حافز التعليم.. اتهامات بالتمييز وعدم العدالة
معلمون يعيشون صدمة مهنية صامتة تعصف باستقرار المدارس
الأساتذة يصرخون: تعبنا يتسجل بالنصف... والامتيازات تذهب لغير المستحقين
إسراء سمير تحلل أوجاع الميدان: الأذى النفسى يلتهم طاقة المدرسين ويهدد جودة التعليم
فى قلب النظام التعليمى المصرى، وبين دفاتر الحضور وأروقة المدارس، يختبئ جدل طويل حول حقوق المعلمين واللإخصائيين والإداريين. أحدث هذه الجدل قرار رئيس مجلس الوزراء رقم ٤٠٤٩ لسنة ٢٠٢٥، المتعلق بتقرير حافز تدريس وحافز إدارة مدرسية إضافى لبعض أعضاء هيئة التعليم.
جاء القرار محدداً شروط الاستحقاق، على أن يصرف المبلغ لمدة ثمانية أشهر اعتباراً من نوفمبر ٢٠٢٥ بقيمة ألف جنيه شهرياً، وأن يرتفع المبلغ إلى ألفى جنيه شهرياً لمدة تسعة أشهر اعتباراً من أكتوبر ٢٠٢٦، لكن بين سطور هذا القرار وأرقام المستحقات تكمن قصة طويلة من الإحباط والغضب بين المعلمين الذين يشعرون بأن حقوقهم طبقت بشكل غير عادل وأن الفجوة بين المستحقين وغير المستحقين ما زالت كبيرة.
مونيـرا سمير، إحدى المعلمات، عبرت بصراحة عن مشاعرها التى يشاركها كثيرون قائلة إن هذا القرار ظلم مستمر لا يمكن السكوت عنه، وأن الحقد والضغينة كلها مرتبطة بالمال فقط. طوال حياتنا ضاعت حقوقنا بسبب مدرسين الدروس الخصوصية ومعلمى الأنشطة والأخصائيين والإداريين الذين لم يقوموا بالتدريس المباشر ومع ذلك يحصلون على بعض المستحقات، بينما المعلمون المتحملون عبء التعليم المباشر يجدون أنفسهم محرومين جزئياً أو كلياً. وهذه الفجوة بين الفئات المختلفة فى التعليم جعلت الحافز الجديد رمزاً للتمييز وليس للتقدير، وهو ما يثير غضب المعلمين ويجعلهم يطالبون بالعدالة والمساواة فى جميع المستحقات المالية.
صورة أخرى من القلق والإحباط ينتاب الخارجين من جنة مكافأة التقييم، حيث تقدم المعلمون والمعلمات بمناشدة عاجلة إلى قيادات التعليم الفنى لإعادة النظر فى قرار نقل المهندس عصام جمال، الذى كان له دور محورى فى استقرار المدرسة وتنظيم العملية التعليمية ورفع مستوى الطالبات.
وأوضحوا فى مناشدتهم أن وجود المهندس عصام داخل المدرسة كان سبباً فى رفع الروح المعنوية لدى المعلمين والطالبات، وأن قرار النقل بشكل تعسفى أدى إلى حالة من القلق العام قد تؤثر سلباً على العملية التعليمية، داعين إلى إلغاء أو تعديل القرار للحفاظ على الاستقرار داخل المدرسة، وتكشف هذه المناشدة عن وجه آخر لمعاناة العاملين فى التعليم، حيث إن القرارات الإدارية، مهما كانت صغيرة، تؤثر مباشرة على الجو التعليمى وأداء المعلمين والطلاب على حد سواء.
