رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الزعيمان

بوابة الوفد الإلكترونية

وكأنه موعد متفق عليه للرحيل والصعود إلى سماء رب العالمين، صعود الروح الطيبة والنفس المطمئنة إلى بارئها، ليسجل التاريخ يوم 23 أغسطس 1923 موعداً لرحيل سعد زغلول الزعيم الذى لم يتكرر فى تاريخ مصر الحديث، ويوم 23 أغسطس 1965 موعداً لوفاة مصطفى النحاس الزعيم الذى أحبه ربه فوضع محبته فى قلوب شعبه.

اليوم هو يوم ذكرى الزعيمين.. ناضلا سوياً..اعتقلا معاً.. تم نفيهما متشابكى الأيدى.. وعندما مات سعد أصاب الحزن قلب رفيقه النحاس.. الأول قضى نحبه..وظل الثانى ينتظر.. وعندما جاء نفس يوم رحيل سعد بعد مرور 38 عاماً قال له أنا قادم إليك يارفيق النضال.
حكاية سعد والنحاس هى حكاية وطن ظل يقاوم الاحتلال بصدور شعبه،ويدفع الدم ثمناً لحريته.. هى قصة وطن حصل على استقلاله بعد نضال يمثل الزعيمين جزءاً مهماً من سطوره، بل يمثلان أهم تفاصيله.. الصحف الغربية كانت تشبه علاقة سعد والنحاس التاريخية بنموذج الارتباط الكبير بين الزعيم الهندى غاندى ورفيق كفاحه نهرو.. بل إن الشعب الهندى يعتبر كلا الزعيمين المصريين أول رئيسين لحزب الوفد، أستاذين للثورة الهندية وحزب المؤتمر الذى ولد من رحم الثورة.. تعالوا نعرف حكاية الزعيمين:
هل كان  سعد زغلول مجرد زعيم صدفة كما أظهرته كتابات صحف الأنظمة المتعاقبة ووسائل إعلامها.. قطعاً «لا».. فلم يكن سعد قبل سنة 1919 طبقاً لوصف سعد فخري عبد النور في كتابه «الوفد يقود الحركة الوطنية» لم يكن من المغمورين بل كان رجلاً مرموقاً يشار إليه بالبنان فقد ولد في بيت كريم حسباً ونسباً من بيوتات الغربية حتي ما غدا شاباً جاور في الأزهر الشريف سنة 1871 وهي السنة التي شرع فيها الشيخ محمد العباسي المهدي في تجديده وتنظيمه وتتلمذ علي أيدي نخبة رائدة من الأئمة الأجلاء مثل الشيخ جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده من أصحاب الدعوة الوطنية. وكان زملاؤه ممن برزوا فيما بعد عبد الكريم سلمان ومحمد اللقاني والشيخ أبو خطوة. وبعد أن أنهي تعليمه الديني استعان به أستاذه الشيخ محمد عبده سنة 1880 في تحرير الوقائع المصرية وهي الصحيفة الرسمية التي تعبر عن الحكومة ولكن سعد أظهر من الصفات في الكتابة والتحرير ما جعلها خلال أشهر معدودة من صحف الرأي التي تنطق بلسان الشعب. وبعد أن هاجت البلاد وماجت فيما صاحب «الثورة العرابية» من أحداث عام 1882 تم إلقاء سعد في السجن وهو لا يزال شاباً صغيراً بتهمة التآمر علي الاحتلال البريطاني ثم أفرج عنه بعدها بعام ليقبل علي مهنة المحاماة وهو لا يحمل في ذلك الوقت مؤهلاً في القانون إلا أن فصاحته ساعدته علي النجاح والتقدم ليحتل مكانة مرموقة وسط المحامين المشهورين.. أو كما قال عنه الأديب الكبير عباس محمود العقاد «إن توكيل سعد زغلول في قضية هو ضمان لكسبها وخذلانه لخصومه فيها. وقد اشتهر سعد بين الناس بالصدق والأمانة والاستقامة.. وأنه لا يسعي بين المتقاضين بالخصومة والاقتتال علي نيل الحقوق بل سعيه بينهم للصلح وكان شعاره: «نريد أن تقوم المحبة بين الناس مقام القانون».. لاحظ أوجه الشبه بينه وبين الزعيم غاندي.. فقد كان كلاهما يعمل بالمحاماة.. ويدعو للتسامح.. وتحولا إلي الدفاع عن القضية الوطنية.. بل إن سعد زغلول جني من مهنته مالاً وفيراً اقتني به أطياناً زراعية إلا أنه باعها جميعها فيما بعد للإنفاق علي الحركة الوطنية فمات وهو لايملك شيئاً..مثله مثل كل الزعماء المخلصين الذين خاضوا غمار العمل الوطني أغنياء وتركوها فقراء بدءاً من سعد وغاندي ومروراً بمصطفي النحاس.
