رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

هرمنا -كما  كان العجوز التونسى يصيح فرحًا، بالثورة التى انتظرها عمرًا طويلاً لتسقط حكم زين العابدين بن على – ونحن نحلم باختفاء الجهات الأمنية المجهولة، التى  دأبت على امتداد أكثر من خمسين عامًا، على التحكم فى حياة ومصائر المواطنين، فتمنع هذا من الترقى الوظيفى دون ذكر أسباب، وتحول بين آخر وبين انضمامه للعمل فى السلك الدبلوماسى أو الالتحاق بالدراسة العسكرية، أو تحظر عليه العمل فى جهة بعينيها أو تمنعه من السفر وغير ذلك من إجراءات انتقاص الحقوق لأسباب مجهولة. وكنا  نأمل ونحلم، ونحن نغنى وراء  الست أم كلثوم فى ثورة 30 يونية قصيدة رامى الرائعة مصر التى فى خاطرى  وفى دمى، ونردد معها وهى تشدو «أحبها للموقف الجليل، من شعبها وجيشها النبيل، دعا إلى حق الحياة، لكل من فى أرضها، وثار فى  وجه الطغاة، مناديا بحقها، وقال فى تاريخه المجيد، يا دولة الظلم إنمحى، وبيدى» أن هذا اللون من الممارسات الأمنية  الظالمة قد أصبح فى طريقه للإنزواء، وأننا بتنا «على أعتاب عهد جديد، عنوانه هو الشفافية، ومعياره فى الاختيار هو الكفاءة والانضباط والانتماء الوطنى، لكن ما جرى ويجرى مع صاحب هذه الواقعة، قد خيب أملنا وأجهض أحلامنا.

وهو لمن لا يعرفه، دكتور مهندس، حصل على شهادتى الماجستير والدكتوراه من بريطانيا فى مجال أمان مفاعلات القوى النووية، وبعد أن أنهى دراسته التى أتمها على نفقته الخاصة، عاد إلى مصر عام 1983 ليلتحق بالعمل فى هيئة المحطات النووية، وتدرج فى العمل فى المواقع المختلفة داخل الهيئة حتى وصل إلى منصب نائب رئيسها، مما أكسبه خبرات متعددة  فى هذا المجال، حتى بلوغه سن المعاش فى عام 2010، حينئذ طلبت منه قيادة الهيئة أن يستمر بالعمل بها كمستشار فنى، وقد استجاب لطلبها. وخلال 32 عاما من العمل المميز والجهد الدءوب داخل الهيئة، قدم الدكتور «منير مجاهد» عددًا من الدراسات والأبحاث  الهامة  حول امكانيات التحلية النووية  كمصدر لمياه الشرب قليلة التكلفة فى شمال إفريقيا، وهى الدراسة التى كانت أساسا لمشروع اقليمى بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة، استفادت منه خمس دول عربية، وتعميق الاستفادة من التكنولوجيا النووية فى إزالة ملوحة مياه البحر، ورئاسة المشروع البحثى  مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عن التصميم الأمثل لربط المفاعلات النووية  بمنظومة التحلية، والمشاركة فى إعداد استراتيجية وزارة الكهرباء والطاقة المعنوية، ودعم الصناعة والبحث العلمى والسيطرة على دورة الوقود النووى، وغيرها من الدراسات التى استفادت منها مصر وغيرها من الدول العربية وربما غير العربية. ويبقى من أهم الأدوار التى قام بها الدكتور «منير مجاهد» تقديمه لدراسة جدوى حول إنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء وإزالة ملوحة مياه البحر فى منطقة الضبعة، وهى الدراسة التى أدت إلى اتخاذ القرار المصرى الاستراتيجى، بالبدء فى برنامج للمحطات النووية فى عام 2007، دون تحديد موقعه، حيث تبين فيما بعد  أن مافيا الاستيلاء على الأراضى، وبعض رجال الأعمال الطامعين فى موقع الضبعة لتحويله لمشروع سياحى استثمارى، قد نجحوا فى استبعاد  موقع الضبعة من هذا البرنامج، فتصدى الدكتور منير مجاهد مع عدد من العلماء المصريين لهذا المخطط  الهدام منذ العام 2004، مستخدما كل الوسائل الديمقراطية من الكتابة فى الصحف إلى الحديث فى  الفضائيات إلى عقد الندوات وجمع العرائض لحماية هذه المنطقة من جشع المستثمرين وأنصارهم فى دوائر السلطة، حتى صدر قرار فى 25 أغسطس عام 2010، بأن تكون الضبعة موقعا لأول محطة كهرباء تعمل بالطاقة النووية فى مصر، وهو المشروع الذى أعلن الرئيس السيسى أثناء زيارته لموسكو، أن روسيا الاتحادية ستشارك فى بنائه.

