رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قضية التمويل الخارجي للمنظمات

ازدحام الملفات المصرية الساخنة جعل من الصعب تحديد ما هو مهم، وما هو أكثر أهمية، ففي الوقت الذي اكتملت فيه أو كادت تكتمل انتخابات مجلس الشعب، وما يعنيه ذلك من فتح أبواب ملفات فرعية أخرى سوف تفرض نفسها وفقاً لما حصلت عليه الأحزاب والقوى السياسية من أوزان داخل المجلس،

وعلى الرغم من أولوية الاهتمام بما سوف يحدث يوم 25 يناير/ كانون الثاني الجاري في الذكرى الأولى لتفجّر الثورة المصرية، هل سيكون يوماً احتفالياً بالثورة، أو يوماً لتجديد الثورة وفرض موجة ثالثة ضد ما يسمى ب”حكم العسكر”، جاءت قضية التمويل الخارجي التي فرضت نفسها بوصفها قضيةً شديدة السخونة لها امتداداتها الداخلية والخارجية لتشعل الموقف السياسي الملتهب وتزيد من صعوبته، نظراً إلى حملة التشكيك المتبادل بين منظمات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية والحقوقية التي جرى اقتحام مقارها من جانب قضاة التحقيق، مدعومة بموقف أمريكي وأوروبي قوي من جهة، وبين المجلس العسكري والحكومة اللذين نفيا أية علاقة لهما بعملية اقتحام تلك المقار من جهة أخرى، وتأكيدهما أن العملية كلها مسؤولية قضاة التحقيق الذين قاموا بتفتيش تلك المقار بعد تكليفات رسمية من وزير العدل السابق المستشار محمد عبدالعزيز الجندي بتشكيل لجنة تقصي حقائق عن التمويلات الأجنبية التي تتلقاها منظمات حقوق الإنسان والجمعيات الأهلية، وأن الحكومة ورئيسها، بل وأيضاً وزير الداخلية، لم يكن لديهم أي علم مسبق بهذه العملية سوى مطالبة وزير الداخلية بتوفير قوة تأمينية لإتمامها .

البعض يتساءل اليوم: هل القضية المثارة الآن هي قضية التمويل الخارجي لمنظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية وخطورته على الأمن الوطني والمصالح الوطنية؟ أو هي قضية الدور المتصاعد لمنظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية الداعم لمطالب التغيير السياسي والديمقراطي، والمتصادم مع المشروع السياسي للمجلس العسكري الذي أضحى البعض يتحدث عنه؟

تصاعدت الأحداث بعد ذلك، إذ أكد مصدر قضائي مسؤول أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد عمليات دهم جديدة لعدد من منظمات المجتمع المدني المتورطة في الحصول على تمويل أجنبي، لكن التصعيد الأهم جاء من جانب المنظمات والجمعيات الأهلية والمدنية مدعومة بنشطاء سياسيين معظمهم من الليبراليين، ومن جانب مسؤولين أمريكيين وأوروبيين، على الرغم من تأكيدات وزيرة التعاون الدولي المصرية أن هناك مؤسسات أجنبية قدمت إلى مصر من دون أن تبرم اتفاقاً مع وزارة الخارجية أو تحصل على ترخيص من وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية، ما يجعل وضع هذه الجمعيات والمنظمات غير قانوني، كما أنها اعتبرت رد الفعل الدولي على تفتيش مقار هذه المنظمات والجمعيات قد بُني على باطل وسوء معلومات ودون سند من الحقيقة، ولفتت إلى أن هناك اتفاقيات مبرمة بين الجانبين المصري والأمريكي بشأن التمويل المباشر وإتاحة الأموال، غير أنه يشترط الإفصاح عن حجم المبالغ، وألا يكون تمويلاً سياسياً، مؤكدة أن مصر ليست وحدها التي تحظر التمويل الأجنبي من الجهات السياسية، وإنما دول العالم تنتهج النهج ذاته .

هذه التوضيحات لم تكن كافية لتبرئة ساحة السلطات المصرية، خاصة بالنسبة إلى توقيت تلك المداهمات، فقضية التمويل الأجنبي موجودة ومتأصلة في سياسات وعلاقات النظام السابق الذي كان يحصل على الحصة الأكبر من التمويل الأجنبي، فالدولة والنظام اعتمدا على المعونة الأمريكية الاقتصادية والعسكرية، ولم يكن في مقدور النظام أن يحول دون تطلّع الأمريكيين والأوروبيين إلى أن يمتد

التمويل إلى الداخل المصري بكل ما يعنيه هذا التمويل من اختراق تحت شعار دعم الحرية والديمقراطية وحكم القانون والشفافية، كما أن ما يقرب من عام من حكم المجلس العسكري لم تحدث فيه أية إثارة لقضية التمويل الأجنبي، إما حرصاً على استمرار الدولة في الحصول على الدعم الأمريكي والاقتراض الخارجي، وإما للحرص أيضاً على عدم الصدام مع الخارج في ظل أولوية وخطورة ما يحدث في الداخل من أحداث وتطورات، الأمر الذي حال دون إعطاء هذه القضية الأولوية في المعالجة، أو ربما لم تكن هناك قضية من الأساس، ولذلك فإن الرافضين لتلك الإجراءات يرون أنها بعيدة كل البعد عن مسألة التمويل وأنها تتعلق باستياء المجلس العسكري من الدور الذي تقوم به هذه المنظمات، وخاصة الحقوقية منها في كشف وفضح الممارسات السيئة للمجلس .

التهديدات امتدت من الولايات المتحدة إلى أوروبا، خصوصاً ذلك البيان الصادر عن مكتب كاثرين أشتون وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي الذي أبدى قلقاً عميقاً مما أسماه ب”عمليات استعراض القوة” ضد منظمات المجتمع المدني، ودعا إلى معالجة الوضع والسماح لتلك المنظمات بمواصلة عملها، ومن ثم فإن القضية انقلبت على المجلس العسكري ولم يعد أمامه إلا خياران، إما أن يتراجع وهنا يواصل مسلسل خسارة الصدقية، وإما أن يصمد وهنا سيكون ثمن الصمود مضاعفاً، الأول في الداخل أمام ضغوط منظمات المجتمع المدني، والثاني وهو الأهم المتعلق بالضغوط الخارجية التي ربما لا تتوقف عند التلويح بحجب المعونة العسكرية الأمريكية، بل ربما يمتد الأمر إلى ضغوط سياسية تتعلق بالمشروع السياسي للمجلس العسكري، وعرقلة هذا المشروع عبر وسائل ضغط كثيرة بعضها من خلال دفع دول عربية للتراجع أو التريث في تقديم معونات اقتصادية لمصر، ودفع صندوق النقد الدولي إلى فرض المزيد من الشروط للموافقة على تقديم القرض الكبير الذي سبق الاتفاق عليه مع الحكومة المصرية . لكن البعض الآخر وهو الأهم، هو ضغوط من الداخل المصري لإرباك خطط المجلس العسكري الخاصة بتسليم السلطة، ما يجعل فتح ملف هذه القضية في هذا الوقت بالتحديد، من المؤشرات المهمة الدالة على ارتباك المجلس العسكري في إدارة الملفات الساخنة .
نقلا عن صحيفة الخليج الاماراتية