جدالات القرار المالى لم تقف عند حد الحافز، بل وصلت إلى مطالب أوسع لدى المعلمين، فقد أكد المدرب شايمة إلسحيماء أن ما يحدث يمثل مهانة مستمرة لكل العاملين بالتربية والتعليم، وأنه بدلاً من وضع شروط لاستحقاق الحافز أو عدمه، المفروض أن تعمل النقابة على رفع الظلم عن الجميع والمطالبة بصرف المرتب على أساس ٢٠٢٥ كأساسى، وأى كلام غير ذلك يعتبر إهانة للمعلمين. ويشير هذا الغضب إلى أن الحافز، بدلاً من أن يكون حلاً، أصبح مادة إشعال لغضب قديم، إذ يرى المعلمون أن سنوات من خصومات الرواتب وعدم المساواة فى الحوافز والعلاوات قد أضاعت حقوقهم ولم تعالج بطريقة عادلة.
القضية الأساسية التى يثيرها المعلمون هى الفجوة بين الفئات المختلفة فى التعليم، حيث يحصل معلمو الدروس الخصوصية والإداريون والإخصائيون الذين لم يقوموا بالتدريس المباشر أحياناً على حوافز متساوية، بينما المعلمون الذين يتحملون عبء التعليم اليومى يجدون أنفسهم محرومين جزئياً أو كلياً. تعكس مونيـرا سمير هذا الشعور بوضوح، مؤكدة أن عملهم وجهدهم طوال العام يحتسب بالنصف، بينما الذين لم يقدموا أى شىء يحصلون على كامل المميزات، وهو ما يجعل الحافز رمزاً للتمييز والظلم المستمر، ويزيد من الشعور بالإحباط والاحتقان بين المعلمين.
على الرغم من أن الحافز يهدف إلى تشجيع المعلمين وتحفيزهم على تقديم أفضل ما لديهم، إلا أن طريقة التطبيق والتمييز بين الفئات جعلته رمزاً للصراع المستمر بين المعلمين والإدارة. والقصة هنا ليست مجرد أرقام ودفاتر حسابات، بل مشاعر إحباط، وشعور بعدم العدالة، ونداءات مستمرة للمساواة والإنصاف. كما يظهر من المناشدات الرسمية، فإن الجانب الإدارى والمالى مرتبط بشكل وثيق باستقرار العملية التعليمية، وأى قرار مالى أو إدارى قد يؤدى إلى اضطراب معنوى بين المعلمين ويؤثر مباشرة على جودة التعليم الذى يتلقاه الطلاب.
من خلال هذه الأحداث، يتضح أن المعلمين يطالبون بمراجعة الحافز بشكل عادل يشمل جميع الفئات دون استثناء أو تمييز، وصرف المرتبات على أساس ٢٠٢٥ كأساسى لكل العاملين، وليس مجرد علاوات جزئية، مع تثبيت واستقرار الإدارات المدرسية لمنع أى تأثير سلبى على العملية التعليمية، وإشراك النقابات التعليمية والجهات الرقابية لضمان العدالة والمساواة. وفى النهاية، يعكس هذا التقرير قصة صراع طويل بين الحقوق والتمييز، بين العدالة والمجاملات المالية، وبين المعلم الذى يكد والمعلم الذى يستثنى، حيث أصبح الحافز ليس مجرد مبلغ مالى، بل رمز لمعركة مستمرة على الكرامة والعدالة والاستقرار داخل مدارس مصر.
لم تتوقف أصوات الغضب عند الحافز المالى وحده، بل امتدت لتشمل جميع أشكال التمييز الوظيفى داخل منظومة التعليم، والمعلمون يروون تجاربهم اليومية التى تصيبهم بالإحباط، من فرق شاسع بين من يتقاضى المرتب الأساسى حسب الجدول الجديد وبين من ظل مرتبهم على القديم منذ سنوات، إلى خصومات غير مبررة على الإجازات والمستحقات الإضافية، يقول أحد المعلمين الذين رفضوا ذكر أسمائهم إنهم يشعرون بأن عملهم يستهان به بشكل يومى، وأن كل جهودهم فى تحضير الدروس وتنظيم النشاط الطلابى لم تقابل بعدالة مالية أو معنوية، بينما بعض الزملاء يحصلون على حوافز كاملة دون أن يتحملوا الضغوط والمسئوليات نفسها.
