عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الطبقة الوسطى.. فى مهب الريح

الطبقة الوسطى
الطبقة الوسطى

يتكون أى مجتمع من ثلاث طبقات.. طبقة عليا غنية وطبقة دنيا فقيرة وطبقة وسطى بين هاتين الطبقتين.

 

وتمثل الطبقة العليا أرقى طبقات المجتمع وتتميز بالثراء وهو ما يتيح لها أن تنعم بمستوى عال من الرفاهية، بينما تعانى الطبقة الدنيا من مستويات متدنية للغاية من التعليم والصحة، أما الطبقة الوسطى فهى التى تقع اجتماعيا واقتصاديا وسط الهرم الاجتماعى، وتمتلك قدرا محدودا من الأموال يمكنها من الحصول على مستويات معتدلة من التعليم والصحة والثقافة.

 

ورغم ذلك لا يوجد تعريف محدد للطبقة الوسطى نظراً لما تشمله من نطاق واسع من الشرائح والفئات المتداخلة غير المتجانسة التى يصعب تحديدها أو التفريق بينها والتى تتباين من حيث حجم دخولها، لكنها تلعب دورا مهما فى إحداث التوازن الاقتصادى والاجتماعى فى المجتمع، لأن وجودها وانتعاشها واتساعها يعد شرطا ضروريا لإنعاش الاقتصاد ونموه باعتبارها مصدرا أساسيا لاستمرار الانتاج والاستهلاك والاستثمار.

 

كما أنها تعتبر حلقة الوصل بين كل من الطبقتين العليا والدنيا، وتلعب دورا فعالا فى تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال مسئوليتها عن النسبة الأكبر من الأعمال الخيرية والتطوعية، لأنها أكثر اختلاطا بالطبقات الدنيا، ومن ثم فى منع الجرائم وتحقيق السلم الاجتماعى.

 

وفى الغالب تعتمد نهضة الأمم وتقدمها على كفاح وعطاء الطبقة الوسطى، ومن هنا جاءت أهميتها..

وكشفت دراسة حديثة للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى نوفمبر 2022، عن أن 65.8% من الأسر المصرية تأثر نمط إنفاقها على السلع الغذائية وغير الغذائية نتيجة للأزمة الاقتصادية التى تعانى منها مصر بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وانخفاض استهلاك نحو 74% من الأسر من السلع الغذائية.

وأوضحت الدراسة أن حوالى 90% من الأسر انخفض استهلاكها من البروتينات "لحوم وطيور وأسماك" عما كان قبل بداية الأزمة.

وأظهرت الدراسة، أن 85% من الأسر تغير نمط شرائها من السلع فأصبحوا يقومون بشراء ما يحتاجونه لمدة أسبوع فقط مقارنة بنمط استهلاكهم قبل الأزمة.

كل هذه الأرقام تتفق على أمر واحد فقط، وهو أن الطبقة الوسطى فى مصر حاليا تعانى أزمة غير مسبوقة.

وبعدما كان أبناء هذه الطبقة يتطلعون إلى غد مشرق ولديهم أحلام كثيرة، أصبح أكبر آمالهم هو سد احتياجاتهم اليومية من الغذاء فقط، وصار أغلبهم ممن تنطبق عليهم مقولة " عزيز قوم ذل".

فى هذا الملف نرصد أوضاع أبناء الطبقة الوسطى الآن، وما جرى لها، وأبرز الحلول لوقف مسلسل انهيارها.

 

شرائح واسعة أصبحت عاجزة عن توفير احتياجاتها

 

 

تاريخيًا.. ترجع نشأة الطبقة الوسطى فى مصر الحديثة إلى النصف الثانى من القرن التاسع عشر مع تغير الظروف السياسية والاقتصادية، وتحول الملكيات الزراعية من الدولة إلى الأفراد، ولعبت تلك الطبقة الوليدة -آنذاك- دورا كبيرا فى مسيرة الحركة الوطنية المصرية فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية منذ أواخر العشرينيات من القرن الماضى.

