قصيدة البُردة.. حقيقة قول"لولاك ما خلقتُ الدنيا" عن وصف النبي في أبياتها

أوضحت دار الإفتاء المصرية حقيقة ما يُتداول حول وصف النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأنه سبب وجود الدنيا وخلق الخلق، في إشارة إلى ما جاء في بعض أبيات قصيدة البردة للإمام البوصيري: وكيف تدعو إلى الدنيا ضَرُورَةُ مَن... لولاه لم تُخْرَج الدنيا من العَدَم".
وهو بيت شعري طالما أثار جدلًا بين مؤيدين ومعارضين، حيث اعتبره بعضهم غلوًا وشبهة شرك، بينما يراه جمهور العلماء من أصدق معاني المديح النبوي.

أحاديث وآثار في فضل النبي ﷺ:
قالت الإفتاء أن هذا المعنى وردت به روايات نبوية، منها ما رواه الحاكم والبيهقي عن سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: «لَمَّا اقْتَرَفَ آدَمُ الْخَطِيئَةَ قَالَ: يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ لَمَا غَفَرْتَ لِي... ولولا محمد ما خلقتك».
كما ورد في "الفردوس" للديليمي عن ابن عباس أن الله تعالى قال: «يا محمد، لولاك ما خلقتُ الجنة، ولولاك ما خلقتُ النار».
وفي رواية أخرى عن سلمان الفارسي: «ولقد خلقتُ الدنيا وأهلها لأعرّفهم كرامتك... ولولاك ما خلقت الدنيا».
ورغم أن بعض هذه الأحاديث في أسانيدها ضعف، إلا أن العلماء بيّنوا أن معناها صحيح إذا فُسّر بما يوافق نصوص القرآن والسنة.
المعنى الصحيح للمقولة:
فسّرت دار الإفتاء قول "لولاك ما خلقتُ الدنيا" على أنه إشارة إلى أن الله تعالى خلق الجن والإنس لعبادته، كما في قوله سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].
وبيّنت أن العبادة لا تتحقق إلا بالعابدين، وأفضلهم وأكملهم هو النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو عنوان العبادة والتوحيد، والإنسان الكامل الذي خُلق الكون لأجل أن تتحقق به وبأمته غاية العبادة.
كما أوضحت أن ما في السماوات والأرض مسخّر لخدمة الإنسان، لقوله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجاثية: 13]، والنبي ﷺ هو قمة هذا المقصد الإنساني.
أقوال العلماء:
أشارت الفتوى إلى أن عددًا من كبار العلماء أقرّوا صحة المعنى، ومنهم:
ابن تيمية الذي أوضح في "مجموع الفتاوى" أن النبي صلى الله عليه وسلم هو "سيد ولد آدم وأفضل الخلق"، وأن القول بخلق العالم لأجله يُفسَّر تفسيرًا صحيحًا من حيث كونه خاتم المرسلين وأكمل العابدين.
الرد على اتهامات الشرك:
أكدت دار الإفتاء أن وصف قصيدة البُردة أو غيرها من المدائح النبوية بالشرك أو الكفر انحراف في المنهج، ويمثل امتدادًا لفكر الخوارج الذين أسقطوا الآيات النازلة في الكفار على المؤمنين.
واستشهدت بقول ابن عمر رضي الله عنهما: «إنهم انطلقوا إلى آياتٍ نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين» (رواه البخاري تعليقًا).
وشددت الفتوى على أن حب النبي ومدحه والتوسل به من الوسائل الشرعية المشروعة، بنصوص القرآن والسنة وعمل السلف الصالح، وأن إنكار ذلك يُعد طعنًا في علماء الأمة واعتداءً على تراثها الراسخ.

الخلاصة في حقيقة قول"لولاك ما خلقتُ الدنيا":
خلصت دار الإفتاء إلى أن مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم سُنة محببة يجب إحياؤها في عصرنا، وأن قصيدة البُردة للإمام البوصيري من أعظم ما كُتب في مديح رسول الله ﷺ.
وأوضحت أن القول: "لولاك ما خلقتُ الدنيا" لا يحمل معنى الشرك، بل هو تعبير عن أن النبي ﷺ هو غاية كمال الخلق وأشرف العابدين، وأن كل ما في الكون مسخرٌ للإنسان، ورسول الله هو صفوة هذا الإنسان.
وختمت الفتوى بقول الإمام البوصيري في بردته: قد تُنْكِر العينُ ضوءَ الشمسِ مِن رَمَدٍ ... ويُنْكِرُ الفَمُ طعمَ الماءِ مِن سَقَمِ.
لتؤكد أن الطعن في مكانة النبي أو إنكار مدحه إنما هو انحرافٌ عن سبيل المؤمنين، وأن الأمة مطالَبة بالتمسك بسنته وتعظيمه كما أمر الله تعالى.