رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

12 ألفًا بدون ترخيص.. والرقابة غائبة

دور الحضانة.. عذاب خلف الأبواب المغلقة

الأطفال في دور الحضانة
الأطفال في دور الحضانة

هل يخفى العنف؟.. نعم يخفى العنف في دور الحضانة، فالمعنّفون أطفال أبرياء يبكون، يطلقون صرخات مشوبات بوجع غير مفسر، وآهات مبهمة لا تدري من أين أتت وفيما انجلت، يقضون يومهم بين جدران غير آمنة تشهد مُسارقة على مشاهد عذاب، عسى ألا يفوتها منها لقطة أسى!

المصابيح تنزف وجعًا، والضحكات التي تملأ الرواق تتحول لإنذارات مبهمة، وأناسٌ يفرضون ذاتهم يستعرضون قدراتهم أمام جمعٍ من الأطفال خائرين القوى تحت سياط الخوف والتعنيف، وفي نهاية اليوم يكتفي الأطفال بالاختباء في أحضان الصمت، لئلا يعلم أحد السر.. ولكن هيهات ها هو السر على وشك الذيوع!

عندما تُلقى آفة الخوف في أرض خصبة خضراء نقية غنية بالبراءة، فلا عجب أن يكون الحصاد «كوم قش» أجيال مشوهة مهزوزة تخشى كل شيء، لا ذنب لهم سوى أنهم في دور حضانة، دار لعب ومرح ودفء وليست دار ضياع.

العنف ضد الأطفال فجوة متأصلة في جذور مجتمع يُهمش الطفل ويراه بعين الدُمية التي لا لسان لها، حتى دور الحضانة ينبوع الحنان تخلع عن نفسها ردائها وتلبس لباس الجلّاد وتتحول الجدران الآمنة لأسوار سجون؛ يُفتعل بداخلها ما يطعن الإنسانية في مقتل دون رقابةٍ أو رادع، بمنأى عن الآدمية، وكأن الأم سلّمت صغيرها بيدها لثعالب ماكرة داخل غابة، تحكى عنها حكايات تضعك وكأنك في فيلم أكشن أبطاله معذبون مَهَرة خانوا الأمانة.. نخلص القول بأن تعنيف الأطفال مشكلة حقيقة لا يُمكن غض الطرف عنها.

غياب الرقابة هو العامل الرئيسي في هذه المخالفات، حيث تفتقر بعض الحضانات إلى كوادر مؤهلة للتعامل مع الطفل، وبدلًا من تنمية مهاراته، يجعلون منه شخصية تهاب مواجهة الآخرين أو الانخراط في المجتمع.

فوضى التراخيص عامل آخر في تدهور مستويات دور الحضانة، حيث تشير إحصائيات رسمية إلى أن عدد الحضانات غير المرخصة يبلغ 12 ألفًا، تفتقر إلى أبسط إجراءات السلامة والأمان.

هذا الملف يرصد واقع دور الحضانة ووقائع المخالفات وحوادث العنف داخلها وآراء المتخصصين في علاج هذه الظاهرة.

حكايات مؤلمة.. عن اغتيال البراءة

«شهور وأنا أعالج ابنتي من الأذى النفسي الذي تعرضت له في الحضانة».. هكذا بدأت منى. غ، إحدى سيدات الإسماعيلية، حديثها بعدما انهمرت العبرات من عينين أنهكهما البكاء في عيادات الأطباء النفسيين، قائلة: «كنت أرفض تمامًا إدخال ابنتي ميرال الحضانة حتى بلغت 3 سنوات و10 شهور، ولكن تحت ضغوط الأقارب والجيران رضخت للفكرة، وما دفعني لذلك أيضًا تأخرها في الكلام، لن أنكر أنني (موسوسة) في الحقيقة، وكثيرًا ما تطرأ ببالي نظرات سوداوية للحضانة بوجهٍ عام، خصوصًا أن ابنتي ستكون غائبة عني قرابة 6 ساعات، ولا أدري هل سيعاملون ابنتي بلين ورفق مثلما أعاملها أنا أم لا، التفكير الزائد في مثل هذا الشأن جعلني أتردد كثيرًا فالأمر فعلًا مخيف».