 

لكن انتشارها الحقيقى كان خلال النصف الثانى من القرن العشرين وخاصة بعد عام 1952، وساهم فى ذلك عدة عوامل أهمها التوسع فى التعليم المجانى، والتحاق أبناء الطبقات الدنيا بالكليات العسكرية، والسياسات المتبعة فى الستينيات مثل التأميم وتوسيع قاعدة ملكية رأس المال فى المشروعات المختلفة، وقوانين الإصلاح الزراعى، والتزام الدولة بتعيين الخريجين.

القرن الماضى

يضاف إلى ذلك ما شهدته مصر خلال حقبة السبعينيات وما بعدها من حراك اجتماعى كبير نتيجة تنامى الفكر الرأسمالى وحرية الأسواق وانفتاح الاقتصاد المحلى على العالم الخارجى، ما أدى إلى التوسع فى الميل للاستهلاك وتنامى ظاهرة المحاكاة أو التقليد فى أنماط الإنفاق المختلفة.

 

وحسب الخبراء فإن الطبقة الوسطى فى مصر يمكن تقسيمها إلى ثلاث شرائح «عليا ومتوسطة ودنيا»، كل شريحة منها تضم فئات تتجانس مع بعضها إلى حد كبير، حيث تضم الشريحة العليا أساتذة الجامعات والمديرين وأصحاب المهن الحرة كالأطباء والمهندسين والقضاة والمحامين والفنانين والأدباء، ويحصل أفراد هذه الشريحة عادة على أجور مرتفعة نسبيا وذات طابع متغير، فضلا عن مصادر دخل أخرى مثل الإيجارات أو الأرباح، ويتميز نمطهم الاستهلاكى بالتنوع والإنفاق الترفى.

 

وتضم الشريحة المتوسطة منها، كل من يعملون بمرتبات ثابتة أو شبه ثابتة، ويشغلون الوظائف الإدارية والفنية والإشرافية فى الوزارات والأجهزة والمصالح الحكومية، وهم من أصحاب الدخل المتوسط ومعظمهم خريجو الجامعات أو المعاهد العليا والمتوسطة، فيما تضم الشريحة الدنيا والتى تمثل النسبة الأكبر من الطبقة الوسطى صغار الموظفين فى الوظائف الكتابية والبيروقراطية ومكاتب الصحة والمستشفيات والدوائر الحكومية، ومن يعملون فى مجالات البيع والتوزيع والحسابات والأرشيف والضرائب، وأصحاب المشروعات الصغيرة.

عبد النبي عبد المطلب

ويتمتع أفراد هذه الشريحة بقدر محدود من التأهيل المهنى والتعليمى، ويتسم نمط استهلاكهم بالإنفاق على السلع الأساسية والضرورية، وغالبا ما تكون معدلات ادخارهم ضئيلة للغاية، وكثير من أفراد هذه الشريحة أقرب إلى حال الطبقة العاملة.

 

لكن أبناء تلك الطبقة يعانون بشدة هذه الأيام بسبب تراكم أعباء الظروف الاقتصادية الصعبة التى تعيشها مصر منذ سنوات، والتى زادت تبعاتها منذ التعويم الأول للجنيه فى نوفمبر 2016، حيث بدأت الأسعار فى ارتفاع متزايد منذ ذلك الحين، سواء كانت أسعار سلع غذائية أو خدمات ترفيهية أو غير ذلك، ما أدى إلى تزايد الأعباء على أبناء هذه الطبقة، لدرجة أن نسبة كبيرة منهم سقطوا إلى الطبقة الدنيا الآن، ويعتبرون أنفسهم من محدودى الدخل، لأنهم لا يستطيعون مجاراة الارتفاع الرهيب فى الأسعار.

