عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بوش الابن.. مبارك الابن

تروي (وجد وقفي) مراسلة الجزيرة للإعلامي (حافظ الميرازي) في برنامج (من واشنطن): “بينما كنا هنا الجمعة الماضي، منتصف مايو 2006، نتابع خروج وزراء الخارجية والدفاع في الإدارات الأمريكية السابقة بعد لقائهم مع الرئيس بوش، لاحظنا دخول السفير المصري نبيل فهمي ومعه السيد جمال مبارك. الزيارة لم تكن مُعلَنة.. كان الأمر لافتاً للنظر، جمال والسفير دخلا من المدخل الجانبي للبيت الأبيض المحاذي للمبنى التنفيذي القديم أو (Old executive office).. كما يُعرف هنا، حيث مكتب ستيفن هادلي مستشار الرئيس لشئون الأمن القومي ومكتب ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي. أجرينا اتصالات بالبيت الأبيض والخارجية، فأكدا لنا أن جمال مبارك التقى بتشيني وبهادلي، وأن الرئيس بوش الابن نفسه حضر جانبا من هذا اللقاء. واصلت وجد: نائب الرئيس يحرص دائماً على لقاء مبارك الابن كلما أتى إلى العاصمة الأمريكية، وكوندوليزا رايس وزيرة الخارجية شاركت بعدد من هذه الاجتماعات. جمال يلتقي أيضاً أعضاءً من الكونجرس“.

صحيح أنه يدخل من الباب الجانبي، لكن بجعبته ما يقدمه لهم. لم تنفد“التركة” التي ورثها لنظامنا الحاكم، رغم بيعه المتجدد لها في سوق السياسة الإقليمية والدولية، تركة لا تعرف النضوب، فهي تراكم تاريخ يعود لخمسة آلف عام، ولدور قاطرة.. ما أن يختفي حتى يعود، رغم أدوار نماذج كلانظام القاهرة، يستهلك مايرثه دون أن يضيف له.

حتى نهاية الستينيات كانت ثروة السياسية مصر تُوظّف لخدمة أهلها وقوميتها وتنمية نفوذها المعنوي في محيطها الحيوي، لكنها منذ أربعة عقود طُرحت في السوق الدولية.. مقابل ثمن بخس، فالبائعون لا يعرفون قدر وقيمة ما يبيعونه. حتى نهاية الستينيات كانت القاهرة “نداً” مًرهقاً للمنظومة الغربية، الآن يتكشف لنا أكثر وأكثر كيف تحولت قاطرة العرب والمنطقة.. وقطاع واسع من العالم، إلى أداة في أيدي الغرب.. ومُخبر يخدم سياساته.

لم نعرف البضاعة التي عرضها مبارك الابن في الزيارة السرية التي أمسكت بها وجد وقفي، لكننا نعرف بضاعة أقدم مما كتبه بوش الابن في مذكراته.

ففي سياق تبرير للغزو، استنادا لـ”سيل معلومات” تلقاها حول مخزون صدام حسين من أسلحة الدمار الشامل، يقول: أطلع الرئيس المصري حسني مبارك الجنرال تومي فرانكس على أن العراق لديه أسلحة بيولوجية، وأنه سيستخدمها ضد قواتنا.. بكل تأكيد، قبل غزو العراق عام 2003. وإن مبارك يرفض التصريح بذلك الاتهام علنا.. خشية إثارة الشارع العربي. اتهام مبارك لصدام تحجج به بوش الابن لغزو العراق، يؤكد: ” المعلومات التي حصلت عليها من قائد عربي في الشرق الأوسط.. يعرف صدام جيدا كان لها تأثير على تفكيري، فعدم التحرك كان ينطوي على مخاطر كبير، وامتلاك صدام لأسلحة بيولوجية تمثّل تهديدا خطيرا لنا جميعا“.

