رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سكت الفصحاء وتكلمت الببغاء

نجح المجلس العسكري نجاحاً منقطع النظير في ضرب القوى السياسية على الساحة بعضها ببعض مستخدماً أكبر هذه القوى عدداً وأكثرها تنظيماً وهى جماعة الاخوان المسلمين وحزبها السياسي الجديد حزب الحرية والعدالة، وبعد أن تمكن المجلس العسكري من الفتك بالقوى المدنية وتفتيتها وزرع أعوانه داخلها لارباك نشاطها تماماً استدار على الاخوان المسلمين بتكتيك سياسي جديد تماما في ذكائه ليخرجهم من الساحة بعد أن اصبحوا وحيدين وفقدوا مساندة أو حتى تعاطف باقي القوى السياسية ولنبدأ القصة من أولها.

كنا نظن حتى أيام معدودة أن المجلس العسكري يدرك أن مصر سنة 2012 ليست هى سنة 1954 وأنه سيستحيل عليه وضع دكتاتور عسكري في المقدمة كما فعل عبد الناصر سنة 1954 وكان المشهد السياسي يوحي بأن المجلس سيستخدم الاخوان المسلمين لتفتيت باقي القوى السياسية ويجعل من الاخوان واجهة مدنية للحكم مع احتفاظ المجلس بخيوط السلطة من وراء ستار، وسارت الامور على هذا النحو منذ عام مضى عندما شكل المجلس اللجنة القانونية التي صاغت الاعلان الدستوري، كانت اللجنة برئاسة أحد أعلام القانون دون شك، ولكن كان علماً منحازاً عقائدياً تماما للاخوان المسلمين، وتضمنت اللجنة كذلك بعض من لا يمكن اضفاء صفة الفقيه القانوني عليهم وبدا للجميع أن المؤهل الوحيد لهؤلاء هو انتماؤهم الفكري للاخوان المسلمين.
توجست القوى الوطنية المدنية من هذا الانحياز، ولكن التيار الديني دخل معها في حوارات وتحالفات سياسية وأعلن أنه لن يستأثر بالسلطة بل سيتقاسم العمل الوطني مع باقي القوى، وأنه لن يرشح نوابا الا على ثلث المقاعد ولن يكون له مرشح لرئاسة الجمهورية، ثم بدأت الصورة تتضح وبدأت الاقنعة تسقط واذا بمرشحي التيار الديني يستحوذون على ثلاثة أرباع مقاعد البرلمان، وإذا ببالونات الاختبار تنطلق من وسط هذا التيار تتحدث عن هدفها النهائي وهو اعادة الخلافة الاسلامية وتتحدث عما أسمته تطبيقا تدريجيا للشريعة الاسلامية وادخال الحدود ضمن مواد القانوني الجنائي، ومنع سياحة الشواطئ شبه العارية وباختصار كل ما يضفي على الدولة صفة الدولة الدينية ويخرجها تماما من التطور المدني الذي وصلت اليه مصر بعد أكثر من قرن كامل من فترة التنوير التي بدأها خديو مصر العظيم اسماعيل مروراً بآباء التنوير مثل محمد عبده وقاسم أمين ولطفي السيد وعشرات يستعصون على الحصر ممن وقفت آراؤهم وجهودهم وراء اندلاع ثورة 1919 الخالدة بزعامة زعيم مصر العظيم سعد زغلول وتمادى التيار الديني في جناحه المتطرف الذي يمثله السلفيون الذين تمولهم الدوائر الوهابية بمئات الملايين من الريالات فنظموا ما عرف بمليونية قندهار، ففي 19 يوليو الماضي نزل السلفيون منذ الفجر على ميدان التحرير رمز الثورة بحشد من حوالي مائة الف سلفي أحضرتهم اكثر من سبعة آلاف ميكروباص ونصبوا المنبر الرئيسي ورفعوا عليه العلم السعودي، وراحوا يصرخون بأن طلبهم الأوحد هو الحكم الديني، ونسى الصارخون أن زعماءهم قد وقعوا قبل أربعة أيام فقط أي يوم 25 يوليو وثيقة في مبنى حزب الوفد مع أكثر من ثلاثين حزبا وهيئة سياسية اتفقوا معها على حشد مليونية يوم 29 يوليو من كل هذه القوى تطالب المجلس العسكري بعودة الجيش الى ثكناته وانهاء الفترة الانتقالية وتسليم السلطة لحكومة مدنية، واذا بمليونية قندهار تحل محل مليونية وحدة كل القوى الوطنية من مدنية ودينية.
كان المجلس العسكري طبعاً غاية في السعادة لهذا التشرذم للقوى السياسية التي تطالبه بعودة الجيش لثكناته، وظل يمد للاخوان والسلفيين في الجدل الذي سيشنقون به أنفسهم في النهاية، تركهم يسيطرون على البرلمان وعلى لجنة صياغة الدستور التي فجرت صراعا هائلا بينهم وبين باقي القوى السياسية وحتى الأزهر والبطريركية القبطية وقفت ضدهم في هذا الخلاف الجاري للآن.
وأخيراً كان الفخ الأكبر الذي سقط فيه الاخوان والسلفيون عندما دفعوا بمرشحيهم لمنصب رئاسة الجمهورية، وكانوا يظنون - وكنا نظن معهم - أن المجلس العسكري لن يدفع بمرشح عسكري الى الصدارة، بل سيكون رأس الدولة مدنياً ترددت معه مقترحات بمرشحين مثل منصور حسن وعمرو موسى، بينما تظل خيوط السلطة في يد المجلس العسكري من وراء حجاب.
وفجأة ودون مقدمات ضرب المجلس العسكري المخدوعين في مقتل وبمبرر قانوني لاغبار عليه، فمرشح السلفيين والدته امريكية الجنسية بالدليل القاطع، والقانون يحتم ان يكون رئيس الجمهورية من أبوين مصريين، ومرشح الاخوان صدر له عفو عن عقوبة السجن من المجلس العسكري، ولكن القانون يشترط لمن يرشح نفسه أن يكون قد تم رد اعتباره بانقضاء ست سنوات علي العفو أو بصدور قانون من مجلس الشعب يمنحه عفواً شاملاً وكلا الشرطين لم يتحقق وبذلك خرج مرشحا التيار الديني من السباق.
وبنفس الفجائية دفع المجلس العسكري في آخر لحظة بأول رموز النظام الذي سقط الى مقدمة السباق على مقعد رئاسة