 

ويحدد جهاز التعبئة العامة والإحصاء نسبة الفقراء بناء على تعريفه للفقر المادى، المتمثل فى عدم القدرة على توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية للفرد أو الأسرة، مثل الطعام والمسكن والملابس وخدمات التعليم والصحة والمواصلات.

 

ويحدد الجهاز نسبة الفقر من خلال تكلفة الحصول على السلع والخدمات الأساسية للفرد أو الأسرة، أو ما يسمى بـ «خط الفقر القومى»، ووفقا لهذه المؤشرات فالجهاز يعتبر أن الفقراء هم السكان الذين يقل استهلاكهم الكلى عن تكلفة خط الفقر القومى.

ووفقا لتقديرات حديثة لمؤسسة «فيتش سوليوشنز» المالية العالمية صدرت فى 2023، فإن 72.7% من الأسر المصرية دخلها يقل عن 5 آلاف دولار سنويا، كما أن الأسر المصرية أصبحت الأقل دخلا بين الدول العربية.

 

ويقول الدكتور عبدالنبى عبد المطلب، الخبير الاقتصادى، إن الطبقة المتوسطة تأثرت كثيرا بالأزمة الاقتصادية فى مصر خلال الفترة الماضية، وخاصة بعدما شهد الجنيه المصرى مجموعة من التخفيضات المتتالية خلال النصف الثانى من عام 2022، حيث فقد تقريبا كل قيمته.

 

وأضاف «عبدالمطلب»، أن الدولار ارتفع من 15.7 جنيها ليصل حاليا إلى 30.90 جنيها، وفى نفس الوقت ارتفع معدل التضخم ليصل إلى 30.2%، وبالتالى فقدت الأموال قيمتها، وخسر حائزوها ما يزيد علي 70% من ثروتهم، أى انخفض تصنيفهم بمعدل 70%، وتحول عدد كبير جدا من صغار رجال الأعمال وكبار الموظفين من تصنيف الطبقة المتوسطة إلى فقراء.

 

وأكد الخبير الاقتصادى، على أن تأثير مشكلة ارتفاع الأسعار وفقدان النقود قيمتها، واضح فى الشكوى المستمرة من عدم القدرة على توفير الاحتياجات الضرورية، والحرمان من الكثير من مظاهر الترفيه، مشيرًا إلى أن طرق تعامل أبناء هذه الطبقة مع المشكلات الحالية يختلف باختلاف ظروف كل فريق منه، لكن فى النهاية تتلخص فى ضرورة تقليل النفقات قدر الإمكان، ومحاولة تعظيم الدخل والأرباح.

 

"رمانة ميزان المجتمع".. تصارع من أجل البقاء

 

 

لا شك أن الطبقة الوسطى حاليا تعانى من مشاكل متعددة بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، المتمثلة فى الارتفاع الكبير فى أسعار السلع والخدمات الأساسية، وانخفاض القيمة الشرائية للجنيه بعد تراجع قيمته أمام الدولار، ما أدى إلى انخفاض مستوى الدخل الحقيقى للفرد، فى ظل عدم وجود بدائل استثمارية تحقق الربح الآمن والمعقول، نتيجة تراجع الاستثمارات الأجنبية إلى مصر وتوقف النشاط الاقتصادى وتراجع معدلات الإنتاج.

 

تحملت هذه الطبقة العبء الأكبر فى برامج الإصلاح الاقتصادى التى نفذتها مصر خلال السنوات الماضية، حتى أصبحت الشكوى من تأثير هذه الأعباء على لسان معظم أبنائها، ولذلك بدأت تظهر تحذيرات من اختفائها فى مصر والنتائج السلبية المترتبة على هذ الأمر، بسبب الأهمية الكبيرة لتلك الطبقة فى المجتمع.

أسعار السلع

فالطبقة الوسطى تعتبر رمانة ميزان المجتمع وتساهم فى استقراره وتقدمه، ووجودها علامة على أن المجتمع متوازن وبه عدالة اجتماعية، وغيابها يعنى وجود خلل اجتماعى يجب إصلاحه، ولذلك يجب الحفاظ عليها حتى لا تتآكل تدريجيا، عن طريق منح حزمة من برامج الحماية الاجتماعية تساعدها فى الاستمرار وعدم الاختفاء.

