رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عودة الروح لصناعة الغزل والنسيج

صناعة الغزل والنسيج
صناعة الغزل والنسيج

انتشرت فى الآونة الأخيرة شائعات حول خطة تطوير صناعة الغزل والنسيج التى بدأتها الدولة خلال السنوات الماضية مفادها أن هذه الخطة مهددة بسبب غياب شروط بيئية أدت إلى توقف الجهات الإيطالية الممولة للمشروع عن منح القرض المطلوب لمصر.

 

تبين أن هذا الكلام عار تمامًا من الصحة وأن الخطة تسير فى طريقها المرسوم بشكل طبيعى، إذ سيتم افتتاح أكبر مصنع للغزل والنسيج فى العالم بالمحلة الكبرى مع بداية العام القادم.

وتعتبر صناعة الغزل والنسيج من أهم وأعرق القطاعات الصناعية فى مصر، وتسهم بنسبة 3% من الناتج المحلى الإجمالى، وتستوعب 20% من حجم العمالة، فضلاً عن أنها مزود رئيسى للمدخلات لمصانع الملابس الجاهزة فى القطاع الخاص، والتى تجذب العديد من المستثمرين المحليين والأجانب، وتسهم بشكل كبير فى الصادرات المصرية.

 

وقد ارتفعت صادرات القطاع خلال عام 2022 بنسبة 22% لتسجل 2.516 مليار دولار لأول مرة فى التاريخ مقابل 2.063 مليار دولار فى 2021.

 

وتسعى الدولة إلى استغلال إمكانيات مصر فى هذا القطاع من خلال خطة تطوير شاملة لمصانع الغزل والنسيج بتكلفة تتجاوز 30 مليار جنيه، من أجل زيادة الإنتاج لتغطية السوق المحلى وتقليل الواردات التى تتأرجح ما بين 500 مليون إلى مليار دولار سنويا، مع تحقيق طفرة فى الصادرات لتوفير العملة الصعبة التى يحتاجها الاقتصاد المصرى حاليًا.

 

فى هذا الملف نرصد آخر مستجدات تنفيذ خطة التطوير وإلى أين وصلت، وأهمية التسويق فى نجاح هذه الخطة، مع وضع اقتراحات أخرى للتطوير تسهم فى الارتقاء بهذه الصناعة.

 

الدولار يرفع تكلفة التطوير إلى 30 مليار جنيه

 

فى عام 2019 أطلقت الحكومة خطة طموحة لتطوير صناعة الغزل والنسيج بشكل متكامل، بتكلفة تم تحديدها وقتها بـ21 مليار جنيه، وتستغرق عامين ونصفًا، إلا أن الظروف الدولية وما أصاب العالم من انتشار وباء كورونا وتعطل حركة الاقتصاد العالمى، أدت كلها إلى تأخير تنفيذ الخطة فى موعدها، بالإضافة إلى زيادة حجم التكلفة الخاصة بها لتتجاوز 30 مليار جنيه بسبب فروق أسعار العملة خلال السنوات الماضية.

 

ومؤخرا، زار رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، مصانع الغزل والنسيج فى مدينة المحلة الكبرى لتفقد سير العمل بها، وأكد أهمية الالتزام بالتوقيتات الزمنية المحددة للانتهاء من مختلف الأعمال سواء الخاصة بالمصانع الجديدة التى يتم إقامتها، وما يتعلق بتجهيزها بالمعدات والماكينات الحديثة، أو تلك المصانع الجارى تطويرها وإعادة رفع كفاءتها.

زيارة رئيس الوزراء والمسئولين إلى شركة غزل المحلة

وأشار «مدبولى» إلى ضرورة الاهتمام بتطوير ورفع كفاءة الطرق والمسارات الداخلية، بما يسهم فى سهولة ويسر حركة الانتقال داخل الشركة التى تشهد العديد من أعمال التطوير، موضحاً أن الحكومة قامت بوضع خطة شاملة لتطوير الشركات التابعة لقطاع الأعمال.