كان سعد زغلول دليلاً للثوار وأباً روحياً لهم أو كما قال عنه غاندي الزعيم الهندي العظيم: «سعد زغلول معلمي».. فقد كان سعد قائداً لحركة شعبية طاغية في مطلع عصر التنوير الذي فجرته الثورة وكان زعيماً متسامحاً مع الآخر..وراعياً رسمياً لمبدأ الوحدة الوطنية فكان دائماً هو «نازع فتيل الفتنة».. أبداً.. لم يكن سعد مجرد رجل اختاره الناس زعيماً.. ولكنه صانع ثورة منظمة تطلب الاستقلال.. تعالوا نقرأ ما كتبه المؤرخون عن ثورة 19 التي كانت تديرها أربع طبقات من القيادات القوية التي وضعت أمامها هدفاً واحداً اسمه الثورة.. وحققته.. مصطفي أمين قال في كتابه عن الثورة الأم إن سعد زغلول ترك ورقة كتب فيها «إذا اعتقلت الطبقة الأولي من قيادات الثورة تقوم الطبقة الثانية فإذا اعتقلت تقوم الثالثة وإذا اعتقلت تقوم الرابعة» وهذا يعني أن سعد زغلول كان يخشي من القضاء علي الثورة باعتقال قياداتها أو بنشر الفوضي التي قد لا تجد من يتحكم فيها فوضع أربع طبقات من القيادات.. وكان دور هذه الطبقات واضحاً عندما ثار الشعب للمرة الثانية عام 1921.. فقد تم اعتقال أعضاء الطبقة الأولي والتي كانت تضم سعد زغلول ومصطفي النحاس وسينوت حنا وفتح الله بركات وعاطف بركات ومكرم عبيد «لاحظ أنهم أربعة مسلمين واثنان من الأقباط» فقد تم اعتقال هذه الطبقة فاندلعت الثورة في جميع أنحاء البلاد..فظهرت الطبقة الثانية وكانت تضم: مرقص حنا وحمد الباسل ومراد الشريعي وعلوي الجزار وانضم لهم ببرقية من جنيف علي الشمسي وأصدرت بياناً دعت فيه إلي مقاطعة الإنجليز.. فتم القبض علي أعضاء هذه الطبقة وصدر في حقهم حكم بالإعدام.. فظهرت الطبقة الثالثة والتي ضمت: المصري السعدي ومصطفي القاياتي وسلامة ميخائيل ومحمد نجيب الغرابلي وراغب اسكندر وفخري عبد النور ومحمود حلمي إسماعيل فتم تحويلها لمحاكمة عسكرية بتهمة التآمر علي نظام الحكم.. فتظهر الطبقة الرابعة وتتكون من: حسن حسيب وحسين هلال وعطا عفيفي وعبدالحليم البيلي ومصطفي بكير وإبراهيم راتب.
إذن كانت ثورة تنظر للأمام.. تريد الحفاظ علي نفسها.. وقد فعلتها.. فصنعت مرحلة ليبرالية أفرزت أبرز رواد الفكر والأدب والفن والاقتصاد والسياسة.. مرحلة شهدت نبوغ الفنان المثال مختار وأم كلثوم وعبدالوهاب ونجيب الريحاني.. وعرفت طه حسين والعقاد.. وشهدت اقتصاداً وطنياً من رموزه طلعت حرب وعبود باشا..فكان الوطن قائماً وقادراً رغم الاحتلال وتمكن من التقدم للأمام علمياً بجامعة أهلية شارك في فكرة تأسيسها سعد زغلول مع الإمام محمد عبده.. فقد كان سعد زغلول يعرف أن العلم هو الشعلة التي تنير الطريق للوطن وأن أبناءه المتعلمين هم ثروته الحقيقية.