 

ويقول الدكتور حسن الخولى، أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس، إن أى مجتمع لابد أن يكون به طبقة عليا ووسطى ودنيا، وكلما كانت الطبقة الوسطى أكبر كلما كان ذلك مؤشرا على العدالة الاجتماعية، وعكس ذلك هو الاستقطاب الطبقى أى أن الأغنياء يتمتعون بغناء فاحش والفقراء يعانون من فقر مدقع وهنا تكون السلبية.

 

وأضاف الخولى، أن وجود الطبقة الوسطى يشير إلى استقرار المجتمع وحيويته وعلامة على أن المجتمع متوازن وبه عدالة اجتماعية، أما وجود النقيضين فهذا يدل على الخلل الاجتماعى، مشيرا إلى أن غالبية المثقفين والمعلمين تعليما جيدا من أبناء الطبقة المتوسطة، وفى الأصل لم يكونوا أغنياء لكنهم تعلموا بشكل جيد وهذا التعليم ساهم فى تحصيلهم للأموال.

 

وأضاف: «وبالتالى شعروا بأن عليهم واجبا وطنيا وثقافيا يؤدونه، ولذلك هم يخدمون المجتمع بشكل أكبر، بسبب شعورهم بالمسئولية تجاه مجتمعهم وتعبيرهم عن همومه، ولهذا فإن وجودهم مهم لأى مجتمع لأنه كلما تآكلت هذه الطبقة كلما كانت أوضاع هؤلاء المواطنين أسوأ ويضيق عليهم الخناق ولهذا تأثير سلبى على المجتمع».

 

وأكد أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس، أن أبناء الطبقة المتوسطة هم لسان حال المجتمع والمعبرين عنه، ولذلك إذا كانوا فى ضيق وحرمان اقتصادى يبدأون فى التعبير عن مشاكلهم، وغيابهم علامة على وجود أمراض المجتمع ووقتها تبدأ معدلات الانتحار فى الزيادة مع ارتفاع حالات التوتر النفسى والاجتماعى والجريمة بأشكالها المختلفة.

أمراض المجتمع

وأشار إلى أن الحل هو إصلاح الأمور الاقتصادية وإتاحة فرص العمل، وأن يجد الناس قوت يومهم ومستوى لائقا من الحياة الكريمة سواء فى الطبقة المتوسطة أو غيرها من الطبقات.

 

وكانت النائبة صفاء جابر، عضو مجلس النواب، تقدمت بطلب إحاطة إلى المستشار حنفى جبالى رئيس المجلس، موجه إلى رئيس الوزراء، بشأن زيادة معاناة وأوجاع الطبقة المتوسطة فى مصر خلال السنوات الأخيرة.

 

وقالت «جابر»، إن الطبقة المتوسطة فى مصر عماد التنمية الاقتصادية وصفوة الموارد البشرية الفعالة فى أى مجتمع وصمام الأمان له، لأنها تدرك أن باجتهادها ستحقق ذاتها وتجد لنفسها مكانا فى المجتمع، كما أن 60% من المصريين ينتمون إليها، وتسعى جاهدة نحو مستقبل أفضل لها ولأبنائها، لأن منها المهندس والطبيب والضابط والمدرس والمحامى وغيرهم.

 

وأشارت عضو مجلس النواب، إلى أن الطبقة المتوسطة هى التى تتحمل المسؤولية الاجتماعية عن كاهل الدولة فى دعم المؤسسات الخيرية والجمعيات الأهلية فيما تقدمه من مشروعات خيرية، وما تقدمه من مساعدات مادية وعينية للطبقات الفقيرة والمعدمة، لكنها تعانى حاليا أشد المعاناة فى أهم مجالات المعيشة كالصحة والتعليم والسكن، بعد أن تراجعت دخولها، وازدادت ضغوطها، وأصبحت تقاوم من أجل تلبية متطلباتها الأساسية، وتصارع من أجل البقاء للحفاظ على نفسها بعد أن أضحت على مشارف الطبقة المحدودة.