وأضافت ابنة الإسماعيلية: «حين تبادلت أطراف الحديث مع زوجي، وصارحته بأسبابي وما يجول في خاطري وصفني بالجُبن، وانتهى بي الأمر بأن ألحقتها بالحضانة مجبرة لا مخيّرة، بعدما سألت في أماكن عدة، وأخذت آراء الكثيرين من المقربين، وعاينت الحضانة وتحدثت مع المديرة، وعقدت العزم وألحقت ابنتي بها، ومرت الأيام والشهور، والأمر على ما يُرام، ولكن ذات ليلة فارق النوم جفن ابنتي وقضت ليلها تبكي وتئنّ، وظلت تتمتم بكلمات غير مرتبة، ولا تفهمني ما يثلج صدري، حتى كشفت عن ذراعها فإذا بكدمات وآثار (خربشة) في بادئ الأمر ظننت أن التي عنّفتها إحدى زميلاتها، ولكن الصدمة الكبرى التي حالت دون استيعابي أن من ارتكبت ذلك بحقها هي معلمتها، وهذا ما فهمته منها بعد مسلسل عذاب، قضيت ليلي أستنشق غيظًا وغضبًا وما إن هلّ الصبح ذهبت إلى الحضانة لأفتعل المشكلات، وأواجه المُعلمة بما حدث ولكنني لم أجدها، وهدأت المديرة من روعي ووعدتني بإيقافها عن العمل في الحال، ومنذ ذلك الحين وابنتي لا تخطو تلك الحضانة».

اختتمت منى حديثها بكل أسى: «ما زلت أعاني من تبعات ما حدث مع ابنتي حتى الآن، فهي تعاني من تبول لا إرادي، كبرت ولا تزال الارتعاشة تسير في أوصالها لأقل سبب، وعادة ما تميل إلى الانعزال بعدما كانت تهوى التجمعات والأحاديث والمرح، أشعر وكأنها مصابة بشرخٍ لم يلتئم بعد، وحِدّة الموضوع لم تخف، طوال الوقت أمسح بيدي على أوجاعها فأظن أنها ستذهب كلها جملة واحدة، غير آبهة إلى كونها ستترسب بالجملة، نصحني البعض بالذهاب للأطباء النفسيين، وها أنا "أعمل بالنصيحة".. موقف يومٍ تتجرع ابنتي مرارته كل يوم».

أما "هند. أ" الزوجة العشرينية لم تعلم أنها سلّمت بفلذة كبدها إلى التعذيب، عندما أدخلت ابنتها «مكة» الحضانة وهي لا تزال ابنة عامين، وحينما تعود من الحضانة تصرخ صرخات يسمعها القاصي والداني، وبكاء هيستيري من دون سبب، وقيء مستمر، علامات ظهرت عليها واحدة تلو الأخرى جعلتها تضع ألف علامة استفهام.. وقالت: «بتتبع الأمر، خلصت إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في الحضانة، وعلى الفور غيّرت الحضانة بعدما نصحتني إحدى صديقاتي بذلك وهي خبيرة أسرية وأخبرتني بأن تلك الحضانة التي تفتقد فيها ابنتي الأمان والأيدي الحانية ستزرع فيها الخوف واضطرابات في السلوك وأشياء سلبية عدة هي في غنى عنها، وبالفعل استجبت للنصيحة ووجدت فارقًا كبيرًا بعدما استبدلت الحضانة بالأخرى السيئة مهنيًا وتربويًا، ورجعت طفلتي إلى طبيعة حالها».