 

وأضاف: «للقيام بخطط التطوير لابد أولاً أن نحدد ما يمكن تطويره وما لا يمكن تطويره، وذلك وفقا لرؤية الدولة وتواجد القطاع الخاص واهتمامه بهذه القطاعات، وعلى سبيل المثال فهناك حاجة إلى تكلفة تقدر بنحو 30 مليار جنيه لتطوير المشروعات التى نحن بصددها، تتمثل فى 8.5 مليار جنيه للإنشاءات الجديدة، ورفع كفاءة إنشاءات قائمة، وذلك بمختلف أفرع الشركة القابضة على مستوى الجمهورية وليس فى مدينة المحلة فقط».

 

وتابع قائلاً: «هناك حاجة إلى توريد ماكينات جديدة بقيمة 650 مليون يورو، وهو ما يمثل إجمالى التكلفة الاستثمارية للتطوير والاستفادة من الميزات التنافسية للقطن المصرى، من خلال تطوير المحالج أيضاً عبر مراحل الإنتاج المختلفة، بداية من الغزل والنسيج، والصباغة، وانتهاء بالمنتجات النهائية المتمثلة فى الملابس والوبريات، وغيرها».

فى هذا السياق، أكد المهندس محمود عصمت، وزير قطاع الأعمال العام، أن خطة التطوير مستمرة ومتكاملة، بداية من زراعة وتجارة وحليج القطن، مرورا بشراء ماكينات جديدة تعمل بأحدث التكنولوجيات فى العالم، ووصولا إلى تسويق المنتجات محليا وعالميا بأساليب ترويج حديثة، بهدف النهوض بهذه الصناعة وتحقيق قيمة مضافة للقطن المصرى واستعادة عرشه عالميا.

 

وتشمل خطة التطوير 65 مصنعاً ومبنى خدمياً بجميع الشركات التابعة لوزارة قطاع الأعمال، وتضم شركة مصر للغزل والنسيج وصباغى البيضا، حيث أنه جارٍ إنشاء مجمع مصانع للغزل والنسيج والصباغة بها، وتنفيذ مجمع بشركة دمياط للغزل والنسيج، إضافة إلى تطوير مصنع غزل 2، التابع لشركة مصر شبين الكوم للغزل والنسيج، علاوة على استكمال أعمال إنشاء مصنع للنسيج ومصنع آخر للصباغة بشركة مصر حلوان للغزل والنسج.

 

وتستهدف الخطة مضاعفة الإنتاجية لجميع الأنشطة، من خلال مضاعفة إنتاج الغزل سنويا من 35 ألف طن إلى 188 ألف طن، ومضاعفة إنتاج النسيج من 50 مليون متر إلى 198 مليون متر، وزيادة حجم إنتاج الملابس من 8 ملايين قطعة إلى 50 مليون قطعة، فضلاً عن مضاعفة إنتاج الوبريات من ألف طن إلى 15 ألف طن.

افتتاح أكبر مصنع غزل فى العالم المقبل

ويستحوذ مشروع التطوير بشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى على جانب كبير من مشروع تطوير شركات الغزل والنسيج، حيث يتضمن إنشاء 5 مصانع جديدة، وإعادة تأهيل 3 مصانع أخرى، وهى إنشاء مصنع غزل 1، وكذلك إنشاء مصنع للنسيج، ومصنع تحضيرات النسيج 1 و2، إضافة إلى مصنع الصباغة، فضلا عن إنشاء محطة للكهرباء، فيما يتضمن المشروع تطوير ورفع كفاءة وإقامة توسعات فى كل من مصانع غزل 4، وغزل 6، والتفصيل.

 

يأتى ذلك من خلال إتاحة أكثر من ثلث الاستثمارات للإنشاءات، ونحو نصف الاستثمارات لتوفير الماكينات والمعدات الجديدة، حيث تم توريد شحنات من الماكينات الجديدة إلى مصنع غزل 4، واردة من شركة ريتر السويسرية الرائدة عالميا فى صناعة آلات الغزل.

 

وتشمل خطة التطوير مصنع غزل 1 فى المحلة الكبرى الذى يعتبر أكبر مصنع للغزل فى العالم، ويقام على مساحة 62 ألف م2، ومن المقرر أن يضم أحدث المعدات والماكينات فى هذا المجال من خلال الاستعانة بخبرة كبرى الشركات العالمية، إضافة إلى قدرته على التعامل مع مختلف أنواع الأقطان، وخاصة طويل التيلة وفائق الطول، بما يساهم فى استغلال ما تمتلكه مصر من ميزات تنافسية فى إنتاج القطن على مستوى العالم، ومن المستهدف أن تصل طاقته الإنتاجية إلى 34 طن يوميا غزول رفيعة وسميكة، ومن المقرر افتتاحه فى العام القادم.