 

وأكدت على أن هناك ضرورة ملحة فى ظل الغلاء العالمى الفاحش وتزايد الحاجات، إلى وجوب الحفاظ على الطبقة المتوسطة، حتى لا تتآكل تدريجيا، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة والسكن والدواء، مطالبة بضرورة منح حزمة من برامج الحماية الاجتماعية من أجل الحفاظ على الطبقة المتوسطة التى تعتبر رمانة ميزان المجتمع، لأن الحفاظ عليها هو بالأساس حفاظ على تماسك المجتمع واستقراره وصمام أمان له.

 

العمل فى أكثر من وظيفة وتدنى التبرعات الخيرية..أبرز مظاهر تراجعها

 

فى أبريل 2021 أصدرت مؤسسة «فيتش سوليوشنز» المالية تقريرا توقعت فيه نمو دخل الأسر المصرية بحلول عام 2025، ونمو حجم الطبقة المتوسطة التى يتراوح دخلها السنوى بين 78 ألف جنيه و156 ألف جنيه، مؤكدة أنها ستكون أسرع الطبقات نموا على مستوى العالم، ليزيد بنسبة 58.2% فى عام 2025، مقارنة بنحو 34.3% فى عام 2021.

 

إلا أن نفس هذه المؤسسة أصدرت تقريرا آخر فى بداية 2023 أشارت فيه إلى أن 72.7% من الأسر المصرية دخلها أصبح يقل عن 5 آلاف دولار سنويا أى 150 ألف جنيه، وأن الأسر المصرية أصبحت الأقل دخلا بين الدول العربية.

التبرعات الخيرية

وبالتأكيد انعكس هذا الأمر على سلوكيات أبناء الطبقة الوسطى فى المجتمع، وأصبحنا نرى منهم من يعرض ملابسه المستعملة على مواقع التواصل الاجتماعى للبيع بأقل من نصف تكلفتها الحقيقية، بالإضافة إلى مستلزمات المنزل المختلفة لسد احتياجاتهم اليومية، وأصبحنا نرى من كان يتسوق فى السوبر ماركت الكبيرة يذهب إلى الأسواق الشعبية، ومن كان يشترى ملابسه من الماركات العالمية بدأ يتجه إلى شراء أى أنواع يجدها أمامه.

 

ليس هذا فحسب بل أصبحنا نرى ونسمع عن فئات جديدة تطلب مساعدات مالية من الجمعيات الخيرية، بعدما كان هذا الأمر مقتصرا على الفقراء والمحتاجين فقط، فضلا عن إلغاء الرحلات الترفيهية والبحث عن وظيفة أخرى بجانب الوظيفة الأساسية.

 

ويقول أحمد عبدالله، صاحب ورشة نجارة، إنه كان مكتفيا بما تدره عليه الورشة من إيرادات حتى وقت قصير مضى، لكن مع ارتفاع أسعار كل شيء، وجدت نفسى مضطرا إلى البحث عن عمل آخر بجانب عملى

الأساسى.

 

وأضاف «أحمد»، بالفعل وجدت عملا آخر فى إحدى الشركات الخاصة بعيدا عن مهنتى الأساسية، ورغم ذلك لا أستطيع تلبية كافة احتياجات الأسرة بسبب ارتفاع الأسعار.

 

مروة إسماعيل، وهى ربة منزل، تقول إن زوجها يعمل فى أحد مصانع القطاع الخاص ولا يستطيع أن يعمل فى وظيفة أخرى بسبب ضيق الوقت.

أضافت، «ومع الأزمة الاقتصادية التى يعانى منها الجميع، بدأت التفكير فى البحث عن عمل لمساعدة زوجى فى تدبير مصروفات المنزل، بعد 15 سنة من الزواج لم أخرج فيها من البيت لأى عمل».

