نفس أساليب الجماعات المتأسلمة بعدم استبعادها للدين من حقول السياسة وأوحالها، وقد يكون من اللافت مثلاً أنه حتى اليوم يحرص رئيس الدولة في مصر على حضور مسابقة لحفظ القرآن ولا يحضر مثلاً مؤتمراً علمياً مهماً، وهنا يتبدى للمتابع تلون الخطاب السياسي الرسمي بصبغة دينية لا تختلف معها نوايا الحكام من الولاة والسلاطين والملوك والرؤساء الذين تعاقبوا على مصر منذ مائتي عام على الأقل.

من المؤكد أنه حتى اللحظة لم يظهر القائد الذي يقول صراحة إنه لا دخل للدين بالسياسة ولا دخل للسياسة بالدين، وأنه كلما ضاقت المسافة العازلة بين الدين والسياسة ضاقت الحياة ودوائر الأمل في مستقبل أفضل.. نحن بحاجة لقيادة إصلاحية حقيقية ليس بالضرورة أن يقود رئيس الدولة هذا التيار الإصلاحي لسبب جوهري أن إصلاح الفكر والثقافة مهمة مجتمعية بالأساس، والمرجح أنه على مدى أكثر من أربعين عاماً لم تر السلطة في مصر أن من مصلحتها حدوث هذا الإصلاح وأن تسييس الدين ما زال سلاحاً مهماً بيد كل أطراف اللعبة السياسية، من بالسلطة ومن يسعى إليها.

وأتصور أننا بحاجة إلى زلزال فكري يقلب طبقات المجتمع ويزيح ما تراكم من ثقافات وأفكار وأحياناً يكون دمار الزلزال فرصة للبناء من جديد بأفكار ورؤى مغايرة.. ولما لا والتاريخ يؤكد لنا نزوع الإسلام إلى «العلمنة السياسية» كما يرى الباحث صلاح سالم في كتابه «الأساطير المؤسسة للإسلام السياسي ج1»، ويقول: «بانتهاء الراشدين لم تكن هناك أي مؤسسة دينية وبدت السياسة مهيمنة على فهم الدين، بل وفاعلة في أغلب الصراعات التي دارت آنذاك بين الفرق والمذاهب الكلامية والفقهية».. ويضيف: «لعل ما قام به الخليفة المأمون من قهر للإمام أحمد بن حنبل لصالح التيار المعتزلي في محنة خلق القرآن مثلاً لم يكن ليفترق عما قام به من قبل الإمبراطور قسطنطين ضد القديس آريوس بسبب الخلاف حول طبيعة المسيح، وكان موقف قسطنطين يصب لصالح أثناسيوس أسقف الإسكندرية مع فارق زمني أقل بنحو القرن لصالح الإسلام بين وقوع كلا الحدثين وبين رحيل رأس الديانة (عيسي المسيح – محمد بن عبدالله) ما يؤكد أن الإسلام لم يكن مانعاً لصيرورة العلمنة السياسية».

 

 

[email protected]