 

كما يقام مجمع مصانع التحضير والنسيج والصباغة، على مساحة 104.2 ألف م2، ومن المستهدف أن تصل طاقته الإنتاجية إلى 136 ألف متر أقمشة ملاءات و37 طن أقمشة وبريات.

 

لا يكتمل أى مشروع تطوير إلا من خلال التدريب الجيد للعمال على الآلات الجديدة، ولذلك فقد تم إنشاء مركز تدريب وتطوير فى شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة يضم نماذج من الماكينات الحديثة التى يتم توريدها من كبرى الشركات العالمية، لكى يتم تأهيل وتدريب العاملين على استخدام تلك الماكينات الجديدة والتعامل مع التكنولوجيا الحديثة فى القطاع.

 

وتم افتتاح المركز فى شهر يونيو 2021، والانتهاء من تنفيذ 21 برنامجاً تدريبياً لأكثر من 177 مدرباً سيتولون تدريب العمالة فى باقى الشركات على البرنامج التدريبى المعد لذلك من قبل المكتب الاستشارى العالمى «وارنر» المشرف على تنفيذ خطة التطوير، وذلك لتأهيلهم لتدريب الآلاف من العاملين فى شركات الغزل والنسيج على أساليب ونظم العمل الجديدة والماكينات الحديثة.

--

التسويق.. «كلمة السر» فى نجاح خطة التطوير

 

خطة تطوير صناعة الغزل والنسيج فى مصر لن تكون ذات أهمية إلا إذا صاحبها تركيزًا شديدًا واهتمامًا بملف التسويق، لأن وجود إنتاج بدون وضع استراتيجية واضحة لتسويق هذا الإنتاج يعنى تراكمه فى المخازن بدون بيع أو شراء، وبالتالى تحقيق خسائر.

 

وأكدت الحكومة اهتمامها بملف التسويق والبيع، وأشارت إلى أنه يمثل ركيزة أساسية فى عملية التطوير، خاصة أن الهدف هو مضاعفة صادرات الشركات لتوفير العملة الأجنبية ودعم الاقتصاد الوطنى، وسيكون ذلك من خلال شركة Egyptian Cotton Hub « ECH»، التى تم تأسيسها مؤخرًا لتتولى عمليات التجارة والبيع والتسويق لمنتجات الشركات التابعة للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج والملابس.

المهندس عبدالغنى الأباصيرى

عرضت الشركة خلال فعاليات الجمعية العامة للشركة القابضة، الجهود التسويقية التى يتم تنفيذها سواء للمنتجات من الغزول والمنسوجات أو المفروشات والملابس المنزلية.

 

وأوضحت أنه تم إطلاق العلامة التجارية الجديدة «nit» للمنتجات المتميزة من القطن المصرى بتصميمات مبتكرة منافسة لكبرى الماركات العالمية، وإطلاق علامة أخرى باسم «MEHALLA» بتصميمات جديدة وأسعار تنافسية للسوق المحلى، ومن المستهدف الوصول إلى نسبة 40% بيع محلى و60% تصدير، وقد بدأ بالفعل تصدير الغزول القطنية لأول مرة بالعلامة التجارية nit كمنتج تام لبعض الدول الأوروبية.

المهندس عبدالغنى الأباصيرى

وحول تطوير قنوات البيع المباشر لمستهلك التجزئة، فقد تم إنتاج تصميمات جديدة عصرية للمفروشات والملابس المنزلية من خلال مصممين محترفين أوروبيين، بجانب تطوير منافذ البيع من خلال شبكة متميزة من الفروع الحديثة بما يخلق مناخًا متميزًا للتسوق يضاهى الشركات العالمية العاملة فى مصر، وتم الانتهاء من عدد من فروع ماركة nit فى محافظات متعددة من الجمهورية خاصة فى المناطق والسلاسل التجارية الشهيرة، فضلا عن فروع أخرى فى المطارات الكبرى، وبعض المولات التجارية مثل مول الغردقة ومول مصر 6 أكتوبر ومول سيتى ستارز بمدينة نصر، وبعض المتاحف مثل المتحف المصرى الكبير ومتحف الحضارات.

