"يا خبر"
قالت صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية قبل يومين، إنه تم استبعاد توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، من قائمة المرشحين لعضوية ما يسمى "مجلس السلام" في غزة بسبب اعتراض دول عربية وإسلامية, ونقلت الصحيفة عن أحد حلفاء بلير قوله إن الرجل لن يكون عضواً في مجلس السلام, الذي سيضم 12 زعيما آخرين من الشرق الأوسط والغرب، لإدارة غزة تحت تفويض أممي لمدة عامين قابلة للتجديد، وسيترأسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وسيكون هناك مجلس تنفيذي أصغر تحته, من المتوقع أن يكون بليرعضواً فيه إلى جانب جاريد كوشنر، صهر ترمب، وستيف ويتكوف، مستشار الرئيس الأمريكي، ومسؤولين كبار من دول عربية وغربية ممثلة في مجلس السلام العالمي, وهذا يعني أن توني بلير بصدد ترقية إلى أسفل وليس استبعاد كلي.
كان توني بلير قد اقترح على رئيس نتنياهو، فكرة أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة مناطق محددة في قطاع غزة ضمن مرحلة تجريبية، بحسب ما نقلته هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر مطلعة على المحادثات وأبدى نتنياهو اعتراضه على الفكره و بدا واضحا فيما بعد أن بلير تماهى مع الرؤية الإسرائيلية واستجاب لنتنياهو,الذي حاول مرارا أن يبعد هذا الطرح لاسيما عن الرئيس الأمريكي الذي يعتزم إعلان الدخول في المرحلة الثانية من اتفاق غزة قبل أعياد الميلاد، أي قبل الخامس والعشرين من هذا الشهر وقبل أربعة أيام تحديدا من لقائه نتنياهو، في ولاية فلوريدا بالولايات المتحدة بدعوة من ترامب أو بالأحرى باستدعاء, لمناقشة المرحلة التالية من اتفاق غزة، و كان ترامب قد أبلغ نتنياهو في اتصال هاتفي الأسبوع الماضي بما يشبه التحذير بأنه يتوقع منه أن يكون شريكا أفضل في ملف غزة.
عودة إلى موضوع استبعاد توني بلير والذي أشارت فايننشال تايمز إلى أنه جاء لرفض وجوده من قبل دول عربية وإسلامية, الحقيقة أن استبعاد بلير لم يكن مفاجئا بالنسبة لي فقد سبق وأشرت في مقال سابق إلى أن تاريخ توني بلير مع المنطقة العربية ليس بالجيد, فهناك بالفعل ضرر "يستحقه" لحق بسمعته في الشرق الأوسط بسبب دعمه القوي للغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003, ولم أكن وحدي الذي قال أن توني بلير سيتم استبعاده, فقد سبق وشككت الصحف البريطانية في هذا الموضوع, فعلى سبيل المثال قالت صحيفة "دايلى ميل" أن مستقبل توني بلير كعضو في مجلس السلام العالمي غير مضمون, كما قالت صحيفة "ذا تليجراف" البريطانية أيضا إن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب أثار شكوكاً حول تولي توني بلير دوراً قيادياً في إدارة الحكومة الانتقالية في غزة, و كان الرئيس ترامب قد اعترف قبل أسابيع بأنه غير متأكد من تعيين بلير، بسبب مخاوفه بشأن انخفاض شعبية رئيس وزراء بريطانيا الأسبق فى الشرق الأوسط.
لكن ما معنى أن يستبعد الرئيس ترامب توني بلير تماما من خطته لغزة أو جزئيا بإبعاده عن المجلس الأعلى "مجلس السلام العالمي" ويدرجه في مجلس تنفيذي أصغر؟ والإجابة بوضوح أن الرئيس ترامب رضخ لمطلب المجموعة العربية و الإسلامية التي أبلغت الإدارة الأمريكية عدم رغبتها بمشاركة بلير وهذا المطلب جاء بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية التي لا ترغب هي الأخرى بإشراك بلير لعدم وجود إجابات لديه حول دور السلطة في إدارة غزة وانسجام موقفه مع توجهات الحكومة الإسرائيلية.
الشاهد هنا أن الرئيس الأمريكي تعاطى بشكل إيجابي مع الرغبة العربية والإسلامية في عدم مشاركة بلير في المرحلة الثانية لخطة ترامب فيما يتعلق بإدارة غزة, وهذا معناه أيضا أن الرئيس الأمريكي لديه استعداد لسماع الجانب العربي وتلبية مطالبه ولا نستبعد أيضا أن يلبي طلب المجموعة العربية المتمسكة بأن تتبع اللجنة الإدارية الفلسطينية لغزة للحكومة الفلسطينية في رام الله, وهذا معناه أيضا أن ترامب شخصيا بات على قناعة بضرورة وجود دور للسلطة الفلسطينية في إدارة قطاع غزة، وأن ذلك سيتم على مراحل بدء من إدارة المعابر وصولا إلى سيطرة على كامل القطاع بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي منه, وهذا يعكس نتيجتين رئيسيتين الأولى: الخلاف الذي بات واضحا في وجهات النظر بين ترامب ونتنياهو, والثانية: أن ترامب يدير الملف بعقلية المفاوض البراجماتي الذي يحدد موقعه من الصفقة بناء على مكاسبه وليس انحيازا لطرف دون الآخر.