عاجل
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

قطوف

الشاليه

بوابة الوفد الإلكترونية

من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.

 

 


 

توقفت السيارة أمام الشاليه بقرية بيانكي.. وهالنا ما رأينا! 
صاح عاطف بكل عزمه وهو فرح:
هي نعم هي الفتاة الثلاثينية
ويرفع مختار كفيه ويردد "الحمد لله"، وراح باسم يرشم الصليب ويقول "مدد يا أم النور" وصلاح يظل صامتا ودموعه تكاد تنزلق من عينيه.
أما أنا فخفق قلبي. 
كانت الثلاثينية عائدة من البلاج وفستانها مبلل بالمياه،  ويتساقط الماء من شعرها أيضا، وحين اقتربت منا ترجلنا من السيارة..
ابتسمت وقالت:
ممكن أعزم نفسي على شاي عندكم؟
بصوت هادئ رد صلاح: 
تشرفينا.
وعاطف يقفز من سور التراس ويفتح باب الشاليه الداخلي ويحضر كرسيا. دخلتْ الشاليه من الباب الصغير المُفضي إلى التراس، ونحن نرحب بها ونتحلق حولها كما تتحلق الفراشات حول زهرة. مختار لم يتحدث وكأنه أصيب بالصمم! وباسم ظل فاتحا ثغره!  وأنا تائه بينهم في عالم آخر.
صلاح يطلب من عاطف أن يعد الشاي، لكنه يرفض، فيشير إلى باسم ولي فنرفض أيضا، وحين غمز لمختار بعينه، استجاب، ودخل ليعد الشاي. 
سألتنا:
إنتو منين؟ 
حين شرعنا في الإجابة وجدنا مختار في سرعة قال: من أسيوط، لا أدري كيف وصل في لحظة من المطبخ إلى التراس!  بدا أنه لم يذهب لإعداد الشاي لكنه وقف مختبئا بالقرب من باب التراس! 
سألتنا سؤالا مباغتا:
انتوا أول مرة تشوفوا واحدة؟! 
صمتنا لحظات ثم رد باسم:
أول مرة نشوف واحدة حلوة.
ضحكتْ بصوتٍ عال وضحكنا أيضا 
نظرت لمختار وسألته: فين الشاي؟
المياه بتسخن على الكاتل.
قالت: 
ممكن أخد شاور عندكم؛ علشان أتخلص من حبات الملح على جسمي؟
اندهشنا وتهته كل منا لا نصدق ذلك!
قالت في ثقة:
متخافوش مفيش حد من الجيران هياخد باله! 
كان الوقت متأخرا والإضاءة خافتة.. وافقنا.
سألتُها:
إزاي هتلبسي نفس الملابس وهي مبللة بمياه مالحة؟! 
رفعت حاجبها وقالت:
أه صحيح دي مشكلة. 
ثم اقترحت أن ترتدي من ملابسنا، حتى تجف ملابسها. 
هرول عاطف وعاد حاملا معه مايوه وتيشيرت. دخلتْ الحمَّام ولمَّا شعرت بأحدنا يقترب من ثقب الباب، أطفأت اللمبة. فعاد صاحبنا مُحرَجا.
مختار يتضور جوعا وهكذا كلنا، وللأسف لا واحد منا يريد الذهاب لأقرب ماركت أو مطعم لإحضار طعام.  صلاح أكبرنا سنا لكنه لم يرغب في إجبار أحد منا على الذهاب، ومختار يكاد يبكي من شدة الجوع، ولا يريد أن يترك الشقة فيفوته ما يفكر فيه! 
قالت وهي داخل الحمام:
لو سمحت يا مختار عايزة أتعشى.
هز مختار رأسه في ضيق ولكنه استسلم للأمر، وأخرج صلاح من حافظته مائتي جنيه، قدمها له ليشتري لنا العشاء. بعد أنا ذهب مختار، انتبهتُ لشئ غريب، نحن لم نُعرِّفها بأسمائنا فكيف عرفت اسم مختار؟!  
لم يعترني أي اهتمام في استفساري هذا. خرجتْ من الحمَّام وكأنها نبيلة عبيد في عز شبابها!  وسارت نحو التراس ونحن وراءها وعاطف يتقدمنا، بحجة أنه أول من تعرفت عليه حين أشعل لها السيجارة وحمل لها الكرسي. وصار وضع صلاح صعبا، عين في الجنة وأخرى في النار، وباسم كما هو صامتا ويكاد يلتهمها بعينيه الدباحتين، وأنا قلق بشأنها وأنظر لها كونها جاسوسة. 
جلستْ ووضعتْ ساقا فوق أخرى، ساقاها بيضاوان كالحليب تحت ضوء القمر والمايوه انحسر كثيرا عن ركبتيها لأعلى. كانت ثلاثينية مثالية في كل شئ جمالها وجسدها المثير. حقا، جمالها يفتت الحجر ويذيب الثلج.
عاد مختار في أقل من ربع ساعة، وافترشنا أرض التراس بأوراق جورنال وهمَّ مختار بالجلوس بجانبها من ناحية اليسار وجلس عاطف من ناحية اليمين، يكاد جسده يلتصق بها، وباسم أمامها يسبل لها عينيه الضيقتين، وأنا وصلاح ذهبنا لنحضر الأطباق. 
مختار رحب بها ثانية وسألها:
هو حضرتك منين؟
من خِربتها. 
ضحكنا واحمرَّ وجه مختار، وحين شعرت بذلك قالت: 
هيفرق في إيه تعرفني منين؟ 
صمتَ ولم يتكلم. أما أنا فتقمصت دور المفتش كرومبو وسألتها:
انتي عايزة إيه بالظبط؟ 
قالت وهي تضحك: 
عايزة أكل دلوقتي، هموت من الجوع.
كانت لديها قدرة على التهرب من الأسئلة! 
باسم أخيرا تكلم وقال وهو يسبل لها عينيه:
اتفضلي كُلي.
كنا نأكل وفي تفكير كل منا ما الخطوة الثانية بعد العَشاء؟ 
وكأنها أحست بما يدور في خلدنا
قالت في نبرة أقرب للتوسل:
أرجو أن تستضيفوني أبات عندكم الليلة. 
فتحنا أفواهنا والطعام بداخلها.. 
قالت: 
خلاص لو فيه مشكلة أنا همشي. وهمَّت بالمغادرة. 
في صوت واحد قلنا لا يمكن انتظري، هتباتي عندنا مفيش مشكلة، وكل واحد منا يعرض عليها أن تنام على سريره. 
قالت: طيب كده في واحد مش هينام على سريره. 
قلنا لها: مفيش مشكلة. 
قالت: وهتيجي منين المشكلة، عادي ممكن ينام جنبي وصمتت ثم سألت: على سرير مين هنام؟
أسرع عاطف قائلا : على سريري أنا.