الجمهورية، وإذا باللواء عمر سليمان نائب الرئيس الذي سقط يتقدم ترشح وكان اللواء عمر سليمان مدير مخابرات الرئيس المخلوع سنين طويلة والمسيطر على أهم ملفات الأمن والسياسة العليا خلال حكم الرئيس  المخلوع، وكانت كل بشاعات النظام الذي سقط مثل تصدير الغاز لاسرائيل بأقل من ربع ثمنه ومثل ضياع هيبة مصر بين العرب وفي العالم عموما، ومثل كل جرائم القتل والتعذيب التي ارتكبت في عهد الرئيس المخلوع، والتي كان بعضها يتم لحساب الاستعمار الامريكي ضد من قبضت عليهم امريكا خلال حربها في العراق وأفغانستان، كانت كل هذه البشاعات المنسوبة للنظام الساقط تحيط بشخص اللواء عمر سليمان إحاطة السوار بالمعصم، ومع ذلك دفع المجلس العسكري به الى مقدمة السباق ولجأ الى كل الاساليب القديمة في القمع والتزوير لحساب مرشحه، فعلى سبيل المثال صدرت الأوامر لفرقة ضخمة من مأموري الشهر العقاري بمصر الجديدة للانتقال الى مقر شركة النساجون الشرقيون - احدى قلاع الفلول - لاستكتاب كل العاملين بها توكيلات لترشيح عمر سليمان، وصدرت الأوامر لكل وسائل النقل الحكومية بحشد العمال والموظفين في مظاهرة ضخمة تطلب ترشيح عمر سليمان للرئاسة، وقس على ذلك.
وهنا يحق لنا أن نقف أمام المجلس العسكري ونقول له إن عمال مصر سنة 2012 ليسوا مثل من ساقهم رئيس نقابة النقل المشترك صاوي أحمد صاوي سنة 1954 بعد رشوة أربعة آلاف جنيه فخرجوا في مظاهرة تهتف بسقوط الحرية وسقوط البرلمان وتطالب عبد الناصر بالحكم العسكري المطلق.
إن مئات الالوف من شباب الثورة الطاهرة ومن ورائهم عشرات الملايين في مصر الذين نجحوا في اسقاط فلول النظام الساقط في الانتخابات البرلمانية الاخيرة سقوطا مدويا سينجحون هذه المرة أيضاً في اسقاط مرشح النظام الذي مضى ولن يعود ومهما كانت كمية الدماء التي سيبذلونها فلن يضنوا بها على مصر كما رأينا في الماضي، ومهما كانت كمية الببغاوات التي تصوصو اليوم بأن عمر سليمان ليس جزءا من النظام الذي سقط فلن ينخدع بذلك أحد.
ختاماً كنا نتمنى مخلصين من المولى عز وجل أن يمن على المشير طنطاوي بحسن الختام، فالرجل قد وصل لقمة السلطة في الدولة ولم يعد هناك ما يطمع فيه فوقها وكان يمكن دخول التاريخ من أوسع أبوابه من نفس الباب الذي دخل فيه بطل السودان العظيم المشير عبد الرحمن سوار الذهب عندما أسقط دكتاتورية نميري اللعين ووعد الشعب خلال عام واحد بعودة الديمقراطية وتسليم السلطة لحكم مدني منتخب وأوفى الرجل العظيم بوعده، كنا نتمنى من الله أن يتخذ المشير طنطاوي نفس الطريق خاصة وقد وصل الى سن تزهد الناس فيه عن مغريات الحياة ويفكرون في يوم الوقوف بين يدي ربهم وقد اقترب ولكن الرجل اختار طريقاً آخر فاللهم لا حول ولا قوة الا بالله.
والى الببغاوات التي تصوصو مشيدة بعمر سليمان نهدي أبيات أمير الشعراء أحمد شوقي الخالدة على لسان أحد ياوران كليوباترا وكان اسمه حابي ووجه كلامه لزميله ديون عن خداع الحاشية للشعب:
اسمع الشعب ديون/ كيف يوحون إليه
ملأ الجو هتافا/ بحياتي قائلين
أثر البهتان فيه/ وانطلى الزور عليه
ياله من ببغاء/ عقله في أذنيه
---
نائب رئيس حزب الوفد