ولم يكن سعد زغلول رجلاً يائساً بل كان مناضلاً لا يتوقف عن الكفاح من أجل وطنه وحريته ولذلك لا نجد صحة للمقولة التي يرددها المصريون علي لسانه عندما قال: «مفيش فايدة» فهي دعوة لليأس لم يطلقها سعد من أجل العمل الوطني ولكنه كان يقصد أن حياته انتهت بعدما سيطر عليه المرض.. فقد اشتد عليه وبات علي يقين بأنه هالك لا محالة فقال لزوجته صفية زغلول وهي تحاول إعطاءه الدواء.. مفيش فايدة.. فتناقلها المصريون علي أنه يعني أن الإنجليز لن يخرجوا من مصر.. فقد كانت مقولة سعد يتم تداولها بسرعة البرق وساعد الإنجليز علي تدعيم فكرة نشر المعني السلبي للمقولة ولكن سعد لم يكن يقصد إلا نفسه وقد مات فعلاً بعدها بأيام ليبقي رمزاً وطنياً، علم الناس معني الثورة حتي إنه أصبح نموذجاً للثائر المصري الذي لاتموت ذكراه مع جسده بل ظل علامة في التاريخ والوجدان والذاكرة المصرية.
سعد أستاذ الثورة الأول.. قيادة نادرة.. تمكن من تعليم الشباب كيف يثورون علي الظلم والطغيان.. وكيف يقولون للحاكم نحن أصحاب البلد..أو كما قال لهم يوماً: «إنكم أنبل الوارثين لأقدم مدنية في العالم وقد حلفتم أن تعيشوا أحراراً أو تموتوا كراما» كان يقوم بتدريس الحرية في كل كلمة فكان استاذاً لمنهج جديد يدق باب الوطن اسمه «الليبرالية» كان يمثل مرحلة جديدة من تاريخ مصر انتهت في يوليو 1952 السنة التي شهدت عهداً جديداً.. لايعرف الحريات وكان أهم ما يميزه حكم الفرد الذي يصعد إلي مقعد الحكم ولا ينزل أبداً إلا بالموت أو الخلع أو العزل!! ولذلك كان سعد هو صاحب المقولة الشهيرة عندما أصبح حاكماً منتخباً: «الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة» فكانت العبارة أسلوب عمل التزمت به حكومات الوفد المختلفة التي لم تعش لها وزارة.. فكان عمر كل حكومات هذا الحزب الكبير خلال الفترة من 1923 وحتي 1951 ست سنوات ونصف تقريباً.. فكان الوفد هو حزب الأغلبية.. وكان الملك يطيح بحكوماته إما بالتزوير أو بالانقلابات الدستورية.
أما مصطفى النحاس.. فهو الرجل الذى يحبه الناس لأنه صادق الكلمة شديد التمسك بالمبدأ.. العابد الزاهد.. لايترك المسجد لكنه يرفض الحكم باسم الدين..يرفض منطق الحصول على توكيل للحديث باسم الله. القصة الأشهر التى تعبر عن زهد وتصوف وتعبد النحاس هى الحكاية التى سردها سعد فخرى عبد النور سكرتير عام الوفد الأسبق.. ويقول فيها: بعد حركة يوليو 1952 تم تحديد تحركات الزعيم مصطفي النحاس.. وكان مسجد الإمام الحسين من الأماكن المسموح له بزيارتها أسبوعياً.. وكان سعد عبد النور نجل القيادي الوفدي البارز فخري عبد النور لا يري النحاس إلا كل يوم جمعة في مسجد الإمام الحسين بالقاهرة.. وفي إحدي المرات قال سعد عبد النور للنحاس: ياباشا أنا مسيحي.. مش معقول كل ما أحب أشوفك لازم تجبرني أدخل جامع الحسين! فرد عيه النحاس مازحاً: جري إيه ياسعد انت ماتعرفش إن مولانا الحسين كان وفدياً!