هذا قليل من كثير لسجل عالم مصرى فى تخصص نادر، أفنى عمره دفاعا عن حق بلاده وأهليتها لتعظيم الاستفادة من هذا القطاع الحيوى الذى بات مطلبا ضروريا لحماية الأمن  القومى، وكانت المكافأة، أو بالأحرى المفاجئة المدوية، العودة إلى أساليب خفافيش الظلام التى أضاعت على الوطن فرصا لا حدود لفوائدها، وأهدرت جهودا لعلماء فى مجالات الطب والهندسة والاقتصاد، وغيرها، بالتعتيم عليها وعليهم، ودفعهم دفعا إما للانسحاب والانزواء  يأسا أو الموت قهرًا وكمدًا أو الهجرة، ليستفيد الغربيون من جهودهم، ويحرم منها أبناء وطنهم.

 ففى 14 يوليو الماضى  أبلغ رئيس هيئة الطاقة النووية لتوليد الكهرباء الدكتور خليل عبدالفتاح والدكتور منير مجاهد أنه قد تم استبعاده  من مشروع المحطات النووية فى الضبعة، أما السبب  الذى ساقه اليه رئيس الهيئة فهو أن ذلك تم بناء على أوامر من جهة سيادية، لوجود تحفظات أمنية على شخصه،لم يعلم عنها شيئا وزير الكهرباء المختص!!

وليس لدينا بالطبع أى اعتراض على أن تقدم أى جهة أمنية معنية، ما قد يكون لديها من معلومات تتعلق بمرشح لأية وظيفة عامة، إذا ما كانت هذه المعلومات تتعلق  بادائه لعمله، أو إذا ما كان العمل يرتبط بموقع له حساسية خاصة، لكن المشكلة تبقى فى طبيعة هذه الجهة، وفى مدى مصداقية ما قد يكون لديها من معلومات، ومدى علاقة هذه المعلومات بأهلية المرشح للقيام بدوره فى الخدمة العامة، أو استغلاله لهذا الدور للإضرار بالمصالح العامة، ومن هنا يصبح من الضرورى والعادل فى نفس الوقت  مواجهة المرشح بما ينسب إليه، واتاحة الفرصة له،أن يعرف طبيعة هذه الجهة التى أتخذت قرارها بالاعتراض عليه، واتاحة الفرصة له كى يثبت كذب تلك الادعاءات، لأن الاعتراض فى حد ذاته ينطوى على دوائر من التشكيك لا تطول فحسب مدى جدارته وكفاءته للقيام بالمهمة، التى يثبت تاريخه أنه قام بها  باقتدار على امتداد مسيرته المهنية  وبولاء للوطن لاشك فيه، لكنها تطول كذلك شرفه الشخصى، وقد تتسع لاعطاء الفرصة لتشكيك فى وطنيته. ومن حق الدكتور منير مجاهد ومن حقنا معه، أن يواجه بما ينسب إليه كى يفسره أو يدحضه أو يثبت كذبه، خاصة أن أجهزة الأمن شأنها فى ذلك شأن غيرها من أجهزة الدولة، يمكن أن تقع فريسة لمن يمدونها بمعلومات كاذبة أو أخبار مفبركة، تمليها منافسات  واحقاد مهنية، ، أو تقودها أغراض شخصية  لا تسهدف سوى استبعاد الأكفاء والشرفاء والمخلصين عن مجال الخدمة العامة. فهل تتكرم الجهة الأمنية بالكشف عن أسبابها فى قضية الدكتور منير مجاهد،كى لا نفتح مجددا أبواب اليأس على مصراعيها.