تواتر أخبار الاعتداءات الجنسية على الأطفال فى المدارس، أمر مرعب، كل كلمة وكل سطر وكل جملة فى تلك الأخبار تصيبك بحالة من الصدمة وتحدفك إلى حفرة الجنون، كان آخر تلك الأخبار المتداولة على نطاق واسع ما حدث فى مدرسة خاصة بالعبور، وما روته والدة أحد المجنى عليهم من تفاصيل تشير إلى اعتداءات «جنسية ممنهجة» تعرض لها الأطفال داخل المدرسة على مدار أربع إلى خمس سنوات!، مؤكدة أن ما حدث ليس مجرد حادثة نتيجة للإهمال بل «تواطؤ»!، وأن الحادث ليس فرديًا بل «شبكة متكاملة»!، خاصة بعد أن كشفت الأم أن أحد أفراد الأمن المتهمين قد تم فصله من المدرسة قبل عام ونصف بسبب أحداث تتعلق باعتداءات جنسية، ثم عاد إلى العمل مرة أخرى!، والأغرب ما ذكرته الأم بأن المتهم الأساسى والذى تعرف عليه خمسة أطفال، رجل فى الستين من عمره كان يهدد الأطفال بالسكين!
علامات التعجب لن تنتهى مع سرد شهادة الأم وتصريحاتها، لكن يمكنك التركيز حول تلك الكلمات:«داخل المدرسة.. تواطؤ.. ممنهجة.. شبكة متكاملة.. عجوز.. يهدد الأطفال بالسكين».
نعيد ترتيب هذا المشهد المرعب من البداية، طفل يستيقظ مبكرًا، مع أحضان دافئة من والديه، يحمل حقيبة المدرسة، ينزل درجات السلم ممسكًا بيد والدته فى فرحة تغمر وجهه البرئ، يرفع يده مودعًا بعد أن قذف كفه الصغير عشرات القبلات اتجاه والدته قبل أن يرتاد «الباص» متجهًا إلى المدرسة، الأم تنتظر الصغير عائدًا من المكان الذى أرسلته إليه ثم تستقبله بشوق، ليحكى لها عن يومه الدراسى وماذا فعل فيه، حيث البيئة التعليمية الجيدة والآمنة، ثم تكتشف الأم فجأة أنها أرسلت فلذة كبدها إلى الجحيم، وأنه أحد ضحايا الإعتداء الجنسى لهؤلاء المجرمين!، لا يمكن لأحد أن يتصور ما تعانيه تلك الأم فى تلك اللحظات القاسية، وغيرها من أهالى تم هتك عرض أطفالهم، ثم تعجز الكلمات عن وصف حالة القلق التى تنتهك عقول وأجساد ونفوس غيرهم من أولياء أمور لم يكتشفوا الأمر بعد.
الأزمة الحقيقية تكمن فى صعوبة تحديد مدى انتشار جرائم الإعتداء الجنسى على الأطفال فى المدارس، لأن ما يتم كشفه منها يكون عن طريق الصدفة، لتنقلب الدنيا رأسًاعلى عقب، وينفعل الرأى العام ويتفاعل مع الحدث ويتعاطف مع الضحايا، وتنهال الصرخات بتوقيع أقصى عقوبة على الجناة، ويطالب البعض بعمليات إخصاء لهؤلاء المجرمين، وإعدامهم شنقًا فى ميدان عام، ثم يتحرك وزير التعليم بوضع المدرسة التى شهدت الجريمة، تحت الإشراف المالى والإدارى للوزارة، ثم تُشدد الوزارة بوضع منظومة حماية المراقبة طوال اليوم الدراسى، وتفعيل إجراءات الكشف الدورى عن تعاطى المخدرات للعاملين بالمدارس،.. ثم ماذا بعد؟ الإجابة لا شئ.. نستيقظ على جريمة مماثلة وخبر مشابه وتصريحات متطابقة.. والسؤال الذى يؤرق الكثير الآن: كيف نحمى أولادنا فى المدارس من تلك الجرائم؟.
أعتقد أن الحل الأسرع للحماية يكمن فى الوعى الذى تقدمه أنت كولى أمر لأطفالك، لا تنتظر دعمًا خارجيًا لتوعية طفلك من تلك الجرائم، ابدأ بنفسك مُسرعًا قبل فوات الأوان، لأن الإجراءات الإدارية التى يمكن أن تتخذها الوزارة لن تحمى أولادنا بشكل كامل ولا نصف كامل ولا ربع كامل!، لأن تلك التصريحات غالبًا ما يتم نسيانها أو العمل بها وتفعيلها بشكل ممنهج مع مرور الأيام.
الأخطر مما سبق أن جرائم الاعتداء الجنسى على الأطفال التى تم تداولها مؤخرًا، وقعت فى مدارس خاصة أو دولية، وهو ما يضعنا أمام مؤشر مُحتمل لا يمكن تغافله بأن بعض تلك الجرائم ضد هؤلاء الأطفال ربما تُرتكب بدافع الإنتقام الطبقى وليس الشذوذ أو مرض متعلق بالهوس الجنسى فقط.
الخلاصة: المدارس يجب أن تكون بيئة آمنة، وليس مصدرًا للقلق والتوتر والخوف على أولادنا.
فى النهاية: ياوزير التعليم.. حماية أولادنا أهم من التعليم.