"مريم. ا" أم لابنة لم يتجاوز عمرها 3 سنوات لم تتمالك من حبس دمع ذرفته بغزارة، ورغم ذلك فهو غير كافٍ لمحو آثار وجع توسّد قلبها كلما تذكرت ما لحق بابنتها من أذى جسدي ونفسي جراء تعرضها للتعنيف بالحضانة وبالكادّ سردت مأساتها سريعًا قائلة: «بنتي كانت فور عودتها إلى البيت تجلس لحل الـواجب المدرسي بملابسها، وتمسك الكتاب في الحمام، وتذاكر الدروس أثناء الطعام، وبسذاجتي ظننت أنه تفوّق منها، لا أدرى أنها تفعل ذلك رغمًا عنها».

واصلت ذات الثلاثين عامًا حديثها بنبرة صوت منكسرة وعين زائغة هنا وهناك قائلة: «انكشفت الحقيقة عندما حذرتني إحدى المقربات ممن أدخلن أولادهن تلك الحضانة، من أن الأشخاص فيها غير أسوياء، وأن ثمة أشياء تُرتكب بحق الأطفال خلف أبوابها تنوء بحملها الجبال الرواسي، وانزاح الستار عما يُفعل بداخلها، عندما علمت أن مديرة الحضانة تضرب الأطفال وتعنّفهم، وليس ذلك فحسب بل تضرب رؤوسهم في "البورد"، ومنذ ذلك الحين وأنا قلبي ينزف وجعًا لم تستطعَ الأيام -رغم مرورها- مداواته، يكفي حالة الانطواء النفسي والخوف والرعب الذي لطالما عانيت منه ابنتي طويلا، رغم تعافيها من كل ذلك مؤخرًا إلا أنني كأم فالجرح يتجدد بداخلي ولم يلتئم ولن أتعافى».

لم تختلف حكاية مريم كثيرًا عن "حمزة. م" الذي أعرب عن استيائه الشديد مما حدث مع ابنه داخل مكان من المفترض أن يبعث في الأطفال أسمى معاني الإنسانية لكنه قتلها من قبل حتى أن تُولد، فابنه الذي لم يتعدَ عمره الـ4 سنوات كان يتعرض للضرب والجلد في الحضانة، وعندما علم سحب الملف، ولكن الأذى الذي تعرض له الصغير أصابه بعقدة نفسية لا يزال حتى بلوغه سن الخامسة يرفض الالتحاق بأية حضانة أخرى.

ضعف التأهيل وفوضى التراخيص.. أبرز أسباب العنف

الدكتور أحمد علام، استشاري العلاقات الأسرية والصحة النفسية، وضع تعريفًا صريحًا للعنف الذي يمارس ضد الأطفال، قائلًا إن أي سلوك يكون فيه قسوة أو شدة أو إهانة أو تجريح يُمارس ضد الأطفال يندرج تحت بند العنف، موضحًا أن الخبراء توسعوا وأضافوا أن الإهمال أيضًا من ضمن أنواع العنف، فبتالي حتى لو أهملت طفلًا وأنت مسؤول عنه فأنت أصبحت هنا تمارس ضده نوعًا من أنواع العنف. 

وأشار استشاري العلاقات الأسرية والصحة النفسية إلى أن هناك أنواعًا متعددة من العنف؛ أولها العنف الجسدي، وهو يشمل (الضرب والجلد والجرح وما إلى ذلك)، وثانيها العنف الجنسي، (ممارسة أنواع من التحرشات أو الاغتصابات ضد طفل أو طفلة وهذا النوع من أشد أنواع العنف، أما ثالثها فهو العنف النفسي، (يتم عن طريق إحباط الأطفال أو إيذائهم نفسيًا)، وكذلك التنمر عليهم يُعد من أسوأ أنواع العنف الذي يمارس ضد الأطفال، و٢٥٪ إلى٥٠٪ من الأطفال حول العالم يتعرضون لمثل هذه الأمور.

