سلط حادث غرق مركب هجرة غير شرعية قرب ميناء جزيرة كريت اليونانية والذى أسفر عن وفاة 14 مواطناً مصرياً كانوا على متن المركب، الضوء على ملف الهجرة غير الشرعية ومخاطره، فلم تكن وفاة 14 مصريًا داخل مركب هجرة غير شرعية مجرد خبر عابر، بل جرس إنذار جديد يُدق بقوة فى وجدان المجتمع، ويطرح سؤالًا مؤلماً، لماذا لا يزال بعض شبابنا يختار طريق التهلكة، رغم ما تشهده مصر من مشروعات وتنمية وفرص واعدة؟، ورغم الجهود الكبيرة التى تبذلها الدولة المصرية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإقامة مشروعات استثمارية وتنموية كبرى تستوعب مئات الآلاف من فرص العمل.
هذا الحادث ليس الأول وليس الأخير فى ظل عدم انتباه بعض الشباب لمخاطر الهجرة غير الشرعية وطريقها المحفوف بالمخاطر والمهالك فهى طريق للموت والهجرة الأبدية، وأيضاً فى ظل وجود سماسرة الموت الذين يغرون ويخدعون شبابنا بعروض وهمية وأحلام واهية، فالأمر بات يتطلب بشكل ملح إعادة تسليط الضوء على مخاطر الهجرة غير الشرعية وجهود الدولة المصرية فى مكافحتها وتوعية الشباب بأضرارها، وأن يتم التوسع فى حملات التوعية فى جميع وسائل الإعلام المختلفة وعلى منصات ومواقع التواصل الاجتماعى و«السوشيال ميديا»، وكذلك تضافر جهود مؤسسات الدولة المختلفة الإعلامية والدينية والتربوية والتعليمية والرياضية والشبابية لتعزيز جهود التوعية لحماية شبابنا وإنقاذهم.
أيضاً الأمر يتطلب الاهتمام المكثف بتدريب وتأهيل العمالة المصرية وصقل مهاراتهم وربطهم باحتياجات سوق العمل، لتوفير العمالة المدربة والمؤهلة التى تحتاجها الشركات والمصانع المصرية فى ظل الكم الهائل من المشروعات والمصانع التى يتم إقامتها وإنشاؤها فى مصر على مدار السنوات الأخيرة والتى تحتاج إلى عمالة وكوادر مدربة تواكب احتياجات سوق العمل الحديثة والتى تواكب التطورات العصرية.
مخطئ من يظن أن الهجرة غير الشرعية هى السبيل الوحيد لخلق فرصة عمل وتحقيق أحلام الثراء، وكل ذلك يتضح دائماً أنه غير حقيقى وأوهام، فبلدنا مصر أصبح بها فرص عمل واستثمارات واعدة ومشروعات قومية وتنموية كبرى ومصانع جديدة فى مختلف المجالات وشركات عالمية كبرى جاءت لتستثمر فى مصر وتقيم مصانع كبيرة وتحتاج لفرص عمل عديدة.
فالهجرة غير الشرعية ليست مجرد رحلة محفوفة بالمخاطر، بل مقامرة بالحياة نفسها، قوارب متهالكة، وسماسرة لا يعرفون الرحمة، ونهايات غالبًا ما تكون غرقًا أو سجونًا أو تشردًا فى بلاد لا تعترف بوجودك، ومع ذلك، لا تزال الفكرة الخاطئة مسيطرة لدى البعض، بأن الهجرة غير الشرعية هى السبيل الأسرع للعمل أو الثراء، وهى فكرة لا تصمد أمام الواقع.
الواقع يقول إن مصر اليوم ليست كما كانت قبل سنوات، الدولة تنفذ واحدة من أضخم خطط التنمية فى تاريخها الحديث؛ مشروعات قومية تمتد من العاصمة الإدارية الجديدة إلى العلمين، ومن الصعيد إلى سيناء، آلاف المصانع تُقام، ومناطق صناعية جديدة تُفتتح، واستثمارات محلية وأجنبية تتدفق فى مجالات الصناعة والطاقة والبنية التحتية والزراعة والخدمات.
المفارقة أن كثيرًا من هذه المشروعات تعانى نقصًا فى العمالة المدربة، فى وقت يغامر فيه شبابنا بأرواحهم بحثًا عن فرصة قد تكون موجودة بالفعل داخل وطنهم، هنا تظهر أهمية ملف إعادة تدريب وتأهيل العمالة المصرية، ليكون مواكبًا لاحتياجات سوق العمل الحديث، خاصة فى ظل التطور الصناعى والتكنولوجى الكبير الذى تشهده البلاد، والدولة قطعت شوطًا مهمًا فى هذا الملف من خلال مدارس التكنولوجيا التطبيقية، ومراكز التدريب المهنى، وبرامج التأهيل المرتبطة بالمصانع والمشروعات القومية، لكن التحدى الأكبر يظل فى تغيير الوعى، وكسر الصورة الذهنية الخاطئة التى تُجمّل الهجرة غير الشرعية وتُخفى مآسيها.
علينا أن نفكر ألف مرة قبل أن نُلقى بأنفسنا فى البحر، فالوطن الذى يُبنى لا يريد أبناءه غرقى أو مفقودين، بل شركاء فى البناء، الفرص قد لا تأتى دائمًا بسهولة، لكنها موجودة، والاستثمار فى النفس بالتعلم والتدريب هو الطريق الحقيقى للنجاح، وليس الهروب إلى المجهول، فالتنمية هى الأمل الحقيقى، والعمل داخل الوطن هو الطريق الآمن للحياة والكرامة.