تعظيم دور الطيران كقاطرة للتنمية السياحية والاقتصادية
زيارة رئيس الوزراء لمطار القاهرة.. اختبار لاقتصاديات الطيران ودور القاهرة الإقليمى
«مدبولى» يناقش مع مسئولى الطيران تحديات ارتفاع تكاليف التشغيل خاصة الوقود والصيانة
الزيارة إدراك رسمى بأن الطيران المدنى ليس ملفًا فنيًا بل قضية اقتصادية استراتيجية
نجاح مطار القاهرة يجب أن يكون داعمًا لشبكة المطارات المصرية لا بديلاً عنها
تقديرات رسمية تشير إلى أن الوقود يمثل ما بين 30 و40% من إجمالى تكلفة التشغيل
تحسين كفاءة التشغيل.. تقليص زمن الانتظار وزيادة الاعتماد على الإيرادات غير الجوية ضرورة داخل المطارات
تأتى زيارة رئيس مجلس الوزراء إلى مطار القاهرة الدولى فى توقيت بالغ الحساسية لقطاع الطيران المدنى، حيث تتقاطع مؤشرات التعافى التدريجى لحركة السفر مع ضغوط تشغيلية واقتصادية متزايدة، وتطرح تساؤلات جوهرية حول قدرة المطار الرئيسى للدولة على مواكبة النمو، دون الإضرار بتوازن شبكة المطارات المصرية ككل.. وفق بيانات رسمية لوزارة الطيران المدنى، يستوعب مطار القاهرة الدولى حاليًا نحو 30 مليون راكب سنويًا عبر مبانيه المختلفة، مع استهداف رفع الطاقة الاستيعابية تدريجيًا إلى ما يقرب من 40-45 مليون راكب مع تنفيذ خطط التوسع والتطوير، وفى مقدمتها مشروع مبنى الركاب الجديد.
تشير البيانات الرسمية لوزارة الطيران المدنى المصرى إلى أن مطار القاهرة يستحوذ على النسبة الأكبر من حركة الطيران الدولية، سواء من حيث عدد الرحلات أو العائدات، وهو ما يجعله المحرك الرئيسى لإيرادات الشركة القابضة للمطارات والملاحة الجوية، فى مقابل مطارات إقليمية تعتمد بدرجات متفاوتة على السياحة الموسمية وحركة الطيران العارض (الشارتر).

مبنى الركاب الجديد.. توسع أم إعادة توزيع للحركة؟
مشروع مبنى الركاب الجديد بمطار القاهرة لا يُقرأ فقط باعتباره إضافة إنشائية، بل كتحول فى فلسفة إدارة الحركة الجوية داخل مصر. فزيادة الطاقة الاستيعابية للقاهرة تعنى ضمنيًا إعادة توجيه جزء من الحركة الدولية المباشرة والترانزيت، وهو ما يثير مخاوف مهنية مشروعة بشأن تأثير ذلك على مطارات إقليمية مثل الغردقة وشرم الشيخ وبرج العرب.
هذه المطارات، التى شهدت خلال السنوات الماضية استثمارات كبيرة لتحديث بنيتها التحتية، تعتمد على جذب الرحلات المباشرة من الأسواق الخارجية، خاصة الأوروبية. أى توسع غير محسوب فى مركزية القاهرة قد يؤدى إلى:
تركيز الرحلات الدولية طويلة المدى فى العاصمة، تراجع فرص المطارات الإقليمية فى جذب شركات طيران جديدة، اتساع الفجوة فى معدلات التشغيل والعائد بين مطار القاهرة وباقى المطارات.

التحدى الحقيقى: التكامل لا المنافسة
الزيارة الحكومية حملت، فى جوهرها، رسالة مفادها أن التوسع فى مطار القاهرة يجب أن يُدار ضمن منظومة متكاملة، لا على حساب المطارات الأخرى. فالنموذج الاقتصادى الرشيد لا يقوم على سحب الحركة من الأقاليم إلى العاصمة، بل على توزيع ذكى للأدوار:
القاهرة كمحور رئيسى للترانزيت والرحلات العابرة، المطارات السياحية كمراكز جذب مباشر للأسواق الخارجية، مطارات مثل برج العرب كمنافذ مساندة تخدم الدلتا وشمال الجمهورية.

اقتصاديات الطيران تحت المجهر
ناقشت لقاءات رئيس الوزراء مع مسؤولى الطيران تحديات ارتفاع تكاليف التشغيل، خاصة أسعار الوقود والصيانة، وهى عوامل تضغط بشدة على شركات الطيران الوطنية. وتشير تقديرات رسمية إلى أن الوقود يمثل ما بين 30 و40% من إجمالى تكلفة تشغيل الرحلات، ما يفرض ضرورة تحسين كفاءة التشغيل داخل المطارات، وتقليص زمن الانتظار، وزيادة الاعتماد على الإيرادات غير الجوية.
ما بعد الزيارة: قرارات مطلوبة
الرهان الحقيقى بعد هذه الزيارة يتمثل فى: ربط توسعات مطار القاهرة بخطة قومية متوازنة لشبكة المطارات، وضع مؤشرات أداء واضحة لقياس جودة الخدمة والعائد الاقتصادى، ضمان ألا يتحول مبنى الركاب الجديد إلى مركز جذب مركزى يضعف الأقاليم، وتعظيم دور الطيران كقاطرة للتنمية السياحية والاقتصادية، لا كمجرد مرفق خدمى.
إدراك رسمى
تعكس زيارة رئيس الوزراء لمطار القاهرة إدراكًا رسميًا بأن الطيران المدنى لم يعد ملفًا فنيًا فقط، بل قضية اقتصادية استراتيجية تتطلب إدارة دقيقة للتوازن بين التوسع والكفاءة، وبين المركز والأقاليم. فنجاح مطار القاهرة يجب أن يكون داعمًا لشبكة المطارات المصرية، لا بديلاً عنها، وهو التحدى الأبرز الذى ستكشف عنه قرارات ما بعد الزيارة، لا صور الجولة التفقدية.