هوامش
لم تكن تطلعات المصريين إلى الجمهورية الجديدة مجرد شعارات أو أحلام معلقة، بل كانت تصورًا وطنيًا شاملًا لدولة حديثة تُدار بآليات شفافة، وبمؤسسات قوية، وبمشهد سياسى يعكس طموحات مجتمع يسعى إلى التطور والاستقرار. غير أن الواقع الانتخابى الذى شهدته بعض الدوائر مؤخرًا لم يكن على مستوى هذا الطموح، وترك حالة من الاستياء العام بسبب ممارسات لا تليق بمستقبل دولة تعيد بناء نفسها.
كل شىء أصبح يباع ويُشترى حتى مقعد البرلمان صار له تسعيرة. هذه الظاهرة الخطيرة لا تُعد فقط اختزالًا للعمل السياسى فى منطق السوق، بل تمثل انحرافًا عن فلسفة القوائم التى يفترض أن تقوم على الكفاءة والتنوع وتمثيل أوسع لأطياف المجتمع، لا على قدرة المرشح المالية.
أما من اضطُر غير باغ ولا عادٍ لخوض الانتخابات بالنظام الفردى الذى يفترض نظريًا أنه ساحة تنافس سياسى مباشر قائم على الشعبية، عليه أن يدفع لشراء الأصوات تحت ضغط الرغبة فى الفوز وغياب المنافسة الحقيقية. وهكذا يتحول السباق من منافسة برامج وأفكار إلى مزايدات مالية.
تكرار هذه المظاهر يعكس حقيقة واحدة وهى أن المال السياسى أصبح اللاعب الأقوى، فى حين تتراجع الاعتبارات الطبيعية لأى عملية انتخابية مثل الثقة فى المرشح، وسمعته، وتاريخه، ومشروعه الخدمى.
إن ما يحدث ليس مجرد خلل عابر، بل تهديد صريح لفلسفة الجمهورية الجديدة، التى من المفترض أن تُبنى على محاور أساسية أهمها حياة سياسية ناضجة ومنافسة شريفة، ومؤسسات تحظى بالثقة العامة.
وحين يصبح المقعد النيابى التشريعى خاضعًا لميزان الذهب لا لميزان الكفاءة، تفقد العملية الديمقراطية معناها، ويتحول البرلمان من مؤسسة تشريع ورقابة وسُلطة إلى نادٍ اجتماعى يمنح الحصانة لأعضائه الذين استطاعوا إليه سبيلا.
الأخطر فى هذا المشهد، هو الأثر المعنوى على المواطن، فالمصرى الذى صبر على الغلاء وتحمل تبعات التعافى الاقتصادى وحلم بجمهورية أكثر عدلًا وشفافية، لا يمكن أن يتقبل بسهولة مشاهد شراء الأصوات، أو الحديث عن ملايين تدفع للترشح. هذه الممارسات تخلق فجوة بين المواطنين والعملية السياسية، وتؤدى إلى إحباط قد ينعكس سلبًا على المشاركة مستقبلًا.
إذا أردنا انتخابات تعبر عن «الجمهورية الجديدة» بحق، فلا بد من مراجعة نظام القائمة المطلقة المغلقة، أو ضبط آليات تشكيلها، ومواجهة المال السياسى بحزم عبر تطبيق صارم للقانون، ورفع سقف الشفافية والإفصاح عن الإنفاق الانتخابى.
لتأكيد أن المشاركة السياسية ليست تجارة ولا صفقة، بل مسؤولية وطنية.
الجمهورية الجديدة مشروع عظيم لا يليق به مشهد انتخابى ملوث بالمال السياسى، المطلوب أن تعود العملية الانتخابية إلى مسارها الطبيعى، حيث يفوز الأصلح وليس الأغنى، ويتم اختيار من يمثل الناس لا من يدفع أو يستطيع شراء الأصوات.