رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

على شواطئ البسفور راح ينشد بعض الراحة لجسده المتعب جراء يوم عمل شاق, فاختطفه النوم عنوة, وبفعل المكان راح فى سبات ما بين الواقع والخيال, هم منتفضاً على أصوات النفير, ومن يؤخذه بطرف سيف, أنت فى حضرة سلطان الأرض وسيد البحار, أنت فى حضرة السلطان «سليم الأول» خليفة المسلمين والحاكم بأمر الله, وتحت أقدام الخليفة وضعوه, انتفض جسده رعباً, وتلعثمت كلماته خوفاً, لم يستطع أن يتمالك نفسه, فإذا بالسلطان يضع يده على كتفه, مطمئنا له أمره, بالنهوض شاوراً له بيمينه ناحية البسفور قائلاً: هذا أسطول الخلافة ومفتاح قوتها يا «رجب» به فتحنا العالم.. ثم أشار لسيفه قائلاً: وبهذا حكمناه!

انتفض الرجل من سباته فزعاً متلفتاً يميناً ويساراً, ماداً بنظرة ناحية البسفور, لا يجد شيئاً سوى القلعة, وعندها تذكر أولى زياراته لواشنطن, وكيف احتفى به هناك, وكيف قدمه صديقه «ريتشارد بيرل» أحد رموز المحافظين الجدد كأول رئيس حكومة إسلامية تركية منذ عشرينات القرن الماضى, تلك الحكومة التى يفترض لها أن ستقود تركيا الجديدة إلى قيادة الشرق الأوسط.

وبعد مرور بضع سنين على اعتلاء «رجب طيب أردوجان» مقاليد الحكم فى تركيا, كانت قد بدأت ثورات الربيع العربى تهز عواصم الديكتاتوريات العربية, وبالأخص منها ما رفعت شعارات القومية العربية وحلم بالوحدة بين بلدانها وفى القلب منها القاهرة.. وحينما بدأ وصول تيار الإسلام السياسى للحكم بدأت الفكرة تختمر فى عقل «رجب» فتقمص شخصية السلطان, وأخذت تطارده على مشهد الأحداث, خاصة أن تيار الإسلام السياسى صار يتخذ من تركيا وحزب العدالة والتنمية قدوة وسنداً له فى مواجهة خصوم الداخل والخارج, فتم توقيع الاتفاقيات التجارية, وفتحت أمامهم الأسواق العربية دون حساب, أيقن وقتها «رجب» أن قواعد اللعبة قد تغيرت, وأدواتها صارت مختلفة, فأسطول الخلافة ومفتاح قوتها صار تيار «الإسلام السياسى», وسيفها الخاضع هو «اقتصاده».

فراح الرجل من القاهرة وأمام وزراء الخارجية العرب ينادى بالمطالب المشروعة للشعوب, وأنه لا ينبغى قمعها بالقوة, وأن يكون شعار دول المنطقة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, راح يغازل الشعوب العربية مغازلة تؤدى إلى استحواذ تيار «الإسلام السياسى» على مفاصل الدول ومصادرتها لهم, خاصة وحالة الفراغ السياسى تسود المنطقة بعد ترهل الأنظمة, وانتشار الفساد وتفشى ظواهر الضحيج بين الصفوة من الرموز.

فتمددت تركيا فى المنطقة العربية سياسياً بأقل تكلفة يمكن أن تتحملها لاستعادة الدور التركى القديم فى الشرق الأوسط والمجال الجغرافى, لذا يمكنها أن تلعب فيه دون صدام مع طموحات القوى الكبرى, ظلت تركيا طوال الأعوام الماضية تتدخل فى شئون دول المنطقة, عبر وكلائها من قوى الإسلام السياسى, ودول خلعت عن نفسها عباءة الوطنية والعروبة, أثارت الفتن وأشعلت نيران الحروب.

ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن, ويصدم «رجب» بثورة الشعب المصرى على قوى الإسلام السياسى, وبالأخص «الإخوان المسلمين» الفكرة الأم لحزبه, ومن بعده  يسقط أيضاً الشعب التونسى قوى الإسلام السياسى فى الانتخابات, ويسقط الشعب الليبى كذلك «الإخوان المسلمين» وتتشكل الحكومة الليبية فى بنى غازى, كما يصمد نظام «بشار الأسد» فى سوريا برغم الكم الهائل من الدعم التركى للمعارضة المسلحة, فصار «رجب» أمام خيارات تزداد صعوبة ويغرق فى الوحل السورى, وبدأت الكوابيس تداهمه داخل عقر داره, ويخفق فى أن ينال الأغلبية التى تؤهله لتشكيل حزبه للحكومة منفرداً, مما يهدده بفقدان أحلامه فى تكوين نظام رئاسي للدولة, فباتت تركيا اليوم وبعد سنوات من الأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادى وبفعل أحلام «أردوغان» تتدحرج من على قمة جبل الأحلام إلى مستنقع الوحل السياسى, فيجد «رجب» نفسة مضطراً لتغيير قواعد اللعبة, فيشعلها حرباً على الأكراد بحجة مواجهة «داعش» ليستنهض «القوميين الأتراك»، ويحظى بتأييدهم، إما فى حكومة ائتلافية أو جر البلاد إلى انتخابات يحظى فيها بدعم أكبر من الشعب التركى بطوائفه المختلفة.

وهكذا فإن الحقيقة لا يمكن أن تستند إلى أحلام وأوهام شخص, فالمقبول والمعقول هو أن القوة الحقيقية هى للذين يملكون المصلحة الحقيقية, لأن مؤشر صعود وهبوط الدول لا يقتضى إلا فتح كتب التاريخ, لأنه يخبرنا بقدر ما يريد وليس بقدر ما نرغبه.

ومضة:

ورحم الله المفكر الكبير وأحد رواد النهضة والفكر القومى عبدالرحمن الكواكبى الذى قال: «من أقبح أنواع الاستبداد, استبداد الجهل على العلم, واستبداد النفس على العقل».