هل يجوز الدعاء بالمغفرة في نهاية العام؟
أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي نصّه: «ما حكم الدعاء بالمغفرة عند نهاية كل عام، والدعاء بالإعانة مع بداية العام الجديد؟»، مؤكدة أن الدعاء في آخر العام بالمغفرة وفي أول العام بالإعانة جائز شرعًا، ولا حرج فيه، بل يندرج ضمن الأعمال المشروعة التي يتقرب بها العبد إلى ربه.
وأوضحت دار الإفتاء أن تخصيص بعض الأيام أو الأوقات بالدعاء أو غيره من القربات أمر جائز شرعًا، ما دام لا يصاحبه اعتقاد الوجوب أو المخالفة للنصوص الشرعية، مشيرة إلى أن المسلم مأمور بأن يحرص في دعائه على الأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية، أو أدعية الصالحين، أو ما يفتح الله به عليه من الدعوات الطيبة.
مشروعية الدعاء في الإسلام
الدعاء عبادة عظيمة، بل من أجلِّ العبادات، لما يتضمنه من التذلل والافتقار والانكسار بين يدي الله تعالى، وقد أمر الله عز وجل عباده بالدعاء ووعدهم بالإجابة، فقال سبحانه:﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: 186].
كما قال جل شأنه:﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: 55]، وهو ما يدل على أن الدعاء مطلوب في كل وقت وحين، دون تقييد بزمن أو مكان، إلا ما ورد فيه نص خاص.
فضل الدعاء في السنة النبوية الشريفة
جاءت السنة النبوية المطهرة مؤكدة لعظمة الدعاء ومكانته، فقد روى النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
«الدعاء هو العبادة»، ثم قرأ قوله تعالى:﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:«ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء»
وأوضح الإمام المناوي في كتابه فيض القدير أن الدعاء هو لبّ العبادة وجوهرها، لما فيه من دوام الصلة بالله، وتحقيق العبودية الكاملة، مشيرًا إلى أن الله سبحانه قد يختار لعبده في إجابته ما هو الأصلح له في عاجل أمره وآجله.
الدعاء بالمغفرة في نهاية العام
أكدت دار الإفتاء أن الدعاء في ختام العام بطلب المغفرة، وفي مطلع العام الجديد بطلب العون والتوفيق، داخل في عموم الدعاء المشروع، ولا يُعد بدعة، لأن تخصيص وقت معين بالعبادة جائز شرعًا، وقد جرى عليه عمل المسلمين قديمًا وحديثًا.
واستشهدت بما ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي ﷺ كان يأتي مسجد قباء كل سبت، وهو ما يدل على جواز تخصيص بعض الأيام بأعمال صالحة بعينها، وقد أخرج هذا الحديث البخاري ومسلم.
تخصيص الأوقات بالعبادات
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري إن هذا الحديث دليل على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة والمداومة عليها.
كما قال الإمام القرطبي في المفهم: إن في فعل النبي ﷺ دليلًا واضحًا على جواز تخصيص الأيام بالطاعات، وأوضح الإمام بدر الدين العيني في عمدة القاري أن هذا التخصيص جائز، ما لم يكن في وقت نُهي عن تخصيصه بنص خاص.
ويقرر علماء أصول الفقه أن الأمر المطلق في الشريعة يشمل جميع الأزمنة والأحوال، ولا يُقيَّد إلا بدليل، وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام المسلم للتقرب إلى الله بالدعاء في كل وقت، ومنه آخر العام وأوله.
أدعية العلماء والصالحين
نقلت كتب التراث الإسلامي عددًا من الأدعية التي داوم عليها العلماء في نهاية العام وبدايته، ومن ذلك ما رواه أبو المظفر سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان عن الإمام ابن قدامة الحنبلي، حيث ذكر دعاءً كان مشايخ العلم يداومون عليه في أول السنة وآخرها.
ومن دعاء أول السنة:«اللهم أنت الأبدي القديم، وهذه سنة جديدة، أسألك فيها العصمة من الشيطان، والعون على النفس الأمارة بالسوء، والاشتغال بما يقربني إليك».
ومن دعاء آخر السنة:«اللهم ما عملت في هذه السنة مما نهيتني عنه فاغفره لي، وما عملت فيها مما ترضاه فتقبله مني، ولا تقطع رجائي منك يا كريم».