وأرجع الدكتور أحمد علام، أسباب ممارسة مديرة مدرسة أو حضانة العنف ضد الأطفال، في وقت من المفترض فيه أنها مسؤولة عن حمايتهم، إلى وجود مشاكل نفسية وليست مبررات قد تكون هي شخصيًا تعرضت أو لا تزال تتعرض لمثل هذا العنف في بيتها أو أسرتها، فتمارسه هي عليهم، مثل التنمر فيُمارس من شخص قوي إلى آخر ضعيف، فهي كذلك تمارس هذا العنف الذي تتعرض له على أشخاص أضعف منها، وقد تكون عندها مشكلات نفسية من إنفاق أهالي هؤلاء الأطفال عليهم ببذخ وهي تعاني من مشكلات مادية، والاهتمام بهم في وقتٍ تفتقد فيه الاهتمام، وهي لم تُعامل بهذا الأمر، ولا تعامل به أولادها.

وأكد علام أن تعذيب الأطفال يمثل نهجًا خاطئًا في أساليب العقاب، وإن دل على شيء فهو يدل على جهل من يقوم بهذا الأمر وعدم وعيه.

وعن الآثار السلبية لمثل هذه الأمور على الأطفال مؤكدًا تعددها، فقد يُصاب الطفل بأمراض نفسية؛ مثل العزلة والانطواء، وعدم الثقة بالنفس، الخوف، الهلع، التوتر الدائم، ضعف التحصيل الدراسي، قلق النوم أو ضعف معدلات النوم، ضعف معدلات الانتباه والتركيز، اضطرابات في الشهية، وكذلك أمراض عضوية، ومن الممكن أن يميل الطفل إلى ممارسة العنف في حياته الشخصية أو مع أصدقائه في السنين العادية.

ووجّه علام رسالة إلى كل أب وأم، وهي ملاحظة التغييرات التي تطرأ على الطفل والبحث وراءها وتتبع الأسباب والقرب منه والحديث معه حول ما يتعرض له من آثار أو مشكلات نفسية لم تكن موجودة في الحسبان، وفي حال إذا كان الطفل يتعرض لأذى فلا بد من أخذ إجراء ضد من يقوم بتعنيفه، وعدم تجاوز الأذى واللجوء إلى الطرق القانونية، ومن ثم اللجوء لإخصائيين نفسيين لتعديل سلوك طفلك ومعالجة ما عانى منه من آثار، قد تمتد معه لفترة، وبث الثقة بنفسه من جديد وطمأنته واحتضانه واحتوائه بشتى الطرق لإذابة كل هذه الرواسب.

وأشارت الدكتورة سلمى عادل المعداوي، متخصصة العلاج السلوكي للأطفال والمراهقين، إلى أن الحضانة من المفترض أن تكون مكانًا مؤهلًا للتعامل مع الأطفال بشكل صحي وآمن ابتداءً من سن عامين تحديدًا، فمن هذه السن نعوّد الطفل على مجتمع آخر غير البيت وأناس غير الأب والأم، فيبدأ تعلم الاجتماعيات من خلال الحضانة، يبدأ تعلم مهارات كثيرة مثل مهارات الكلام، مهارات التواصل، مهارات الأكل، مهارات اللعب، كما أن هناك حضانات تعتمد طريقة أو منهج (المنتسورى)، تبدأ تعلم الطفل المهارات التعليمية المختلفة فتزود الذكاء وتلعب على التركيز، وتنمى لدى الطفل المهارات الناعمة التي يحتاج إليها على مدار حياته.

وأشارت الاستشارية الأسرية إلى أن هناك أطفالًا يعانون من نسبة من التوحد بسبب مكوثهم في البيت طوال الوقت، من دون أي تواصل، فالطفل حينها يكون جاهلًا للمجتمع الخارجي، هو فقط يلزم الهاتف أو التلفاز، فمن هنا يبدأ في افتقاد مهارات التواصل التي تجعل الطفل ناضجًا واعيًا، مؤكدة أن قرار إدخال الطفل حضانة عند سن عامين مسئولية كبيرة، فلا بد من الاختيار بعناية ودقة، وعلى كل أم أن تكون على تواصل مستمر مع المكان، يتمتع بسُمعة طيبة، والعاملين بها متخصصين.

