بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

هوامش

حين‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬المشهد‭ ‬بالجمهورية‭ ‬الجديدة

لم‭ ‬تكن‭ ‬تطلعات‭ ‬المصريين‭ ‬إلى‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة‭ ‬مجرد‭ ‬شعارات‭ ‬أو‭ ‬أحلام‭ ‬معلقة،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬تصورًا‭ ‬وطنيًا‭ ‬شاملًا‭ ‬لدولة‭ ‬حديثة‭ ‬تُدار‭ ‬بآليات‭ ‬شفافة،‭ ‬وبمؤسسات‭ ‬قوية،‭ ‬وبمشهد‭ ‬سياسى‭ ‬يعكس‭ ‬طموحات‭ ‬مجتمع‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬التطور‭ ‬والاستقرار‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬الانتخابى‭ ‬الذى‭ ‬شهدته‭ ‬بعض‭ ‬الدوائر‭ ‬مؤخرًا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬هذا‭ ‬الطموح،‭ ‬وترك‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الاستياء‭ ‬العام‭ ‬بسبب‭ ‬ممارسات‭ ‬لا‭ ‬تليق‭ ‬بمستقبل‭ ‬دولة‭ ‬تعيد‭ ‬بناء‭ ‬نفسها‭.‬

كل‭ ‬شىء‭ ‬أصبح‭ ‬يباع‭ ‬ويُشترى‭ ‬حتى‭ ‬مقعد‭ ‬البرلمان‭ ‬صار‭ ‬له‭ ‬تسعيرة‭. ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الخطيرة‭ ‬لا‭ ‬تُعد‭ ‬فقط‭ ‬اختزالًا‭ ‬للعمل‭ ‬السياسى‭ ‬فى‭ ‬منطق‭ ‬السوق،‭ ‬بل‭ ‬تمثل‭ ‬انحرافًا‭ ‬عن‭ ‬فلسفة‭ ‬القوائم‭ ‬التى‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الكفاءة‭ ‬والتنوع‭ ‬وتمثيل‭ ‬أوسع‭ ‬لأطياف‭ ‬المجتمع،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬قدرة‭ ‬المرشح‭ ‬المالية‭.‬

أما‭ ‬من‭ ‬اضطُر‭ ‬غير‭ ‬باغ‭ ‬ولا‭ ‬عادٍ‭ ‬لخوض‭ ‬الانتخابات‭ ‬بالنظام‭ ‬الفردى‭ ‬الذى‭ ‬يفترض‭ ‬نظريًا‭ ‬أنه‭ ‬ساحة‭ ‬تنافس‭ ‬سياسى‭ ‬مباشر‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬الشعبية،‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬لشراء‭ ‬الأصوات‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬الرغبة‭ ‬فى‭ ‬الفوز‭ ‬وغياب‭ ‬المنافسة‭ ‬الحقيقية‭. ‬وهكذا‭ ‬يتحول‭ ‬السباق‭ ‬من‭ ‬منافسة‭ ‬برامج‭ ‬وأفكار‭ ‬إلى‭ ‬مزايدات‭ ‬مالية‭.‬

تكرار‭ ‬هذه‭ ‬المظاهر‭ ‬يعكس‭ ‬حقيقة‭ ‬واحدة‭ ‬وهى‭ ‬أن‭ ‬المال‭ ‬السياسى‭ ‬أصبح‭ ‬اللاعب‭ ‬الأقوى،‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬تتراجع‭ ‬الاعتبارات‭ ‬الطبيعية‭ ‬لأى‭ ‬عملية‭ ‬انتخابية‭ ‬مثل‭ ‬الثقة‭ ‬فى‭ ‬المرشح،‭ ‬وسمعته،‭ ‬وتاريخه،‭ ‬ومشروعه‭ ‬الخدمى‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬خلل‭ ‬عابر،‭ ‬بل‭ ‬تهديد‭ ‬صريح‭ ‬لفلسفة‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة،‭ ‬التى‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تُبنى‭ ‬على‭ ‬محاور‭ ‬أساسية‭ ‬أهمها‭ ‬حياة‭ ‬سياسية‭ ‬ناضجة‭ ‬ومنافسة‭ ‬شريفة،‭ ‬ومؤسسات‭ ‬تحظى‭ ‬بالثقة‭ ‬العامة‭.‬