 

فيما يقول إسلام محمود، ويعمل مترجما حرا، أنه لم يعد هناك مجال للعمل فى مصر بسبب انخفاض قيمة الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية باستمرار، وهذا ما يجعلنى أفكر دائما فى الحصول على عمل فى الخارج.

 

وأضاف إسلام، أن من يمتلك لغة أجنبية تساعده على العيش فى الخارج، يجب عليه البحث عن وظيفة خارج مصر فى التوقيت الحالى، حتى يستطيع مواكبة الظروف الاقتصادية الصعبة، لأن وجوده فى الخارج يمكنه من الحصول على راتب جيد، وفى نفس الوقت يقوم بتحويل هذه الأموال بالعملة الصعبة إلى أسرته فى مصر.

 

بينما يقول محمد بدر، إنه لجأ إلى تقليص عمليات شراء اللحمة والفراخ والسمك، وعدم الذهاب للعمل بالسيارة الخاصة، والاقتصار على شراء الملابس فى المناسبات فقط.

 

كما اضطر إلى تقليل عدد أيام حضور أطفاله للمدارس توفيرا للنفقات، مع تفكيره فى إيجاد عمل آخر سواء فى نفس مجاله أو فى مجال آخر.

 

و يقول الدكتور على الإدريسى، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، إن الرهان الأساسى لتحديد وضع الطبقة الوسطى فى المجتمع هو معدل التضخم، وللأسف مع ارتفاع معدلات التضخم والتعداد السكانى فإن مستوى معيشتها تأثر بشكل كبير خلال السنوات الماضية.

 

وأضاف الإدريسى، أنه فى نوفمبر 2016 اتخذت مصر قرار التعويم الأول وبعدها وصل معدل التضخم إلى مستويات عالية جدا وسجل فى يوليو 2017 نحو 33%، ثم تراجع إلى 4% مع مرور الوقت، لكن عندما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية وما تلاها وصلنا الآن إلى أعلى معدل خلال السنوات الست الماضية وتجاوزنا 31%، وبالتالى هذا الأمر وضع ضغوطًا كثيرة على الطبقة الوسطى وجعلها تميل إلى الطبقات الأدنى مثل محدودى الدخل، ما يؤثر فى النهاية على مستوى المعيشة والطلب على السلع الكمالية والترفيهية، ويتحول بشكل أكبر للسلع الأساسية والغذائية، وهذا وضع لا يمكن أن نغفله.

 

وأوضح عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، أن تلاشى تلك الطبقة غير مقبول اقتصاديا لأنها تصنع توازنا بين كافة الطبقات، بمعنى أن طبقة محدودى الدخل يكون أملهم الارتقاء إلى الطبقة المتوسطة، وأصحاب الطبقة المتوسطة أملهم هو الارتقاء إلى الطبقة الأعلى، وعندما تتلاشى هذه الطبقة يكون هناك فجوة كبيرة بين محدودى الدخل وطبقة مرتفعى الدخل، وهو ما يؤثر على هيكل الدخل بالنسب للأسر فى المجتمع بشكل عام.

 

وتابع «عندما يكون هيكل السكان معظمه من محدودى الدخل فإن ذلك يؤثر بشكل سلبى على المجتمع أيضا وليس الاقتصاد فقط، من خلال ظهور ظواهر اجتماعية سلبية على رأسها الجريمة، ولذلك فالحل هو وجود برامج حماية اجتماعية أكثر كفاءة وعدالة ومحاولة التوجه الحكومى نحو زيادة الدخول لمحدودى الدخل، وتوفير الدعم اللازم مع فرض الضرائب التصاعدية على أصحاب الدخول المرتفعة حتى نستطيع توجيه هذا الدعم للطبقات الفقيرة».

