رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التراجع الحضاري.. مسئولية من؟


صدر عن دار ميريت للنشر كتاب: "سقوط العالم الإسلامي .. نظرة في مستقبل أمة تحتضر" للباحث حامد عبد الصمد، الذي سبق أن أصدر الكتاب باللغة الألمانية وأثار جدلا واسعا في الصحافة الأوروبية . والكتاب في مجمله يشكل محاولة نقدية تستهدف واقع الأمة الإسلامية الثقافي والعلمي والحضاري، والتحليل السياسي لتاريخ السقوط الإسلامي؛ ومحاولة الإجابة على سؤال: هل نحن خير أمة حقا؟ .

ويرى الكاتب أن السفينة الإسلامية تقف وحيدة ومكسورة؛ وسط محيط بارد ولا تدري كيف النجاة، فالفقراء – مسافرو الدرجة الثالثة – ينامون في جحورهم ولا يعلمون شيئا عن المصيبة القادمة، والأغنياء يحاولون الفرار في قوارب النجاة القليلة، ويريدون في الوقت ذاته أن يربحوا من الكارثة.

رجال الدين – يتابع الكاتب – يكررون نفس الطلاسم والشعارات، ويطالبون الناس بالصبر، والمصلحون مثل عازفي الموسيقي في السفينة "تايتانيك" الذين واصلوا العزف – رغم إدراكهم أن أحدا لا ينصت إليهم على الإطلاق – حتى غاصت السفينة في البحر !!

ويشدد الكاتب على أن ما يحتاجه العالم الإسلامي اليوم ليس المكابرة والعنجهية بل عملية إشهار إفلاس مقننة، وعملية جرد؛ يتخلصون بها من حقائب السفر التي تعرقل رحلتهم نحو النهضة، يحتاجون إلى التخلص من نظرتهم التمجيدية لذواتهم وحضارتهم وإلى إعادة النظر إلى المرأة ودورها، وإلى التاريخ وفخاخه، وإلى المثل الأعلى ومفهوم العدو.

معنى الحضارة

وحول مفهوم الحضارة يحاول الكاتب أن يتجاوز التعريفات التقليدية مثل تعريف ول ديورانت الذي يربط الحضارة بالمدنية، وبالتالي بالتقدم التقني والعلمي، وهو تعريف أقرب إلى الكلمة العربية التي تعني "الإقامة في الحضر" أو التمدن، أو تعريف أرسطو الذي يرى أن الحضارة هي أي شيء لم تخلقه الطبيعة !!

ويقترب الكاتب من تجربة مدينة ميونيخ الألمانية - التي درس الكاتب فيها العلوم السياسية - ويروي لنا كيف استطاع سكان ميونيخ أن يشيدوا تلاً صناعياً من حطام منازل المدينة المدمرة في الحرب العالمية الثانية، وهو التل الذي يتسلقه زوار المدينة لإلقاء نظرة بانورامية على المدينة كلها، والذي يرى الكاتب فيه تجسيدا حقيقيا لمعنى الحضارة التي تظهر في هذا السياق بوصفها " قدرة الشعوب على خلق شيء جميل من أنقاض شيء قبيح".

فالألمان – وفق الكاتب – لم يتباكوا على أطلال ميونيخ ودريسدن وهامبورج وبرلين التي دمرتها الحرب، ولم يصبوا لعناتهم على الحلفاء، ولكنهم أدركوا سريعا أن البكاء لا يفيد، وفتشوا عن أسباب مأساتهم الحقيقية؛ ثم شمروا عن سواعدهم وأعادوا بناء دولتهم في غضون سنوات قليلة، حتى صار اقتصادهم أقوى من اقتصاد فرنسا وانجلترا اللتين انتصرتا على ألمانيا في الحرب !!

وينتقل المؤلف إلى التجربة التايوانية الأكثر تعبيرا عن هذا المفهوم المغاير للحضارة، وبالتحديد "الجامعة التايوانية" التي بناها اليابانيون في العام 1928، وكانت الحسنة الوحيدة للاحتلال الياباني في تايوان، حيث قام اليابانيون بعد ذلك بأفظع المجازر والجرائم، وتركوا تايوان خربة خاوية على عروشها.

ويلفت هنا أنه على عكس ألمانيا واليابان، فإن تايوان لم تتلق أي دعم مادي من الغرب لإعادة بناء بلدها بعد انتهاء الحرب، بل دخلت في صراع جديد مع قوة عظمى جديدة هي الصين حول استقلالها، ومع ذلك تمكن التايوانيون من خلق مجتمع مدني ديمقراطي له اليوم مكانته الاقتصادية البارزة .

التعليم

كان التعليم هو العمود الفقري لإعادة بناء هذا البلد فلم يدمر التايوانيون الجامعة انتقاما من وحشية اليابانيين بل طوروها حتى صارت اليوم على قائمة أفضل جامعات العالم، بل وفاقت في مستواها العلمي كل جامعات اليابان.

وهنا تكمن مشكلة العالم الإسلامي في التعامل مع التاريخ – كما يراها المؤلف – فليست لدى المسلمين نظرة عملية في التعامل مع جروح الماضي، وإنما تغلب عليهم النظرة العاطفية التي تميل إلى المغالاة والتهويل.

