ترامب والعيد و«رُومى محظوظ».. قصة عفو تتجاوز القرون
يبدو المشهد وكأنه خروج قصير من جدية السياسة الأمريكية الثقيلة إلى هامش طريف لا يخلو من دلالات، إذ يجد البيت الأبيض نفسه كل عام واقفًا أمام ديك رومى يرتجف قليلا بينما يشرع الرئيس فى منحه عفوًا رئاسيًا احتفاليًا يختلط فيه الهزل بالتاريخ وتتمازج فيه الطقوس الشعبية مع حسابات الصورة العامة فى واحدة من أكثر العادات غرابة التى حافظت عليها الرئاسة الامريكية عبر العقود.
تواصل الرئاسة الأمريكية تقديم أحد أكثر الطقوس غرابة فى تاريخ البيت الأبيض، حين أصدر الرئيس ترامب عفوًا عن جوبل ووادل وهما ديكان روميان من ولاية كارولينا الشمالية يتمتعان بسجلات نظيفة كما تقول النكات السياسية التى تحيط بهذه المناسبة كل عام ليجرى تثبيت الطائرين فى سجل الطقوس الأمريكية التى تمتزج فيها السياسة بروح الدعابة الشعبية.
تعود هذه العادة التى تحولت إلى مشهد سنوى يتابعه الأمريكيون بقدر من المزاح والجدل إلى روايات متشابكة تخللتها احتجاجات ومقالب وجماعات ضغط كانت فى مرحلة من المراحل أكثر فاعلية من جماعات سياسية كبرى ويجمع المؤرخون على أن فهم هذا الطقس يتطلب تتبع جذوره التى امتدت من مزارع الشمال حتى أروقة السلطة فى واشنطن.
يروى التقليد القديم أن أبراهام لينكولن كان اول من أصدر عفوًا عن ديك رومى بعد ان تلقى طائرًا أهداه له أحد انصاره عام 1863 فاعترض تاد ابن لينكولن على ذبحه وطلب من والده أن يرحمه فاستجاب الرئيس واعلن فى العام ذاته عن أن الخميس الأخير من شهر نوفمبر سيصبح موعدا ثابتا للاحتفال بعيد الشكر وتتشبث الرواية اللاحقة بفكرة ان تلك اللحظة العائلية البسيطة أرست أساس عادة لم يتوقع أحد أن تبقى حية قرنا ونصف القرن.
لكن ثمة قصة أخرى تحاول انتزاع شرف البداية، إذ يشير بعض الباحثين إلى ان هارى ترومان كان اول من استقبل ديكًا روميًا فى احتفال رسمى داخل البيت الأبيض، فقد جاءت المناسبة فى مرحلة أعقبت الحرب العالمية الثانية حين كان ترومان يحث المواطنين على المشاركة فى حملة تسمى خميس بلا دواجن بهدف توفير الحبوب داخل البلاد الأمر الذى أشعل غضب قطاع صناعة الدجاج فأمطر البيت الأبيض بصناديق من الدجاج الحى فى حركة احتجاج اشتهرت باسم دجاج لهارى وكان على الرئيس حينها ان يوازن بين الضغط الشعبى واحتياجات البلاد الاقتصادية.
سعى الاتحاد الوطنى للديك الرومى بالتعاون مع المجلس الوطنى للدواجن والبيض إلى تهدئة الأجواء فأرسل إلى ترومان ديكًا روميًا يزن سبعة وأربعين رطلا ليظهر فى صورة رسمية صارت مرجعا تاريخيا ثم توالت السنوات على هذا التقليد حتى لحظة لافتة عام 1963 عندما تلقى جون كينيدى ديكا أبيض وزنه خمسة وخمسون رطلا وهو يحمل لافتة مكتوبًا عليها أكل جيد سيدى الرئيس، لكن كينيدى قرر منحه الحياة قائلًا: سنترك هذا الطائر ينمو وأعاده إلى مزرعته فى كاليفورنيا غير أن الحدث لم يأخذ حقه فى ذلك الوقت إذ اغتيل الرئيس بعد أيام قليلة فطغى المشهد الوطنى على كل ما عداه.
استقرت العادة فى شكلها الحديث خلال رئاسة جورج بوش الأب فى الذكرى المئوية الثانية لإعلان جورج واشنطن يوم عيد الشكر، حيث وقف بوش أمام الصحفيين ليعلن أن ضيفه الريشى المتوتر كما وصفه سيخرج آمنا وأن هذا الديك الرومى الرائع لن يجد نفسه فوق مائدة أحد كما قال مانحًا إياه عفوًا رئاسيًا رسميًا للمرة الاولى بهذا الوضوح وهذا الطابع الاحتفالى.
عاد البيت الابيض ليظهر بأجوائه نفسها هذا الاسبوع حين وقف ترامب فى حديقة الورود ليؤكد أن يوم العفو سيبقى مساحة للاحتفال الأسرى والبهجة الشعبية وأن الأمريكيين يستحقون لحظة سلام وسط الاضطرابات السياسية المتلاحقة وقال إنه يأمل أن يستمتع الجميع بصحبة عائلاتهم وأصدقائهم وأن يظل السلام والازدهار يباركان أرض الولايات المتحدة.