إن الموضوع لا يقتصر على المال، بل يمتد إلى القرارات الإدارية التى تؤثر مباشرة على استقرار المدارس وسير العملية التعليمية، موظفون وإداريون يشتكون من نقل زملاء مهمين دون سبب واضح كما حدث فى حالة المهندس عصام جمال، حيث يشعر المعلمون بأن أى قرار يتخذ دون مشورة أصحاب الخبرة داخل المدرسة قد يقلب نظام العمل رأساً على عقب، وبعض المدارس تشهد اضطرابات نتيجة هذه القرارات التعسفية، وتجد إدارة المدرسة نفسها مضطرة لملء الفراغ بسرعة، الأمر الذى يؤثر على جودة التعليم ويزيد من شعور المعلمين بالإحباط والقلق المستمر.
العديد من المعلمين يشيرون أيضاً إلى التفاوت فى توزيع الدورات التدريبية وحضور الورش التعليمية، حيث يتم اختيار بعض المعلمين فقط دون مبرر واضح، فى حين تحرم فئات أخرى من فرص تطوير مهاراتهم، هذا التمييز يتجلى أيضاً فى منح الدرجات الإشرافية والمكافآت السنوية، الأمر الذى يزيد الفجوة بين المعلمين ويخلق حالة من الاحتقان المستمر داخل المدارس، خاصة أن الجميع يعمل تحت نفس الضغط والمسئولية تجاه الطلاب.
الجانب النفسى للمعلمين أصبح واضحاً، حيث يقول البعض إنهم يشعرون بالإهمال وعدم التقدير، وكأن عملهم اليومى يقاس بأرقام الحوافز وليس بالجهد المبذول والتأثير الإيجابى على الطلاب، المعلمون يروون أيضاً أن التعامل مع بعض الإدارات يكون قاسياً أحياناً، وأن شكواهم عن الظلم المالى والإدارى تسجل على الورق فقط دون أن تجد آذاناً صاغية، ما يضاعف إحساسهم بالمهانة ويجعلهم يفكرون فى ترك مهنة التعليم التى اعتبروها رسالة قبل أن تكون وظيفة.
وفى مدارس أخرى، يشير المعلمون إلى حالات من التمييز بين العاملين، مثل فرق التعامل مع المعلمين الجدد مقابل القدامى، أو بين المدرسين الذين يقدمون دروساً مباشرة وأولئك الذين يشرفون على الأنشطة، فى حين يمنح الجميع نفس الحوافز جزئياً أو كلياً، ما يخلق شعوراً بالغضب وعدم العدالة، هذه التجارب اليومية تجعل مطالب المعلمين واضحة: صرف المرتب على أساسى ٢٠٢٥ دون استثناء، وتفعيل الحوافز بشكل عادل للجميع، وإعادة النظر فى أى قرارات نقل أو تغييرات إدارية تعسفية، لضمان الاستقرار داخل المدارس وحماية المعلمين من الشعور بالظلم المستمر.
فى النهاية، ما يعكسه هذا الغضب المستمر ليس مجرد مطالبة مالية، بل صرخة من أجل العدالة والمساواة داخل المدارس، حيث يكد المعلمون سنوات ويأملون أن يقابل كدهم بالإنصاف، وألا تهدر حقوقهم بسبب سياسات غير واضحة أو محاباة للبعض على حساب الآخرين، هم يطالبون بتطبيق القوانين بصرامة، ومراقبة دقيقة من قبل وزارة التعليم، والنقابات المختصة لضمان عدم تكرار مثل هذه التجاوزات، بما يضمن للطلاب تعليماً مستقراً وللمعلمين حقوقهم كاملة دون تمييز.
تقول إسراء سمير، استشارى علم النفس، إن حرمان عدد من العاملين فى التربية والتعليم من مكافأة التقييم لا يعد مجرد أزمة إدارية أو مالية، بل هو حالة أذى نفسى متكاملة الأبعاد، تنعكس بقوة على الاستقرار الداخلى للفرد وعلى أدائه المهنى، خصوصاً داخل بيئة حساسة مثل المدارس. وترى أن ما يمر به هؤلاء الموظفون هو شكل من أشكال الإحباط المزمن الذى يتولد عندما يشعر الشخص بأن جهده لم يقدر أو لم يعترف به رغم سنوات من العمل والانضباط.