 

كما تم افتتاح أفرع لماركة «MEHALLA» داخل المنافذ والفروع المتميزة لشركات التجارة الداخلية التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، مثل عمر أفندى وغيرها.

 

يضاف إلى ذلك تطوير عمليات البيع والتسويق الإلكترونى، حيث تم نشر منتجات «MEHALLA» على منصات Mitcha وNoon، وتم التعاقد مع موقع أمازون لبيع منتجات «nit» لزيادة الانتشار وتوسيع قاعدة العملاء فى مصر وخارجها، فضلًا عن عرض المنتجات على موقع Ali Baba، وإطلاق حملة إعلانية لتسويقها على مواقع التواصل الاجتماعى.

وتم التواصل مع تجار الجملة والموزعين باعتبارهم أنشط قطاع من العملاء الحاليين وتعميق العلاقة مع القاعدة الحالية منهم وإدخال عملاء جدد مثل السلاسل التجارية الكبرى، حيث تم التعاقد مع عدد من السلاسل التجارية العالمية العاملة فى مصر والمصرية أيضاً لتوزيع هذه المنتجات فيها.

وتستهدف شركة ECH التوريد للمؤسسات الحكومية والخاصة، والمستشفيات، والفنادق، والمصانع الخاصة العاملة فى النسيج والصباغة والتفصيل سواء الراغبة فى منتجات وسيطة من الغزول والأقمشة الخام أو الراغبة فى خدمات تشغيل مثل النسيج والصباغة والتجهيز، وقد تم بالفعل التوريد لبعض الفنادق الكبرى، والتسجيل والمشاركة فى مناقصات عدد من الوزارات والهيئات والمستشفيات، فضلا عن التوريد لمجموعة من كبار المصدرين الذين يعتمدون بشكل رئيسى على استيراد المواد الخام

 

وشاركت ECH فى إحلال جزء من الواردات، كما تم التوريد لبعض أهم الماركات العالمية فى مصر، بالإضافة إلى المشاركة فى المعارض الدولية المتخصصة فى الغزول والمفروشات فى إسطنبول وموسكو وفرانكفورت وغيرها.

المهندس عبدالغنى الأباصيرى

فى هذا السياق، قال المهندس عبدالغنى الأباصيرى، خبير الصناعات النسيجية، إنه ليسلدينا قلق بشأن تسويق المنتجات بعد خطة تطوير مصانع الغزل والنسيج، لأن السوق المحلى كبير جدًا ويستوعب هذا الإنتاج.

 

وأضاف «الأباصيرى»، أننا نستورد كميات كبيرة من الأقطان والملابس سنويا، كما أن هذه المنتجات سيتم تصدير جزء منها للخارج ما يسهم فى توفير العملة الصعبة للدولة، مشيرًا إلى أن خطة التطوير فرصة مهمة لتصدير منتج محلى مصرى تام الصنع، وهذا هو الهدف الأهم من دعم الحكومة للصناعة المحلية، لأنه لا يصح أن نستورد كل شىء ونحن نعانى من أزمة اقتصادية بسبب نقص العملات الأجنبية.

 

وأوضح خبير الصناعات النسيجية، أن السوق المحلى فقط يستطيع استيعاب الكميات التى سيتم إنتاجها ومن ثم نوفر الكميات التى يتم استيرادها من الخارج سنويا والتى تقدر بنحو 300 ألف طن أقطان، ولذلك نتمنى زيادة عدد المصانع والتوسع فيها بعد تغطية السوق المحلى، والاتجاه إلى التصدير، لأننا نمتلك الإمكانيات التى تؤهلنا لذلك.

 

وأشار إلى أنه من ضمن فوائد خطة التطوير زيادة مساحات زراعة القطن المصرى طويل التيلة، الذى يتميز عن غيره من أنواع القطن الأخرى عالميًا وصاحب الشهرة المعروفة، وبالتالى سوف يقبل الفلاح على زراعته، لأن المصانع ستحتاج إلى هذا القطن بدلًا من تصديره للخارج خامًا، ولذلك من الآن وصاعدًا يجب منع تصدير القطن المصرى طويل التيلة، بل يجب توريده للمصانع الحديثة لتصنيعه وتحقيق قيمة مضافة منه.

