رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

في الصفحة الأولي، من أحد مؤلفاته، كان عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، قد وضع العبارة التالية: إلي الذين لا يعملون، ويضيرهم أن يعمل الآخرون.

والمفارقة في العبارة، كما تري، أن هناك أشخاصاً بيننا لا يكتفون بأنهم لا يعملون، وإنما يؤذيهم جداً، أن يروا آخرين يعملون، فلا يكون أمامهم، والحال كذلك، إلا أن يحاولوا تعطيل هؤلاء الذين يعملون.. وبأي طريقة!

ولست أري عبارة تنطبق بمعناها كله، علي جانب كبير من المظاهرات التي خرجت احتجاجاً علي قانون الخدمة المدنية الجديد، سوي تلك العبارة للراحل طه حسين.

وأقول إن معني العبارة ينطبق علي «جانب كبير» من الذين تظاهروا احتجاجاً، لأنه من الوارد أن يكون بين الذين تظاهروا، عدد قرأ نص القانون، وبنوده، ثم كانت له ملاحظات عليه، وهذا جائز، ومشروع، ومقبول،  بل ويجب أن نرحب به، ونشجعه.. أما أن تكون الغالبية من المتظاهرين، قد خرجت، لتعترض علي القانون، كقانون، وعلي بنوده، كبنود، فهذا هو الجديد!

هذا هو الجديد، لأن «رسالة» القانون الجديد، ألا يكون الذي يعمل في وظيفته الحكومية كالذي لا يعمل، وأن يكون هناك خافز، للذي يعمل، وحسب أدائه، وألا يكون مثل هذا الحافز، حقاً للذين لا يعملون.

لاحظ اننا لا نتكلم هنا عن أجر يحصل عليه الذين لا يعملون، فلقد وصلنا إلي مرحلة أصبحوا يرون فيه أجورهم، حقوقاً مكتسبة، سواء عملوا، أو لم يعملوا، ثم وصلنا في مرحلة أيضاً، راحت فيها الحكومة تسلم بذلك، ولا نعرف كيف نتصرف مع الذين لا يعملون، ومع ذلك يتقاضون أجوراً في آخر كل شهر!

ولأسباب اجتماعية مجردة، لا تستطيع الحكومة أن تتخلي عن مثل هؤلاء، ولا يمكنها منع أجورهم عنهم، رغم انهم يتقاضون أجوراً عن لا عمل، ولقد أصبح كل هم الحكومة، وهي تواجه وضعاً مائلاً من هذا النوع، أن تترك الذين لا يعملون، كما هم، وأن تعطيهم أجورهم، كما هي، لتلتفت إلي الذين يعملون، وهم قلة، لعلها تتمكن من تطوير أدائهم، ولعلها تتمكن أيضاً، من تطوير أداء الجهاز الحكومي بشكل عام، ثم لعلها تتمكن كذلك من إثابة الذين يجيدون منهم، ويقدمون أداء متميزاً!

شيء من هذا، لابد أن نتوقع ألا يكون موضع رضا، من ملايين لا يعملون، ولابد أن نتوقع أن يقاوموا، ولابد أن نتوقع أن يحتجوا، وأن يرفضوا، بل وأن يخرجوا في مظاهرات بالمئات، أمام نقابة الصحفيين، كما حدث قبل أسبوع من الآن.

غير أن الذي علينا، كحكومة، أن نفعله، هو أن نظل نشرح القضية، ككل، للمجتمع بأسره، وأن نواصل شرحها، حتي نقنع ضمير المجتمع بها، وألا نتراجع، ليس لأنه المطلوب أن نصر علي خطأ، ولكن لأن القضية في مضمونها، قضية عادلة للغاية، وكيف لا تكون عادلة، وهي لا تبغي سوي الإنصاف للذين يبذلون جهداً، وسوي وضع حد لأحوال وظيفية مأساوية، طالت بأكثر مما يجب، وليس في الإمكان أن تستمر؟!

كل حكومة سابقة، تتحمل جزءاً من المسئولية بالطبع، عن وجود ما يقرب من سبعة ملايين موظف، في جهاز إداري للدولة، لا يحتمل سوي مليون واحد علي الأكثر.. وسوف تكون مسئولية كل حكومة، من حكومات سبقت، منذ ثورة يوليو 1952، إلي اليوم، بقدر ما أضافت، في حينها، من أعداد جديدة، إلي هذا الجهاز، وهي تعرف انه لا يحتمل، وأن الموجودين فيه، يتجاوزون قدرته علي الاستيعاب بكثير.

إن أمام كل موظف يعمل، ستة لا يعملون، ولا حاجة للعمل إليهم، وهؤلاء الستة لا يذهبون إلي أماكن عملهم، ليجلسوا ويتناولوا الشاي والقهوة، وفقط، ولكنهم يذهبون لتعطيل الموظف السابع اليتيم، عن أي عمل، فإذا ما تصدت الحكومة، لوضع منحرف كهذا، خرجوا يتظاهرون، لأنهم كما تنبأ عميد الأدب، مبكراً، يضيرهم أن يعمل الآخرون!