حرب داخل نقابة الموسيقيين: اتهامات.. تسريبات.. وشبهات فساد
مصطفى كامل فى مواجهة مجلس مشتعل من الاتهامات والصراعات
تعيش نقابة المهن الموسيقية واحدة من أكثر فتراتها توترًا وتعقيدًا، حيث تحولت الاجتماعات الداخلية إلى ساحة صدامات متتالية، وخرجت الخلافات من إطار العمل المؤسسى لتظهر على العلن فى بث مباشر وتصريحات متبادلة بين أعضاء المجلس، فى مشهد يعكس حجم الاشتعال الذى وصل إليه بيت يمثل واحدة من أعرق المؤسسات الفنية فى مصر. الأزمة بدأت حين خرج النقيب الفنان مصطفى كامل فى بث مباشر من داخل اجتماع المجلس يتحدث فيه بانفعال واضح عن أنه يعمل وحده داخل النقابة، وأن هناك من يعرقل خطواته، وهو ما كان كفيلًا بإشعال موجة ردود فعل لم تتوقف، حيث ظهر بعدها أعضاء فى المجلس يردون عليه باتهامات مضادة وصلت إلى حد الحديث عن تحرش وتسريبات وإهانات وتجاوزات لفظية ومهنية، وكأن النقابة لم تعد مؤسسة فنية بقدر ما أصبحت ساحة مواجهة مفتوحة يتابعها المهتمون بالفن، وكأنها أحداث مسلسل طويل يتجدد كل يوم.
المجلس الذى يضم نقيبًا واثنى عشر عضوًا، من بينهم حلمى عبدالباقى وكيل أول، وأحمد العيسوى وكيل ثانٍ، وخالد بيومى أمين الصندوق، وأحمد أبو المجد السكرتير العام، إضافة إلى د. علاء سلامة ومنصور هندى وعلى الشريعى ونادية مصطفى وأيمن أمين ومحمد صبحى، إلى جانب الموسيقار عاطف إمام قبل شطبه، ود. محمد عبدالله رئيس لجنة التحقيقات. بدا منقسمًا بشكل واضح، فبدلًا من التعاون ظهرت مجموعات متصارعة، وكل طرف يتهم الآخر بالتقصير أو الفساد أو المؤامرات، حتى أصبح كل عضو يخرج فى بث مباشر للدفاع عن نفسه واتهام خصومه. ومع احتدام الصراع، تصاعدت الأزمة بشكل أكبر بعد شطب الموسيقار عاطف إمام الذى رد قائلًا إنه تعرض لظلم واضح، وإن كل الاتهامات الموجهة إليه غير حقيقية، مؤكدًا أن خلافه مع النقيب جاء بسبب اتهامه بأنه يقوم بتسريب قرارات المجلس لأحد الصحفيين، واتهمنى بأننى متجاوز حد استخدام الحد الأقصى للإشاعات المرضية وهذا مخالف للائحة من وجهه نظره رغم أن اللائحة تجيز ذلك، ووصف إمام بأن ما حدث له هو نوع من الانتقام وليس نتيجة مستندات تثبت أى خطأ ارتكبه. لم يتوقف الأمر عند التصريحات، بل لجأ إمام للنيابة وتقدم ببلاغ رسمى ضد مصطفى كامل، مرفقًا بالفيديو الذى اعتبره إهانة علنية، ثم قدّم بلاغًا جديدًا اتهم فيه النقيب بمنعه من الحصول على نسخة من قرار مجلس التأديب لحرمانه من حق الطعن، وهو ما وصفه محاميه بأنه سلوك يتعارض مع القوانين النقابية، خاصة أن عاطف إمام عضو مجلس نقابة موسيقيين لأكثر من 32 عامًا متواصلًا ويتم انتخابه دوريًا كعضو فى المجلس، ووجه إمام سؤالًا للنقيب فى تحقيق رسمى فى مباحث الانترنت يحمل رقم 19 أحوال بتاريخ 19 نوفمبر2025، وبدورها حولت الموضوع للنيابة العامة اتهم إمام النقيب بالتشهير حين وصفه فى البث المباشر أنه «موت ناس» و«متحرش».