وأعربت الدكتورة سلمى المعداوي عن استيائها الشديد من أن الحضانة صارت وظيفة من لا وظيفة له في ظل غياب الرقابة الحقيقة.. وقالت إن البعض يحول بيته إلى حضانة، ويجهزه على أكمل وجه، يكتب لافتة تقول «هنا حضانة».

وأضافت: للأسف البعض يرى أن كل ما في الأمر مجموعة أطفال يجلسون فوق بعضهم البعض ينصتون لقنوات الأطفال ويتفاعلون معها، وفور السماع عن تفتيش ينقلب الحال رأسًا على عقب، كل هذا في ظل غياب رقابة بشكل صحيح من وزارة التضامن الاجتماعي المعنية بمنح تراخيص الحضانات، والتي وضعت شروطًا للمكان، منها على سبيل المثال أن تكون الشقة “دور أرضي” مكونة من أربع حجرات، وصالة كبيرة، وحمامين وقاعة طعام، فأصبحت التراخيص تُؤخذ بناءً على ملاءمة المكان، من دون إجراء اختبارات للمدرسين، والمشرفين، والتأكد من كونهم مؤهلين للتعامل مع الأطفال تحت أي ظرف وتحت أي ضغط.. فلا بد من تفعيل ذلك.

واستدلت (المعداوي) في حديثها إلى واقعة مديرة حضانة الإسكندرية، منوهة إلى أن الوضع كان مؤلمًا للغاية، وأن الحضانة بعيدة كل البعد عن الرقابة والإشراف، مستنكرة رد فعل المدرسين والـ"دادات" الصامت داخل الحضانة، وترى أن العقاب لا بد من أن يكون جماعيًا وليس مقتصرًا على صاحبة الحضانة والعاملين فقط، فما حدث كان أمام أعينهم ولا حياة لمن تنادى!

وأفادت بأن معظم مدارس اللغات الخاصة أو الإنترناشونال تخصص فصلًا كبيرًا للمدرسين ممن لديهم أطفال فى سن من عمر شهر فيما فوق، وتوفر “دادات” بالمكان، وتدفع المُدرسة جزءًا من راتبها لكى يكون ابنها أمام عينها، ولها ساعة رضاعة تستأذن لترضع طفلها ثم تعود لعملها.

وشددت الدكتورة عزة زيان، استشارية العلاقات الاجتماعية والأسرية، على ضرورة وضع الحضانة لمدة أسبوع أو عشرة أيام تحت الاختبار، وقياس حالة الطفل إذا كان سعيدًا ومتقبلًا وجوده بالحضانة أم لا، وأن يأخذ أولياء الأمور آراء الأطفال الموجودين في الحضانة وذويهم أن أمكن، ويلاحظون طريقة تعامل المشرفين والمدرسين مع الأطفال قبل اتخاذ القرار بشكل نهائي، وبعد الاطمئنان جيدًا على مستوى الحضانة أخلاقيًا وإنسانيًا وعلى مستوى النظافة، على الأب والأم فحص كل ركن من أركان الحضانة وخصوصًا المطبخ ودورة المياه، وقياس مستوى النظافة ومصدر الطعام، فيجب على أولياء الأمور دراسة الموقف جيدًا لأنه ليس سهلًا بالمرة.