ويستعرض البحث منهج مادة التاريخ المقررة على سنوات الدراسة المختلفة في مصر والتي تكرس للتعصب وتمجيد الذات في مواجهة كراهية الآخر وإظهاره دائما بمظهر الوحش الذي لا يريد لنا الخير.

الآخرون

ويقول عبد الصمد: عاش المسلمون لقرون طويلة في عزلة عن باقي العالم، ومع ذلك كانوا يعتقدون أنهم خير أمة أخرجت للناس، حتى جاء الأوروبي المتفوق عليهم ماديا وعلميا فأمسك بهم متلبسين بالتخلف عن ركب الحضارة الإنسانية، فما كان منهم إلا أن اضطربوا ورفضوا الاعتراف بالحقيقة؛ بل سعوا إلى تكريس العزلة الحضارية وأدلجتها، والتمترس بفهم رجعي للنصوص الشرعية تحت دعاوى الهوية ورفض الذوبان في الآخر .

ويتابع: "بدلا من أن يرى المسلمون أن الأوروبيين بشر مثلهم لهم عيوبهم ومميزاتهم ومخاوفهم وغباؤهم، فإنهم يريدون أن يرونهم تجسيدا للشر

ذاته، لا يأتي منه خير أبدا، فهذه النظرة توفر عليهم التفكير في أخطائهم، ومشكلاتهم وتجعلهم يستدفئون بدور الضحية، فيجعلون الآخر هو المسئول دائما عن كل إخفاقاتهم وكوارثهم" .

ويشير الكاتب إلى تجربة المسلمين الأولى مع أنظمة الدواوين الفارسية وأنظمة الروم العسكرية وغيرها من منجزات الحضارات السابقة التي استوردها المسلمون من دون حساسية، مؤكدا أن انفتاح المسلمين الأوائل على العالم وترجمتهم لفلسفاته المختلفة، واحتواءهم لمعتقداته وأديانه ومذاهبه المتنوعة هو سر تفوق المسلمين وبزوغ نجمهم في فترة قصيرة؛ استطاعوا خلالها ملء الفراغ الحضاري الذي تركته حضارات سابقة .

ويقول: " إن فهم الآخرين والتعايش معهم والأخذ عنهم والاشتباك النقدي مع أفكارهم، ومعاملتهم كبشر لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، هو جوهر فكرة المقاومة بالمعنى الإيجابي للكلمة ومن دون ذلك سندور في حلقات مفرغة من التبرير والتهويل والإدانة اللانهائية دون خطوة واحدة إلى الأمام".

العاطفية

ويرصد الكاتب فشل التجارب الإصلاحية المتوالية من الأفغاني ومحمد عبده مرورا بحلم القومية العربية عند عبد الناصر وحتى اليوم، وكيف تزامن هذا الفشل مع نجاح الصهيونية في تأسيس دولتها.

ويرى أنه بينما كانت القومية العربية تبني مشروعها على أساطير وشعارات جوفاء، كانت الصهيونية تحسب خطواتها بتأنٍ وذكاء، وفي حين التف العرب حول قائد ملهم، كانت الصهيونية منذ بدايتها حركة جماعية وديمقراطية.

وقد نشأت أفكار الصهيونية – بحسب الكاتب – من أفكار يهود متدينين مثل "ناتان برنباوم" وآخرين علمانيين مثل "تيودور هرتزل" لكن الجميع اتفقوا رغم تباين فكرهم على التعاون من أجل خلق وطن قومي لهم على أرضنا المغتصبة.

ويتابع عبد الصمد: " ظلت القومية العربية محبوسة في حناجر الخطباء؛ في الوقت الذي كانت تتحرك فيه الصهيونية وفق 4 استراتيجيات متوازية للوصول إلى أهدافها:

- الصهيونية السياسية: تلك التي ركزت على التفاوض مع زعماء العالم في أوروبا بل وفي العالم الإسلامي ذاته؛ حيث سافر تيودور هرتزل إلى اسطنبول وحاول إقناع السلطان عبد الحميد، آخر خلفاء المسلمين، بتخصيص قطعة أرض في فلسطين كوطن لليهود.

- الصهيونية العملية: التي نظمت الهجرة بصفة مستمرة إلى فلسطين وبنت فيها معسكرات العمل (الكيبوتس) .

- الصهيونية الثقافية: التي كانت معنية ببناء المدارس وتعليم اللغة العبرية وإحياء مواتها، بل والأنكى من ذلك تولت الصهيونية الثقافية تعليم الشباب أفكار حركة التنوير الأوروبية وذلك على الرغم من الاضطهاد الأوروبي لليهود !!

- الصهيونية العسكرية: حيث نظم المهاجرون اليهود عصابات مسلحة مثل "الهاجانا" التي كانت تعمل بتنسيق عال على ترهيب وتهجير الفلسطينيين من ديارهم.

وعلى الرغم من الحروب المتتالية التي خاضتها إسرائيل، فلم تخضع هذه الدولة أبدا لحكومة عسكرية، بل صممت على تشكيل حكومات ديمقراطية، في حين كانت نفس الحروب هي ذريعة الحكام العرب في إسكات الأصوات المعارضة، حيث "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة." !!