وفى وسط هذه العاصفة خرج وكيل النقابة الفنان حلمى عبدالباقى ليكشف جانبًا جديدًا من الخلافات، مؤكدًا فى بث مباشر أنه خدم النقابة فى أصعب الفترات، وأنه لا يقبل أن تتعرض سمعته للإهانة بعد انتشار تسجيل صوتى يحتوى على ألفاظ مسيئة موجهة إليه. وقال إنه ليس جزءًا من أى مؤامرة، وإن مناقشة البنود القانونية ليست خطيئة، وإن ما يحدث داخل النقابة تجاوز كل الحدود المقبولة، وتحول إلى نزاعات شخصية لا علاقة لها بخدمة الأعضاء أو حماية النقابة.
وبين كل تلك الصراعات، ظهرت الفنانة نادية مصطفى لتقدم واحدة من أهم وأخطر التصريحات فى الأزمة، إذ أعلنت عبر حسابها على فيسبوك أنها كانت أول من طالب بإحالة ملف الإسكان للنيابة العامة منذ اللحظة الأولى لإبداء النقيب شكوكه حول وجود مخالفات داخله، وأكدت أنها طلبت ذلك أكثر من مرة بشكل رسمى، لأنها ترى أن حماية أموال النقابة وحقوقها ليست اختيارًا بل واجب. وقالت إن مطلبها الأساسى قبل كل شيء كان إثبات الحقيقة الكاملة وإبراء ذمتها المهنية التى بنتها على مدار سنوات من العمل العام، وإنها لن تسمح بأن يبقى اسمها مرتبطًا بأى لبس أو شبهة، وأنها ستواصل السعى لمعرفة الحقيقة الكاملة باحترام كامل للإجراءات القانونية حماية للنقابة ولسمعتها ولمن وثقوا بها عبر سنوات طويلة.
أما مصطفى كامل نفسه فقد عاد للتصعيد وكتب منشورًا يؤكد فيه أنه جلس لخمس ساعات كاملة مع مجموعة من الشخصيات الفنية الكبيرة، وكان على وشك نشر فيديو يتضمن وثائق وصفها بأنها صادمة لو ظهرت، وأنها ليست مجرد أقوال بل مستندات حقيقية تكشف الكثير مما يجرى داخل النقابة. كما وجه اتهامات مباشرة للسكرتير العام أحمد أبوالمجد بالتقصير فى أداء مهامه، قائلًا إنه يغيب كثيرًا عن النقابة ولا يؤدى دوره كما ينبغى، وإن بعض أعضاء المجلس يحاولون خلق مناخ من الفوضى لتعطيل العمل وإسقاط النقابة من الداخل، بحسب تعبيره.
وهكذا باتت نقابة الموسيقيين اليوم تقف على صفيح ساخن لا يهدأ. مشهد متشابك من بلاغات وتسريبات وقرارات وخلافات شخصية وتراشقات علنية، وصراع على الهواء بين رموز يفترض أنهم يمثلون قمة الوعى الفنى والاحترام المؤسسى. النقابة التى حملت توقيع أم كلثوم يومًا وتحملت مسئولية حماية الموسيقى المصرية أصبحت الآن وسط عاصفة تهدد كيانها وسمعتها ومستقبلها، وبين تصريحات متبادلة وملفات تلوّح بالفساد وتهديدات بنشر وثائق، يبدو أن ما يجرى هو أخطر من مجرد خلافات، بل هو أزمة حقيقية تهدد واحدة من أهم مؤسسات الفن فى العالم العربى، ولا أحد يعرف إلى أين ستصل الأمور أو متى نجد نهاية لهذا المشهد المشتعل.