وأشارت إلى ضرورة وجود رقابة مستمرة ونزيهة على الحضانات لا يقتصر دورها على كشف صلاحية الحضانة من ضوء وتغذية ونظافة، ولكن تأخذ برأي الأطفال أنفسهم، وطريقة تعامل المشرفين.. هل يتعاملون بإجبار وإهانة وتخويف أم برفق ولين؟

واستنكرت (زيان) موضوع تعذيب الأطفال في الحضانات، مشيرة إلى أنها جملة متناقضة تمامًا، فكيف لحضانة المفترض فيها الأمان والحماية والحنان أن تكون هي نفسها المؤسسة التي يجد فيها الطفل التعذيب والتنكيل والكراهية واستخدام العنف والممارسات المسيئة ضده؟

وأضافت أن الشخص الذي يستخدم العنف المفرط، أو العنف ضد الطفل غير سوى، فالناحية النفسية سبب وليست مبررًا، قد يكون يعاني من ضغوط اقتصادية أو اجتماعية، وقد يكون تعرض لعنفٍ سابق أفقده الإحساس بالراحة والأمان الأسرى، فيطبق ما يُعرف بـ(دورة إنتاج إعادة العنف) فنحن كبشر نتعرض لهذا العنف أو عنف مشابه فنعيد إنتاجه مرة أخرى عندما تتاح لنا الفرصة، بما أننا بشر بعضنا أسوياء والآخر غير ذلك، وإحساس الطفل بالإهانة قد يدفعه إلى العزلة، وأن يكون شخصًا انطوائيًا وخائفًا، خائفًا من إبداء رأيه وخائفًا من المشاركة.

وأكدت استشارية العلاقات الاجتماعية أن هناك سببًا آخر لاستخدام العنف ضد الأطفال وهو عدم التأهيل التربوي، فسنجد كثيرين وظيفتهم تحتم عليهم التعامل مع الأطفال سواء كانوا مشرفي حضانات أو مديرين ليسوا مؤهلين تربويًا، فبالتالي يكونون غير عابئين بدارسة نفسية الطفل أو احتياجاته والتزاماته وأهدافه، ومتى يُستخدم اللين، وكيفية العقاب لأن أسلوب العقاب لا بد من أن يكون مدروسًا، وفي بعض الأحيان يكون الشخص المعرض للعنف لا يقوى على رد العنف لنفس المصدر؛ لأنه من الممكن أن يكون أعلى منه كرئيسه أو مديره أو أبيه أو شخص له مصلحة، فيختار أن يمارس العنف لكن مع أشخاص أضعف، بما أن الطفل هو الأضعف في المنظومةّ!

 

 

داعية أزهري: تعذيب الأطفال.. خيانة للأمانة

تتفق كتب التراث على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب الأطفال حبًا بلا حد، ومن ذلك أنه صَعِد ذاتَ يومٍ المنبر يَخطُب بالناس، فرأى الحسن والحسين يَجْرِيان ويتعثَّران، فقطع خطبتَه، ونزل واستقبل الطفلين وحملهما على ذراعيه، ثم صَعِد المنبر، وقال: أيها الناس، ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأولادكُمْ فِتْنَةٌ﴾، والله لقد رأيتُ ابني هذين يجريان ويتعثَّران، فما أطقت حتى نزلتُ فحملتُهما، وكان الرسول يصلِّى ذاتَ يوم فأقبلَ الحسن والحسين فرَكِبا ظهرَه وهو ساجد، فأطال السجود، ولم يرضَ أن يعجل بنزولهما، حتى نزلا، وحين سلم صلى الله عليه وسلم قال له أصحابه: لقد أطلتَ السجودَ يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم لقد ارتحلَنِى ابناى، فكَرِهتُ أن أُعجلهما.

ومما يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يعجل في صلاته إذا سَمِع بكاء الطفل، ويقول: إنِّى كَرِهتُ أن أشقَّ على أمه، وكان يمر ذات صباح على بيتِ السيدة فاطمة، فبلغ سمعَه بكاءُ الحسنِ، فشقَّ عليه ذلك، فقال لابنته فاطمة: أَوَما علمتِ أن بكاءه يؤذِينِي، ودخل عليه الأقرع بن حابس ذات يوم وهو يقبِّل حفيديه الحسن والحسين، فقال: يا رسول الله، أتقبِّل وَلَدَى ابنتِك؟! والله أن لى عشرةً من الأولاد ما قبَّلتُ أحدَهم، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم وما على أن نزع الله الرحمة من قلبك.