هذه الحكاية  هي مفتاح شخصية مصطفي النحاس باشا الذي قضي عمره يدافع عن الوطن وقضيته الوطنية من خلال الوفد الحزب العريق الذي عشقه مثل روحه مستعيناً بالله.. متمسكاً بثوابته التي لا تختلف عن ثوابت كل المصريين الذين كانوا يعملون نهاراً من أجل لقمة العيش ويناضلون ظهراً ضد الاحتلال ويزورون أولياء الله الصالحين

ليلاً تبركاً بهم في مواجهة الظالمين والفاسدين ويمسكون بأيدي إخوانهم المصريين بغض النظر عن دينهم لصناعة عروة وثقي تحميهم من الطغيان والتشتت والانحدار.. كانت هكذا مصر وكان مثلها النحاس.. الذي كانت حياته مثل وفاته.. فقد عاش حياته زعيماً مناضلاً يقاوم الاحتلال ولا يسعي إلي الحكم.. بل كان الحكم هو الذي يأتي أمامه وتحت قدميه.. ومات - أيضاً - زعيماً يخرج الناس من بيوتهم ينحبون ويبكون رحيل الزعيم.. فقد كانت جنازة مصطفي النحاس هي الدليل الأهم والأكبر علي زعامته.. كانت مهيبة.. حاشدة.. في عز مجد جمال عبد الناصر الذي صدمته هذه الحشود التي خرجت لتشييع رجل كان يعتقد أن سيرته قد ماتت قبل وفاته بـثلاثة عشر عاماً قضاها تحت الإقامة الجبرية.. وكانت الصدمة الكبري التي واجهها عبد الناصر هي الهتاف الرئيسي لمئات الآلاف الذين قالوا في الجنازة: «لا زعيم بعدك يا نحاس» فقد كان «ناصر» يغرس في نفوس الناس كل يوم أنه الزعيم الأوحد.. ولا زعيم غيره.. فظهر النحاس ليقول له: «لقد رحلت عن الدنيا.. ولا زعيم بعدي».
ولد مصطفي محمد سالم النحاس سنة 1876 في قرية سمنود بمديرية الغربية، وتعلم بمدرسة الناصرية ثم الخديوية الثانوية وتخرج في مدرسة الحقوق، وعين قاضيا بالمحاكم الاهلية وخدم بالسلك القضائي فترة طويلة.خاض غمار السياسة فاشترك في الحركة الوطنية وانضم للحزب الوطني القديم وزامل الزعيم محمد فريد في مشوار الكفاح الوطني حتي تم تشكيل الوفد المصري فانضم إليه عام 1919 ونفي عام 1921 مع سعد زغلول الي سيشل.. وعين وزيرا للمواصلات في وزارة سعد عام 1924.
وبعد وفاة سعد زغلول عام 1927 تم اختياره رئيساً للوفد ورئيساً للبرلمان.. فكان الرجل مميزاً في إدارته للوفد والوطن وكان يستعير فكر القاضي العادل.. فقد كان النحاس من أبرز رجال القضاء في زمنه.. وتصف الكاتبة سناء البيسي هذه المرحلة من حياته وصفاً مبدعاً عندما كتبت عنه في الأهرام يوم 8 سبتمبر 2007 قائلة: «دولة مصطفي النحاس.. الوحيد المتفرد علي أرض مصر أول من سبق اسمه لقب دولة.. كان لقاؤه الأول بسعد زغلول في عام 1909 عندما كان يشغل موضع العضو الشمال في إحدي الدوائر القضائية بمحكمة القاهرة في الدائرة التي يرأسها صالح حقي باشا، وأثناء نظر إحدي القضايا مال رئيس الدائرة علي عضو اليمين وتحدث معه، ثم مال علي عضو الشمال مصطفي النحاس وقال له باستخفاف: سنصدر حكما بكذا، فقال النحاس: أنا لي رأي آخر ويجب في هذه الحال الانتقال إلي غرفة المداولة.. ولكن حقي باشا لم يستجب لطلب النحاس ونطق بالحكم، فما كان من الأخير إلا أن قال لكاتب الجلسة بصوت عال وعلي مرأي ومسمع من جمهور المتقاضين وغيرهم من المواطنين داخل قاعة المحكمة: اكتب أنه لم يؤخذ برأي عضو الشمال في هذا الحكم.. وحدثت ضجة كبري داخل القاعة مما اضطر حقي باشا إلي رفع الجلسة والانتقال إلي غرفة المداولة، وترتب بعدها بطلان الحكم، ولم يجد حقي باشا ما يشفي غليله إلا أن يشكو النحاس إلي وزير الحقانية وقتها سعد زغلول الذي استدعي إليه النحاس لتكون المقابلة الأولي بينهما التي أسفرت عن اعتزازه بموقف النحاس فأصدر قرارا بنقله قاضيا جزئيا تكريما وإعجابا بشجاعته، وتمضي مسيرة سعد زغلول الوطنية ليتم تأليف الوفد المصري في نوفمبر 1918 استعدادا للسفر إلي بريطانيا من ثلاثة من المنتمين للحزب الوطني كان النحاس أحدهم، ومن يومها أصبح النحاس سكرتيرا عاما للوفد وأقرب الشخصيات إلي قلب سعد، وعندما اشتعلت ثورة 1919 كان زميل المنفي بعدما اعتقلت السلطات سعد زغلول ومصطفي النحاس وفتح الله بركات وعاطف بركات وسينوت حنا ومكرم عبيد في 23 ديسمبر 1921 وقامت بنفيهم إلي جزيرة سيشل، وأمام الثورة العارمة للشعب اضطرت انجلترا إلي إطلاق سراح الثوار».