وحين‭ ‬يصبح‭ ‬المقعد‭ ‬النيابى‭ ‬التشريعى‭ ‬خاضعًا‭ ‬لميزان‭ ‬الذهب‭ ‬لا‭ ‬لميزان‭ ‬الكفاءة،‭ ‬تفقد‭ ‬العملية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬معناها،‭ ‬ويتحول‭ ‬البرلمان‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭ ‬تشريع‭ ‬ورقابة‭ ‬وسُلطة‭ ‬إلى‭ ‬نادٍ‭ ‬اجتماعى‭ ‬يمنح‭ ‬الحصانة‭ ‬لأعضائه‭ ‬الذين‭ ‬استطاعوا‭ ‬إليه‭ ‬سبيلا‭.‬

الأخطر‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المشهد،‭ ‬هو‭ ‬الأثر‭ ‬المعنوى‭ ‬على‭ ‬المواطن،‭ ‬فالمصرى‭ ‬الذى‭ ‬صبر‭ ‬على‭ ‬الغلاء‭ ‬وتحمل‭ ‬تبعات‭ ‬التعافى‭ ‬الاقتصادى‭ ‬وحلم‭ ‬بجمهورية‭ ‬أكثر‭ ‬عدلًا‭ ‬وشفافية،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتقبل‭ ‬بسهولة‭ ‬مشاهد‭ ‬شراء‭ ‬الأصوات،‭ ‬أو‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬ملايين‭ ‬تدفع‭ ‬للترشح‭. ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬تخلق‭ ‬فجوة‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬والعملية‭ ‬السياسية،‭ ‬وتؤدى‭ ‬إلى‭ ‬إحباط‭ ‬قد‭ ‬ينعكس‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭ ‬مستقبلًا‭.‬

إذا‭ ‬أردنا‭ ‬انتخابات‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الجمهورية‭ ‬الجديدة‮»‬‭ ‬بحق،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬مراجعة‭ ‬نظام‭ ‬القائمة‭ ‬المطلقة‭ ‬المغلقة،‭ ‬أو‭ ‬ضبط‭ ‬آليات‭ ‬تشكيلها،‭ ‬ومواجهة‭ ‬المال‭ ‬السياسى‭ ‬بحزم‭ ‬عبر‭ ‬تطبيق‭ ‬صارم‭ ‬للقانون،‭ ‬ورفع‭ ‬سقف‭ ‬الشفافية‭ ‬والإفصاح‭ ‬عن‭ ‬الإنفاق‭ ‬الانتخابى‭.‬

لتأكيد‭ ‬أن‭ ‬المشاركة‭ ‬السياسية‭ ‬ليست‭ ‬تجارة‭ ‬ولا‭ ‬صفقة،‭ ‬بل‭ ‬مسؤولية‭ ‬وطنية‭.‬

الجمهورية‭ ‬الجديدة‭ ‬مشروع‭ ‬عظيم‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬به‭ ‬مشهد‭ ‬انتخابى‭ ‬ملوث‭ ‬بالمال‭ ‬السياسى،‭ ‬المطلوب‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬العملية‭ ‬الانتخابية‭ ‬إلى‭ ‬مسارها‭ ‬الطبيعى،‭ ‬حيث‭ ‬يفوز‭ ‬الأصلح‭ ‬وليس‭ ‬الأغنى،‭ ‬ويتم‭ ‬اختيار‭ ‬من‭ ‬يمثل‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬يدفع‭ ‬أو‭ ‬يستطيع‭ ‬شراء‭ ‬الأصوات‭.‬

 

[email protected]