من جانبه أكد الدكتور أحمد عبدالحكيم، الداعية الأزهري، أن الأطفال الذين يرسلهم آباؤهم إلى الحضانات والمؤسسات التعليمية هم أمانة عند المسئولين عن تلك الدور، وقد أمر الله تعالى عباده بالتحلي بالأمانة، وأدائها على أكمل وجهٍ؛ لما يترتّب عليها من فوائد عظيمةٍ، قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لاَ إيمان لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ، فيجب على هؤلاء المسئولين عن هذه الدور حفظ الأمانة التي تتمثل في هؤلاء الأطفال الذين هم في عمر الزهور

وأضاف: نهى الشرع الحنيف عن تعذيب النفس وإيذاء الناس، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانا وَإِثْما مُبِينا، وثبت في الحديث أن رسول الله صلى عليه وسلم قال إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا، وقال كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، وقال: صنفان من أهل النار لم أرهما ومنهم قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس وقد ذم الله سبحانه وتعالى آل فرعون في تعاملهم مع بنى إسرائيل فقال الله تعالى في كتابه الكريم وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أبناءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِى ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ.

وأشار عبدالحكيم إلى أنه وقد ورد في بعض الآثار توجيهٌ الكبار في كيفية التعامل مع الصغار لاعبه سبعا ثم أدبه سبعا ثم صاحبه سبعا، فيجب علينا أن نتقى الله في هؤلاء الأطفال الضعفاء الذين جعلهم الله تعالى أمانة فى أعناقنا وأوكل إلينا رعايتهم، وكما يقولون دائمًا الأطفال أحباب الله.

 

 

التضامن (تشدد الإجراءات) والشيوخ (يناقش الظاهرة)

الدكتورة نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي، كشفت عن الجهود التي تبذلها الوزارة لمكافحة العنف، وفي مقدمتها الحملة الكبيرة لمواجهة الحضانات غير المرخصة.

وأوضحت أنه تم تشكيل لجنة وطنية تضم 14 وزارة معنية لمنح التراخيص وتيسيرها وحصر عددها، ووضع معايير محددة للترخيص بإنشاء الحضانة، مشيرة إلى أن هناك نحو 14 ألفًا و800 حضانة مرخصة مقابل 12 ألفًا غير مرخصة، ويتم غلق الكثير منها مقابل مساعدة الأخرى للحصول على الترخيص.

جاء ذلك خلال الجلسة العامة لمجلس الشيوخ برئاسة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق، والتي شهدت مناقشة تقرير اللجنة المشتركة من لجنة حقوق الإنسان والتضامن الاجتماعي ومكاتب لجان الشئون الدستورية والتشريعية، والثقافة والسياحة والآثار والإعلام، والشئون الدينية والأوقاف عن الدراسة المقدمة من النائب محمد هيبة، بشأن ظاهرة العنف الأسري- الأسباب والآثار وسبل المواجهة.

وأكدت أن العنف قد يسبب مشكلات عضوية جسيمة؛ مثل حدوث اضطرابات في الجهاز الهضمي، مشكلات أثناء النوم، مشكلات التوتر والخوف الدائم ما يؤثر سلبًا على مستواه الدراسي، إضافة إلى ميل الطفل للانعزال والوحدة والتزام الصمت، ويصبح الطفل مصدرًا للمشكلات في البيت أو الحضانة أو في النادي؛ لأنه ترسخ في ذهنه بأنه استقبل العنف فعليه أن يرسله.

