خالد الجندي: "وهو معكم أينما كنتم" دستور استقامة لضبط الجوارح
أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن علماء السلوك وأهل الله قسّموا رحلة الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى، وهي الرحلة الممتدة بين قوله تعالى: «إياك نعبد وإياك نستعين»، إلى درجات ومقامات متتالية، أشبه بمراحل دراسية يرتقي فيها العبد من مقام إلى مقام، موضحًا أن هذه الرحلة لا تُقطع دفعة واحدة، وإنما تُبنى بالتدرج، فبعد مقام الإخلاص يأتي مقام التوبة، ثم مقام عظيم له أثر بالغ في تزكية النفس هو مقام المراقبة.
وأضاف عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية خلال حلقة برنامج لعلهم يفقهون المذاع على قناة "DMC" اليوم الثلاثاء، أن مقام المراقبة من أحب المقامات إلى قلبه، لأنه المقام الذي يوصل العبد إلى رضا الله سبحانه وتعالى، موضحًا أن كلمة المراقبة مشتقة من اسم الله «الرقيب»، أي الحافظ المطلع، وأن المراقبة تعني أن يعيش الإنسان وهو يستشعر أن الله يراه ويسمعه ويعلم سره وعلانيته، وأن الارتقاب هو انتظار الشيء، فكأن العبد يراقب نفسه انتظارًا لرضا الله وخوفًا من سخطه.
وأوضح الشيخ خالد الجندي أن المراقبة في اصطلاح العلماء هي أن يراقب العبد خواطره قبل أفعاله، فلا يسمح للخواطر المذمومة أن تشغل قلبه عن ذكر الله، مؤكدًا أن هذا المقام يحتاج إلى وعي وانتباه شديد، لأن المراقبة ليست حالة وجدانية فقط، بل سلوك عملي، فهي متابعة دائمة لأوامر الله ونواهيه، وأن يعيش الإنسان وهو يعلم ما يفعل، لا يعيش بلا خطة ولا بلا ميزان، بل يسأل نفسه في كل خطوة: هل هذا حلال أم حرام؟
وبيّن عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية أن من معاني المراقبة الحقيقية أن يفتش الإنسان في طعامه وشرابه وماله، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «سيأتي على الناس زمان لا يبالي المرء بما أكل، أمن حلال أم من حرام»، موضحًا أن أهل المراقبة لا يسمحون بدخول لقمة إلى بطونهم إلا بعد التأكد من حلها، ولا يقبلون مالًا إلا بعد التحقق من مصدره، لأن المراقبة عندهم أشبه بحاجز تفتيش لا يسمح بمرور الحرام إلى الجسد.
وأشار الشيخ خالد الجندي إلى أن هذا المعنى كان حاضرًا بقوة في وعي المسلمين الأوائل، حيث كانت المرأة تودّع زوجها وهو خارج إلى عمله بقولها: «اتقِ الله فينا، فنحن بك ومنك، فلا تطعمنا إلا حلالًا، ولا تدخل علينا إلا حلالًا»، لافتًا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم حذّر من خطورة الحرام بقوله: «كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به»، مؤكدًا أن المراقبة ليست تشددًا، بل حماية للقلب والدين والأبناء.
وأكد على أن مقام المراقبة ثابت بالقرآن الكريم، مستشهدًا بقوله تعالى: «ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب»، وقوله سبحانه: «وهو معكم أينما كنتم»، وقوله عز وجل: «إن ربك لبالمرصاد»، موضحًا أن هذه الآيات تؤسس في قلب المؤمن يقينًا دائمًا بأن الله مطّلع عليه في كل لحظة، وأن من استقر هذا المعنى في قلبه استقامت جوارحه، وسار إلى الله على بصيرة وثبات.
اقرأ المزيد..