وهب مختار فأمسك ذراعها وحلف ألا تنام إلا على سريره، وضج الشاليه بأصواتنا الكل يعرض عليها سريره. ولما كدنا نفتك ببعضنا اقترحتْ أن نجري قرعة، لكننا رفضنا. 
راحت تضحك وتتساءل ما الحل إذن؟
ثم قالت بصوت خافت مثير: عايزة أنام حرام عليكم.. 
حينئذ قال صلاح: نامي في هذه الحجرة وأشار لها عليها ولن يشاركك أحد فيها، وهنا اغتاظ عاطف ومختار وباسم، وأنا لازلت حيرانا وحذرا من أمرها. 
في النهاية وافق الجميع على اقتراح صلاح. وذهب كل منا إلى حجرته، وتمدد صلاح ومختار على سرير واحد موضوع بالصالة بالقرب من باب حجرتها وباب الشاليه أيضا. وفي بال كل منا أنه سينهض بعد قليل دون أن يشعر به أحد؛ لكي يتوجه إلى حجرتها.. وبعد مرور ساعة نهض مختار ومشى في الشاليه متسحبا نحو حجرتها. مضت برهة يقف بالقرب من بابها يتلصص عليها من ثقب الباب ثم عاد يرتجف وقد جَدَّ في إيقاظنا وهو يصرخ..
ولأننا كنا يقظين ولم ننم، نهضنا مسرعين نسأله:
مالك؟ إيه اللي حصل؟ 
وكأنه أصيب بالخرس وراح يتهته وجسده ينتفض من الخوف ولم يخرج كلمة صحيحة وهو يشير بيده إلى حجرتها، توجهنا جميعا نحو الحجرة، ودفع باسم بابها، وكانت المفاجأة التي عقدت ألسنتنا. اختفت الفتاة ولم نجد غير ملابس عاطف التي كانت ترتديها، الحجرة مغلقة ولا توجد بها نافذة، فتحنا الدولاب نبحث عنها فلم نجدها ونظرنا تحت السرير فلم نعثر عليها، ذهبتُ إلى الحمام لأرى ملابسها فلم أجدها! 
وصار السؤالان اللذان يؤرقاننا:
أين اختفت؟! وكيف هربت؟!
ارتعشت أجسادنا، وتكومنا فوق بعض في ركن بالشاليه، وحين لاحت تباشير الصباح، غادرنا القرية!