 

وقال السفير فوزى العشماوى مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن الطبقة الوسطى هى عماد المجتمع وصمام أمانه وقوته الدافعة ومخزن قيمه وفضائله.

وأضاف «العشماوى»، أن هذه الطبقة تتشكل عبر عشرات بل مئات السنين، وتحرص كل دول العالم وأنظمتها السياسية عليها، من خلال الاهتمام بالتعليم والوعى الجمعى والتدريب والتشغيل والدخل، بحيث لا تنزلق وتتآكل فتهدد أمن واستقرار الدولة والمجتمع، أو تشهد الدولة اختلالات جسيمة بين طبقاتها، ولكن هذه الطبقة تشهد حاليا تآكلا وضغوطا غير مسبوقة.

 

وتابع، «تواجه ضغوطا اقتصادية ومعيشية ناتجة عن الأزمة الاقتصادية، وعدم تماهى الدخول مع النفقات، وضغوطا ثقافية وقيمية نتيجة هيمنة وسائل التواصل الاجتماعى وتراجع دور الإعلام الحر المستنير»، فضلا عن قضية الاستقطاب المجتمعى، ولذلك يلجأ عدد كبير من أبناء هذه الطبقة إلى مواجهة الأوضاع بالبحث عن وظائف أخرى إضافية أو تغيير مهنتهم الأساسية.

 

وأوضح «العشماوى»، أن تعدد المهن والوظائف أصبح أمرا شبه حتمى للعديد من أبناء هذه الطبقة لمواجهة متطلبات المعيشة والنفقات المتزايدة باضطراد، وهو ما أفرز نتائج عديدة بعضها إيجابى مثل اكتساب مهارات جديدة وإعلاء قيمة العمل، ولكن الكثير منها سلبى مثل العزوف عن الزواج أو ارتفاع معدلات الطلاق فضلا عن تفكك الأسر نتيجة فرط انشغال الوالدين.

--

مواطنون: أحلامنا البسيطة تبخرت.. والترفيه حلم مستحيل

 

أكد عدد من المواطنين أن الطبقة المتوسطة هى أكثر طبقة تأثرت بالأوضاع الاقتصادية السيئة، مقارنة بالطبقتين الدنيا والعليا، واشتكى عدد كبير من الارتفاع اليومى للأسعار وعدم قدرتهم على توفير احتياجاتهم الأساسية بالشكل المعتاد، فضلا عن أن أحلامهم البسيطة التى كانوا يحلمون بها تبخرت ولم تعد قابلة للتحقيق، وأصبح الترفيه أمرا شاقا جدا بل ومستحيلا.

 

يقول صلاح مصطفى، إن أسعار السلع ترتفع بشكل يومى ولم يعد هناك رقابة أو سيطرة على الأسواق، ما يضغط بشكل كبير على الأسر المصرية التى لم تعد قادرة على توفير احتياجاتها الأساسية من مأكل ومشرب وملبس.

الطبقة الوسطى تعانى من الغلاء

وأضاف: «الناس حاليا مش قادرة تعيش ولا قادرة توفر احتياجاتهم العادية.. الطبقة العادية والمتوسطة فى وضع صعب جدا.. والطبقة الأقل فى وضع أسوأ.. والأسعار تزيد بشكل يومى سواء لحمة أو فراخ أو سمك.. لدرجة أن الناس لم تعد قادرة على شراء السلع الرخيصة مثل الفول والعدس والبيض.. حتى الأكلات الشعبية لم تعد فى متناول الجميع».

 

ويقول عبدالرحمن رمضان، إنه يعمل فى إحدى شركات القطاع الخاص فى مجال بيع الساعات والاكسسوارات، وفى ظل الارتفاع المستمر فى الأسعار لم ترفع الشركة المرتبات، ولذلك فهو يعانى بشدة من الوضع الحالى.