وتوضح إسراء أن العاملين فى التربية والتعليم ينتمون إلى فئة تتحمل ضغوطاً مضاعفة بطبيعة عملها، إذ يتعاملون يومياً مع احتياجات الطلاب، ومسئوليات التحضير والمتابعة والانضباط المدرسى، ثم يعودون إلى منازلهم ليواجهوا ضغوطاً أسرية لا تقل ثقلاً. وحين يفاجأ الموظف بحرمانه من مكافأة التقييم، فإن ذلك يمس إحساسه بالعدالة، وهو عنصر نفسى جوهرى يؤثر مباشرة على طاقته ودوافعه.
وتشير إلى أن الشعور بالظلم أو التهميش يخلق ما يعرف بالصدمة المهنية الصامتة، وهى حالة لا يظهر فيها الانهيار الخارجى، لكن يتكون بداخل الفرد إحساس بالخذلان والمرارة وعدم الثقة. هذه الحالة تدفع البعض إلى مقارنة أنفسهم بزملائهم، خصوصاً من حصلوا على المكافأة، ما يولد نوعاً من الغيرة المهنية، أو ما يسمى «الغيرة التنظيمية». وتوضح أن هذه الغيرة ليست ناتجة عن الحسد الشخصى، بل عن فقدان الاتزان الداخلى والشعور بأن الجهد لا يساوى التقدير.
وتضيف إسراء أن الضغط الأسرى يلعب دوراً حرجاً فى تضخيم الأزمة. فالموظف الذى يعتمد على المكافأة فى مصروفات الأسرة أو سداد التزامات مالية سيشعر بأن الوضع خرج عن سيطرته، ما يؤدى إلى توتر أسرى قد ينتقل بدوره إلى المدرسة. وتؤكد أن انتقال الضغوط من البيت إلى العمل ومن العمل إلى البيت هو من أكثر الدوائر النفسية خطورة، لأنها تستنزف الطاقة النفسية وتضعف التركيز وتزيد الانفعال.
وتحذر من أن استمرار هذه الحالة دون تدخل فعال ينعكس سلباً على أداء العاملين داخل المدارس. فالمعلم أو الإدارى الذى يشعر بالإحباط المزمن يصبح أقل قدرة على الاحتواء، وأكثر حساسية تجاه المواقف البسيطة، وقد يفقد حماسه للمبادرات أو الأنشطة. وتشير إلى أن السلوكيات السلبية التى قد تظهر– مثل الانسحاب، التجنب، أو المزاج المتوتر– ليست ضعفاً مهنياً، بل رد فعل نفسى طبيعى تجاه الإحباط وفقدان التقدير.
وتؤكد إسراء سمير أن الحل لا يقتصر على معالجة الجانب الإدارى، بل يبدأ من منح العاملين مساحة للتعبير عن مشاعرهم، والاعتراف بوجود أزمة نفسية حقيقية، إلى جانب توفير جلسات دعم نفسى جماعى داخل المدارس، تساعد الموظفين على إعادة بناء الثقة بأنفسهم وبمؤسساتهم. كما تنصح بإشراك المتضررين فى قرارات تطوير الأداء، وإعادة تقييم آليات المكافآت بشكل شفاف، لأن إحساس الموظف بالعدالة أهم من المكافأة نفسها.
وتختتم قائلة إن: «العامل فى التربية والتعليم ليس مجرد موظف، بل هو جزء من منظومة تنشئة جيل كامل. وعندما يتعرض للأذى النفسى، ينعكس ذلك على المدرسة والطلاب والمجتمع. لذلك، فإن احتواء العاملين، ودعمهم، وتقدير جهودهم، ليس رفاهية... بل ضرورة تربوية ونفسية لضمان جودة التعليم واستقرار البيئة المدرسية».
