رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

هل شهد عصرنا الحديث "موت الناقد"، واندثار النقد بعد أن أصبح كل الناس نقادا بفضل وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا الوسائل المرئية والمسموعة؟
هذا هو السؤال الكبير الذي يطرحه رونان ماكدونالد في كتابه المدهش "موت الناقد". وهو يستند إلى حقيقة أن شيوع الكتابة والتعليقات من طرف أعداد كبيرة تدلي بدلوها على شبكة الانترنت، تعكس نوعا من "الإقصاء" للناقد المتخصص، بعد أن أصبح كل من يستطيع الضغط على أزرار الكيبورد، يعتبر نفسه، أو يعتبره الكثيرون، "مؤثرا"، وبالتالي يمكن أن يصبح كل الناس نقادا!
أصبح النقد إذن،"مشاعا"، يدلي فيه بدلوه، كل من يعرف ومن لا يعرف، على شكل انطباعات شخصية، كثير منها ينطلق من الانفعال لا من التفكير، ومعظمها يصطبغ يبدأ وينتهي بإصدار أحكام القيمة المطلقة، بسبب العجز الواضح عن التحليل العلمي المنهجي الذي يستند إلى معطيات محددة من داخل العمل الفني.
لا بأس من "دمقرطة" النقد السينمائيـ فالسينما بطبيعتها فن ديمقراطي، ومع ذلك، فقد يصبح اتساع دائرة التعبير عن الرأي بين شرائح الجمهور العادي من الهواة، ذا تأثير سلبي تماما، بسبب غياب الحوار الحقيقي، فلا الهاوي يتحمل رأيا متخصصا، كونه يميل إلى ازدراء التخصص ورفضه، ولا الناقد المتخصص يمكنه مناقشة أصحاب الانطباعات والأحكام القاطعة، لأنهم عادة ما يشهرون في وجهه سلاح "الحرية الشخصية".
وقد يكون من الصحيح أيضا- كما يرى ماكدونالد، أن الناقد الأكاديمي انعزل داخل المحيط الجامعي، حيث تكثر البحوث النظرية التي تعتمد على النقل أكثر من الممارسة والمتابعة، وأصبح الأكاديميون يكتبون، إما لنيل الدرجات العلمية والترقي، أو يتوجهون أساسا، لطلابهم أو لبعضهم البعض، يستخدمون لغة جافة، معقدة، تمتلئ بالمصطلحات المترجمة عادة، في سياق نصوص تتباهى بعرض مقتطفات واقتباسات من كتابات الفلاسفة والمفكرين الفرنسيين وغيرهم. 
رغم ذلك، أرى أن النقد باعتباره إبداعيا موازيا للسينما كفن (مثلا)، موجود وسوف يستمر، سواء من خلال المجلات والكتب والدوريات، أو المواقع المتخصصة على شبكة الإنترنت. 
صحيح أن الناقد لم يعد هو صاحب المرجعية الأولى والأخيرة، أي لم يعد يتمتع بسلطة طاغية تفرض السمع والطاعة كما كان الأمر في الماضي، لكن هذا لا يمثل معضلة، لأن ما يسمى بـ"سلطة الناقد" مرفوض، فالنقد رؤية شخصية تستمد قيمتها من ثقافة الناقد، ومدى فهمه للفن الذي يتعامل معه بل وللعالم، وهو عندما يكتب فإنه لا يتقمص دور المصلح أو الداعية، بل يسعى إلى بناء نصا مستقلا قائما بذاته، والنقد بهذا المعنى إذن، ليس عملا توجيهيا يفرض نفسه على المتلقي، كما أنه ليس عملا ذيليا، أي لا يوجد سوى بوجود العمل الفني نفسه كما يعتقد الكثيرون، فهناك الكثير من القضايا النظرية والجمالية التي يمكن أن تشغل اهتمام الناقد، تتجاوز إطار النقد التطبيقي.
وفي حالة النقد السينمائي تحديدا، لا تعتبر العودة إلى المصادر السينمائية الأولى خلال البحوث والدراسات، عملا ذيليا، بل امتدادا لإبداعات السينمائيين أنفسهم عبر العصور. ومع ذلك من الضروري أن يتمسك الناقد بدوره كمفكر، يساهم، ليس فقط في تطوير السينما أو مساعدة المتفرج على تحقيق "متعة المشاهدة"، بل وفي تطوير النظرة إلى مجالات أخرى مشتركة مع السينما، في الفنون الأخرى، فالناقد- المفكر، لا ينغلق على مجال البحث في جماليات السينما بمعزل عن الفلسفة والتاريخ والأنثروبولوجيا والعلوم السياسية وغيرها.
أخيرا إذا كانت الأوساط الأكاديمية قد انغلقت على نفسها، بل وأصبحت غير قادرة حتى على طباعة أبحاث أبنائها ورسائلهم العلمية وإتاحتها لجمهور الباحثين والقراء، وبالتالي انتقل مركز الثقل كله الى الصحافة غير المتخصصة، فما العمل إذا كانت هذه الصحافة لا ترحب أصلا بالنقد المتخصص؟ الأمر الذي يجعلنا نظل ندور في حلقة مفرغة!