 

وتابع: «القطاع الخاص أغلبه محدش فيهم عمل أى زيادات للموظفين زى ما الحكومة قالت.. والحد الأدنى لم يطبق فى شركات كتيرة لغاية دلوقتى.. ورواتب الناس مش مستحملة معاهم لحد نص الشهر.. ولا قادرين يعيشوا بيها والحكومة لم تقدم أى حلول.. وواقفة عاجزة أمام الوضع الاقتصادى وأمام الحالة المعيشية للناس».

 

وأكد أنه على الحكومة أن تواجه ظاهرة ارتفاع الأسعار بأى شكل حتى لا تتفاقم أزمات الأسر المصرية التى أصبح الدخل الشهرى لها ضعيفا للغاية، مختتما حديثه قائلا، «طب الناس هتعمل إيه وهنعيش إزاى ؟».

 

وقال محمود سليمان، مدير بإحدى شركات الذهب، إن أكثر طبقة تأثرت بالأوضاع الاقتصادية هى الطبقة المتوسطة، وليس الطبقة الفقيرة، وهذا الكلام من الممكن أن يستغربه الكثيرون لكنه الحقيقة الفعلية على أرض الواقع.

الطبقة الوسطى تعانى من الغلاء

وأوضح «سليمان»، أن أبناء هذه الطبقة كانوا يمتلكون سيارات جيدة، ويقومون برحلات ترفيهية فى بعض الأحيان لبلاد خارج مصر، ويعلمون أولادهم فى المدارس الخاصة والدولية، لكن هذه الأمور الآن تكاد تكون مستحيلة بالنسبة لهم وأصبحت مجرد أحلام، لأن أسعار السيارات والرحلات ودخول المدارس أصبحت عالية جدا، وليس من السهل على أى شخص تحقيقها الآن.

 

وأضاف أن أبناء الطبقة الفقيرة يعيشيون طوال حياتهم فى حالة من البساطة، ومن الطبيعى أن تكون أحلامهم وتطلعاتهم بسيطة، عكس الطبقة الوسطى الذين يرون العالم والرفاهية بمنظور أوسع، وكانت أشياء كثيرة متاحة أمامهم نسبيا، وكانت تشكل حافزا للتعب والاجتهاد فى العمل والتعليم، حتى يرتقوا إلى الطبقة الأعلى، إنما الآن الوضع اختلف وأصبحوا بالكاد قادرين على توفير احتياجات المعيشة الأساسية. 

 

واختتم حديثه بقوله: «علشان كده هما اكتر ناس حست بالفرق الكبير وإن مجهودهم اللى زاد فى الشغل وسنهم اللى بيكبر يوما بعد يوم لا يساوى إطلاقا اللى هما قادرين حاليا على تحقيقه، ده غير أحلامهم اللى ذهبت بلا رجعة، رغم أنهم فى وقت كانوا قريبين جدا من تحقيقها».

 

ويقول أسامة إبراهيم، إن الأوضاع الاقتصادية أصبحت صعبة جدا على الجميع وليس الفقراء فقط، وخصوصا خلال الشهور الأخيرة بعد الارتفاعات الرهيبة فى أسعار السلع والخدمات المختلفة.

 

وأضاف «أسامة»، أنه كان يعمل فى وظيفة واحدة قبل 3 سنوات من الآن، لكنه بعد جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية التى حدثت بعدها بدأ فى البحث عن عمل آخر وبالفعل التحق بوظيفة أخرى، حتى يستطيع مواكبة الارتفاع فى الأسعار، مشيرا إلى أنه رغم ذلك لا يستطيع الآن توفير احتياجات الأسرة أو يوفرها بعد معاناة.

 

وقال على أحمد، إن ما حدث تسبب فى انخفاض قيمة راتبه للنصف تقريبا وهذا يشكل عبئا كبيرا عليه لسد احتياجات أسرته الأساسية.

وأوضح على أن أكثر ما يقلقه ليس الغذاء وإنما سداد أقساط وفوائد القروض التى حصل عليها خلال الفترة اللى فاتت وأهمها أقساط السيارة وتكاليف مدرسة أبنائه.