وأضافت: أنه يتسلل إلى الطفل شعور بأنه ضعيف، فيتعامل مع الأشياء ومع الأشخاص وكل المحيطين بهذا المبدأ أنه لن يستطيع فعل أي شيء، مؤكدة أنه على الأم والأب عدم إدخال الأبناء إلى الحضانات قبل سنة ونصف لأسباب عدة؛ أولها أن يكون تجاوز مرحلة (الحبو) حتى لا يلتقط أي شيء ضار من الأرض، وثانيها أن يكون قد بدأ في الكلام، ليسرد ما يحدث له داخل الحضانة، ويقوى على التعبير عمّا يتعرض له من إيذاء أو إهانة أو عنف.

 

خبير قانوني: الحبس أو الغرامة.. عقوبة المخالفين

(تكرار حوادث العدوان على الأطفال بالحضانات وتعذيبهم وانتهاك حقوقهم من قبل القائمين على إدارة هذه الحضانات أصبحت ظاهرة مؤسفة بالمجتمع، تتنافى مع جميع القواعد القانونية والإنسانية والأخلاقية).. بهذه العبارة بدأ المستشار محمد أبوالعلا، المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة حديثه مع (الوفد)، وقال: (تكرار الجرائم في الحضانات يستوجب استنفارًا من المجتمع بكل مؤسساته للوقوف ضد هذه الممارسات المشينة والمهينة لأغلى ما يملكه المجتمع وهم الأطفال بما يترتب عليه من نتائج كارثية متمثلة في صناعة جيل بل أجيال معقدة نفسيًا وأخلاقيًا ومشوهة سلوكيًا وتكون خطرًا بالمجتمع بدلًا من كونهم مستقبل هذا المجتمع).

وأضاف: (بتحليل هذه الظاهرة يتضح أن غياب الرقابة على الحضانات الخاصة يكاد يكون هو السبب الرئيسي لهذه الظاهرة الكارثية؛ سواء كانت رقابة مجتمعية، أو مؤسسية من جميع الأجهزة المنوط بها الإشراف والمتابعة للحضانات الخاصة، وفقًا للقوانين المنظمة لإجراءات ترخيص الحضانات الخاصة والعقوبات المترتبة على إنشاء حضانات من دون ترخيص أو من دون توافر شروطها وكذا العقوبات الواجب تطبيقها بشأن العدوان على الأطفال أو انتهاك حقوقهم).

وأكد (أبوالعلا) أن القانون حدد إجراءات إنشاء الحضانات فاشترط على من يرغب في إنشاء حضانة خاصة أن يقدم طلبًا لمديرية التضامن الاجتماعي التابع لها مكان الحضانة وعلى مديرية التضامن البت في الطلب، وذلك في ضوء احتياجات المنطقة خلال 30 يومًا من تاريخ تقديم الطلب، مع إخطار طالب الترخيص بقرارها مصحوبًا بعلم الوصول وإذا كان القرار بالرفض يجب أن يكون مسببًا.

 وقال (أبوالعلا) إن العقوبات الواجب تطبيقها على أصحاب الحضانات الخاصة عند المخالفات، تمثلت في الحبس وغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.. فنص القانون على أن كل من أنشأ أو أدار دارًا للحضانة خلافًا لما نص عليه القانون، أو غير في موقع الحضانة أو مواصفاتها قبل الحصول على ترخيص من السلطة المختصة، تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة لمخالفة شروط الترخيص، ويجوز للنيابة العامة بناء على طلب من مديرية التضامن أن تأمر بغلق الحضانة لحين الفصل في الدعاوى، وبالنسبة لأي جرائم أخرى يطبق عليها قانون العقوبات وفقًا لكل جريمة).

وأضاف: (الرقابة المجتمعية لا تقل أهمية عن الرقابة المؤسسية بل إن المجتمع ممثل في أسر الأطفال ومؤسسات المجتمع المدني يجب أن تتضافر وتقوم بوضع آلية مجتمعية للرقابة المباشرة على الحضانات، وكذلك تفعيل دور جميع الجهات الرقابية المختصة لتشديد الرقابة على الحضانات، حتى يتم الحفاظ على النشء الذي يمثل مستقبل هذا الوطن).