 

ولفت «الأباصيرى» إلى أنه حتى وقت قريب لم تكن المصانع القديمة قادرة على التعامل مع القطن طويل التيلة، وبالتالى كان يتم تصديره خامًا ويعود إلينا فى شكل قمصان وبنطلونات، أما الآن فلا يجب أن يستمر هذا الوضع حتى يستفيد الاقتصاد المصرى أقصى استفادة، مؤكدًا أن هدفنا الأهم هو تقليل الواردات من الأقطان والملابس الجاهزة والألياف الصناعية والتى تصل إلى مليارات الدولارات سنويًا، ولذلك يجب أن يكون لدينا منتج محلى بنسبة 100% نستطيع تصديره للخارج مع تغطية احتياجات السوق المحلى.

 

وأعرب «الأباصيرى» عن أمله فى إنشاء وزارة خاصة بصناعة الغزل والنسيج مثلما حدث فى الهند التى أصبحت تصدر منتجات بمليارات الدولارات الآن من هذه الصناعة وحدها، كما أن

دولة مثل أوزباكستان اهتمت خلال السنوات الماضية بصناعة الغزل والنسيج وأصبحت مبيعاتها الآن بأرقام خيالية وشركة واحدة فقط اسمها أندوراما تبيع غزلًا بمليارى دولار سنويًا، فما بالنا بما ستكون عليه مبيعات الشركات المصرية التى تبيع منتجات كاملة الصنع وليست غزل فقط.

 

قاطرة الاقتصاد الوطنى.. تسعى لاستعادة أمجادها

 

صناعة الغزل والنسيج تعتبر أحد أهم أعمدة الاقتصاد ويمتد تاريخها إلى عهد المصريين القدماء منذ آلاف السنين، إلا أن الانطلاقة الحقيقية لها كانت فى العصر الحديث على يد طلعت حرب عندما أسس شركة مصر للغزل والنسيج فى المحلة الكبرى، لتكون شرارة الانطلاقة القوية والحقيقية لهذه الصناعة.

عرفت مصر صناعة الغزل والنسيج فى العصر الفرعونى، حيث صنع المصريون القدماء الأقمشة والملابس من الكتان واستعملوا الصبغات النباتية فى تلوينها والشبه فى تثبيت الألوان، كما استخدموا النباتات ذات الألياف الخشنة فى صنع المنسوجات وفى حاجاتهم اليومية، وأهمها الكتان وألياف النخيل والحلفا التى كانت تستعمل فى عمل الحبال. وقد كانوا يستخدمون الكتان نظرًا لنعومته التى تقارب الحرير، فكانت المنسوجات والملابس ضمن الهدايا المتبادلة بين ملوك مصر وملوك العالم القديم، وكانت لها مكانة خاصة فى حياة المصريين وبعد مماتهم، وقد ظهر ذلك فى حياتهم اليومية وفى أداء طقوسهم وشعائرهم، فالكهنة كانوا مميزين بزى معين وهم يؤدون الطقوس، والملك كان يرتدى أغلى وأفخم أنواع المنسوجات.

استمر تطور صناعة الغزل والنسيج فى العصر البطلمى واليونانى حتى جاء العصر القبطى الذى انفرد بنوع معين من النسيج عرف بـ«نسيج القباطى»، واختلف العلماء حول معنى كلمة «القباطى» فمنهم من يرجح أن القَباطى أو القُباطى جمع قُبطيِّة وهى القطعة المنسوجة، بينما يرى آخرون أن الكلمة اشتقت من «جبت» التى جاءت منها كلمة Egypt.

 

وظهرت لمسات الفنان القبطى فى نسج الأقمشة بزخارف وأشرطة ونقوش هندسية ونباتية ورموز أسطورية ودينية وأشكال للطيور والحيوانات فى أزياء النبلاء والعامة، وقد كان نسيج «القباطى» خامة لها قيمة كبيرة عند المصريين مسيحيين ومسلمين، وروى المقريزى أن المقوقس حاكم مصر، أهدى النبى صلى الله عليه وسلم 20 ثوبا منها.