كان رأي سعد زغلول في النحاس غريباً جداً.. فقد كان يسميه «سيد الناس» وقال عنه: «سريع الانفعال ولكنه لا يتغير بتغير الأحوال، وطني مخلص.. وهو فقير مفلس، ذكي غاية الذكاء... وفي كل الوفاء، وله في نفسي مكان خاص».
عاش النحاس معظم حياته معارضاً.. وذاق طعم الحكم لكنه لم يبع وطنه من أجل مقعد في البرلمان ولا رئاسة وزراء.. ثم قضي ما تبقي له من عمر مغضوباً عليه من الحكام الجدد.. لكنه أبداً لم يلن ولم يقل كلمة يحاسبه عليها التاريخ فقد كان مدافعاً صلداً عن الديمقراطية التي غابت شمسها صباح يوم 23 يوليو 1952 ولم تعد حتي الآن..وعندما تراجع سيرته السياسية ستجده قضي معظمها في صفوف المعارضة رغم أنه كان الزعيم الأوحد في زمنه.. وحزبه «الوفد» صاحب الأغلبية..لكنه كان يفضل المعارضة بشرف عن الحكم بخضوع.. فقد قام النحاس بتشكيل حكومته الأولي يوم 16 مارس 1928 وتمت إقالتها يوم 25 يونيو من نفس العام أي بعد حوالي ثلاثة أشهر فقط.. أما الحكومة الثانية فقد استمرت ستة أشهر في الفترة من أول يناير 1930 وحتي 19 يونيو من نفس العام أما الوزارة الثالثة فقد استمرت 14 شهراً من 9 مايو 1936 وحتي 31 يوليو 1937..الحكومة الرابعة استمرت حوالي خمسة أشهر من 1 أغسطس 1937 وحتي 30 ديسمبر من نفس العام.. أما الحكومة الخامسة فقد استمرت أربعة أشهر من 4 فبراير 1942 وحتي 26 مايو من نفس العام .. واستمرت حكومة الوفد بمرسوم جديد للمرة السادسة من يوم 22 مايو1942 وحتي 8 أكتوبر 1944.. ثم كانت الوزارة السابعة والأخيرة للوفد برئاسة مصطفي النحاس خلال الفترة من 12 يناير 1950 واستمرت حتي 27 يناير 1952.
ورغم كل هذه الوزارات وكل هذا السلطان كان يعود الرجل بعد أشهر قليلة من الحكم إلي صفوف الجماهير، مناضلاً ومكافحاً من أجل الحرية والديمقراطية.. لم يفسد ولم يتربح.. ظل مقيد الحركة حتي توفي يوم 23 أغسطس 1965 وهو لا يملك سوي معاش لا يكفي تغطية ثمن الدواء.. عاش فقيراً ومات فقيراً.. ولكنه بلا شك رحل زعيماً فماتت الزعامة من بعده.
سيرة مصطفي النحاس تستحق أن يعرفها الناس لأنها تمثل قصة رجل وهب حياته لوطنه بلا ملل واجه صعوبات في حياته ولم ينحن يوماً أمام طغيان القوة الباطشة ولم يتراجع أمام طوفان السلطة لتبقي سيرته نقية لم يلوثها فساد حتي إنه مات عام 1965 وهو لا يملك ثمن الدواء.