الأسبوع الماضي، وبعد أسبوعين كاملين من نشر مذكرات بوش الابن.. نفى المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية ما نُسب لمبارك الأب. من يصدق النفي؟ فتسهيلات ودعم اللانظام الحاكم لغزو العراق موثقة. لانظام غير مهموم بخصم دولة بحجم العراق من التوازن الإقليمي وتأثير ذلك، الكارثي، على القاهرة.

النفي المتأخر، تجاهل أن المعلومات التي أوردها بوش الابن في مذكراته ليست جديدة، وأن بعض ما سبق نشره منها.. ارتبط بـ”ابن” آخر ضالع في اللعبة.

في كتابه (خطة الهجوم) الصادر عام 2004 عن حرب العراق، يرصد الصحفي الأمريكي البارز (بوب وود) “دور جمال مبارك كمبعوث شخصي، تردد بكثرة على واشنطن.. في هذه الفترة، مُحملاً برسائل شخصية

من أبيه عن مشكلة العراق”. ويصف الكاتب (مبارك الابن) بأنه: “مسئول كبير ذو ميول إصلاحية مؤيدة للولايات المتحدة في حزب أبيه”

بعض ما تسرب من الرسائل التي حملها الابن كمبعوث شخصي للأب أوردها (بوب وود): إن مصر لديها الكثير من مصادر المعلومات داخل العراق, وإنها “أكدت امتلاك العراق لمعامل متنقلة لتصنيع الأسلحة البيولوجية”. وفي أخرى وصل بها مبارك الابن في السابع من فبراير 2003 للاجتماع ببوش الابن في البيت الأبيض إن مبارك الأب تلقى رسالة من صدام تقول.. (لدينا عدد من النساء والأطفال والرجال, سنخبركم بأسمائهم في وقت لاحق، يريدون اللجوء إلى مصر.. فهل هناك إمكانية لتخصيص أحد القصور الرئاسية لهم؟). وقال مبعوث صدام لمبارك إنهم سيحضرون معهم خزائن كبيرة بها مليارا دولار وكميات من الذهب. ورد الرئيس المصري بأنه يرحب بالنساء والأطفال, لكن أي شيء يتعلق بالرجال والمسئولين “فعليكم التوصل لاتفاق بشأنه مع الأمريكيين.. وإلا سأتصل أنا بهم”. رفض الرئيس مبارك السماح بنقل الأموال العراقية خوفا – على حد قوله – من أن يتهم بسرقتها وتحويلها إلى بنوك سويسرية. بقية الرسالة: أن (صدام) يفكر في مغادرة العراق إلى المنفى في مصر، مع عائلته وبعض الأموال، وأن هذه الفكرة تدعمها القاهرة والسعودية وتركيا. سأل مبارك الابن بوش الابن عن رأيه فيها, فرد عليه بأن واشنطن لن تضمن حماية صدام حتى لو ذهب إلى المنفى. يقول المؤلف: رغم ذلك أضاف بوش لمبارك الابن تعبيراً غامضاً: “هناك حالات كثيرة في التاريخ تجنبت الدول فيها الحرب بسبب اختيار البعض للمنفى، لسنا جاهلين بهذه الحقيقة“.

يُعلق بوب وود: لكن كل الوقائع كانت تشير إلى أن الحرب هي الخيار الأول والأخير, وأن الدول العربية متحمسة لتقديم الدعم والإسناد للغزاة.

دعم وإسناد عربي لغزو.. كان قائد عدوهم المباشر، أرئيل شارون، يشارك في كل تمهيداته وخطته، ويعلم توقيته.. قبل 72 من وقوعه، بينما هم لا يعلمون.. فقط يوظّفون وفق المرسوم لهم.

توظيف.. من مدخل جانبي. لعشر سنوات تحرك جمال بين أبيه و كعبة واشنطن، كاشفاً عن تحول الدولة النِد.. إلى أداة ومُخبر. كان بوش الابن، ومن قبله أبوه.. رغم كراهيتنا لهما، يخدمان وطنهما، ففي أي ملعب يقف مبارك الأب.. والابن؟