وفى العصر الإسلامى، فقد كانت منسوجات مصر ذات شهرة فائقة فى أرجاء العالم، وكانت موضع التقدير ومضرب الأمثال فى دقتها وروعتها وجمالها، وقد اعترف العرب لمصر بذلك وبدأوا يستفيدون من هذا التراث الفنى وتشجيعه حتى ازدهرت صناعة النسيج فى أرجاء الدول الإسلامية بوجه عام.

استمرت الصناعة فى تطور دائم، حتى جاء العصر الحديث وخاصة القرن العشرين حيث لعب العلم دورًا رئيسيًا فى صناعة الأقمشة نتيجة للعديد من الدراسات الكيميائية، واكتشاف مجموعة من الألياف الصناعية التى ساهمت فى تطور الصناعة.

واستفادت مصر من هذا التطور وبدأت تطوير الصناعة فى نهاية عشرينيات القرن الماضى عندما تم تأسيس شركة مصر للغزل والنسيج فى المحلة الكبرى عام 1927 على مساحة 32 فدانًا ثم زادت تدريجيا حتى وصلت الآن إلى 600 فدان، وبدأت الشركة إنتاجها فى 1930 وكان عدد مغازلها 12200 مغزل وصلت إلى 300000 مغزل، وكانت تحتوى فى بدايتها على 484 نولًا للنسيج أصبحت الآن 5000 نول.

 

وكانت النهضة الكبرى لهذه الصناعة فى فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، حتى أصبحت تمثل عصب الاقتصاد المصرى بجانب صناعة الحديد والصلب، وتدر على الاقتصاد عوائد كبيرة من التصدير، مع تغطية السوق المحلي

 

ومع بداية الانفتاح الاقتصادى فى عصر الرئيس أنور السادات بدأت الواردات تحل محل الإنتاج المحلى فى كثير من الصناعات ومنها الغزل والنسيج بالطبع، فتأثرت الصناعة بشكل كبير خاصة مع إهمال التطوير والتحديث للآلات والمعدات، حتى أصبحت لا تناسب أو تواكب متطلبات العصر الحالى، وبدأت المصانع تتكبد خسائر سنوية بمليارات الجنيهات.

 

واحتلت صناعة الغزل والنسيج هذه المكانة فى تاريخ الصناعة المصرية نظرًا لما تتمتع به مصر من ميزة نسبية كبيرة فيها، وشهرتها العالمية فى القطن طويل التيلة ذي الجودة العالية الذى يعتبر المادة الخام لها، حيث كانت تزرع أكثر من مليونى فدان قطن فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى، ولكن بدأت هذه المساحة تتناقص تدريجيا حتى أصبحت لا تتجاوز 200 ألف فدان فى السنوات الأخيرة.

ويعد قطاع المنسوجات والملابس ثانى أكبر القطاعات الصناعية فى مصر بعد الصناعات الغذائية، ويلعب دورا رئيسا فى تشكيل الاقتصاد باستحواذه على 20% من حجم العمالة فى مصر.

 

وعلي الرغم من تراجع العمالة فى الشركات التابعة للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج، إلا أن إجمالى العمالة بهذا القطاع يمنحها ثانى أعلى نسبة من حيث عدد العمالة الصناعية فى البلاد، وعلى الرغم من أن القطاع يواجه تحديات إنتاجية بوصفه يسهم فى 3.7% فقط من القيمة المضافة للصناعات التحويلية المحلية، إلا أن مصر لا تزال تمثل محورًا قاريًا مهمًا بوصفها ثانى أكبر مُصنِع للملابس فى أفريقيا بعد المغرب وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، وكذلك يسهم القطاع بحوالى 3% من الناتج المحلى الإجمالى، وتستحوذ صادراته على 12% من إجمالى الصادرات المصرية.

ونظرًا لأهمية هذا القطاع أصبح إنقاذه ضرورة وواجبًا قوميًا ووطنيًا، ومن ثم ظهرت خطط الإصلاح الحالية.

--

رئيس الشعبة بنقابة المهندسين يضع روشتة الإنقاذ

 

قال الدكتور حماد عبدالله، رئيس شعبة هندسة الغزل والنسيج بنقابة المهندسين، إن مصر لها تاريخ طويل فى صناعة الغزل والنسيج، ويجب على الجميع العمل على إعادة أمجاد هذه الصناعة من جديد.

 

وأضاف «عبدالله» أنه عندما تولى شعبة الغزل والنسيج عام 2014 كان لدى جميع الأعضاء إرادة لإعادة هذه الصناعة لسابق عهدها ومساعدة الدولة فى تقديم أفكار لزيادة تنميتها، ولذلك نظمنا 24 ندوة فى نقابة المهندسين خلال عامى 2015 و2016 لجميع صناع الغزل والنسيج والمراكز البحثية، وخرجنا فى النهاية بـ12 توصية تحتوى على المشكلات التى تواجه الصناعة مع وضع الحلول المناسبة لها وجهة الاختصاص المنوط بها تنفيذ هذه التوصيات.

 

وأشار «عبدالله» إلى أنه كان من أهم التوصيات إنشاء مغازل لإنتاج الغزل الرفيع بديلا عن كفر الدوار التى أصبحت قديمة ومتهالكة، وعدم تصدير القطن طويل التيلة خاما وزيادة مساحة زراعته من 180 ألف فدان إلى 3 ملايين فدان كما كانت فى الماضى، فنحن نعتمد على تصدير القطن المصرى طويل التيلة المشهور عالميا، ولا نستفيد منه بأى قيمة مضافة، مشيرا إلى أنه لابد من التحول إلى تصنيع هذا القطن محليا بدلا من تصديره خام.

وأوضح رئيس شعبة الغزل والنسيج بنقابة المهندسين، أن مصر تصدر كيلو القطن الخام بسعر يتراوح بين دولار إلى اثنين، فى حين أنها تستورده بعد ذلك فى هيئة 4 قمصان كل منها وزنه 250 جراما، وسعره 250 دولاراً، أى أن كيلو القطن الذى صدرناه بثمن قليل جدا عاد إلينا بـ1000 دولار، وهذه خسارة فادحة للاقتصاد المصرى كان من الممكن الاستفادة بها لو تم تصنيعه محليا وتصديره.

 

وتابع: «من ضمن التوصيات أيضاً التوسع فى زراعة القطن قصير ومتوسط التيلة الذى نستورده من الخارج بقيمة مليار و250 مليون دولار، رغم أننا نستطيع زراعته فى مصر بسهولة، حيث أنه يمكن زراعته بالمياه المعالجة أيضاً، ولذلك اقترحنا زراعته فى الطرق الصحراوية على جانبى كل طريق فى المسافة التى تم تخصيصها للقوات المسلحة بـ2 كيلو متر مربع يمين ويسار الطريق، وخاصة طريق العلمين وادى النطرون الذى يبلغ طوله 135 كيلو، عن طريق توفير مياه الرى بتوصيل أنبوب صرف صحى معالج يبدأ من وادى النطرون فى البحيرة حتى الساحل، وأنبوب من الساحل إلى وادى النطرون على الجانب الآخر، وهذه المساحة يمكنها إنتاج 20 مليون قنطار سنويا، وبالتالى نستطيع توفير القطن الذى نستورده للسوق المحلى ثم يتم تصدير الباقى للخارج».

وأوضح «عبدالله» أن دولة الهند كانت تصدر منسوجات بنحو 2 مليار دولار فى عام 1995، ثم تم تعيين نائب رئيس جمهورية لصناعات الغزل والنسيج، وبعدها بـ5 سنوات فقط أصبحت تصدر بـ105 مليارات دولار، ولذلك نطالب بتعيين نائب رئيس وزراء لصناعات الغزل والنسيج، بدلا من التشابك بين الوزارات حول هذه الصناعة.

وأشار إلى أن صناعة الغزل والنسيج القائمة على الخامات الطبيعية تمثل من 3 إلى 8% فقط والباقى من الخامات الصناعية التى نستوردها من الخارج، ولذلك من الممكن الاستفادة أيضاً من الغاز المصرى فى استخراج غاز سائل البروبلين والاستر والإيثيلين والميثان وغيرها من الغازات السائلة التى نستوردها، وبالتالى نقوم بتصنيعها من خلال عملية البلمرة ليصبح بولى بروبلين وبولى استر وغيرها بدلاً من تصدير الغاز خاماً أو استهلاكه وحرقه.