في توشكي.. هنا يتداوى المرضى تحت سقف مهدد بالسقوط
في قلب الصحراء الجنوبية، حيث تمتد مشروعات التنمية القومية وتُرفع شعارات "الجمهورية الجديدة"، يقف مبنى صغير في توشكي شاهدًا على معاناة لا صوت لها.
الوحدة الصحية بقرية توشكي شرق التابعة لمحافظة أسوان، التي يفترض أن تكون ملاذا للمرضى مصدرًا للعلاج، أصبحت اليوم خطرًا يهدد حياة كل من يدخلها مريضًا كان أم طبيبًا.
مبنى فقد عافيته:
عند أول نظرة إلى مبنى الوحدة، تبدو التشققات واضحة على الجدران، والسقف يعاني من التآكل، فيما تتدلى منه قطع الجبس المهترئة.
الأبواب الخشبية مكسورة، النوافذ مخلعة، أرضية الغرف متشققة، وبعض الجدران مائلة بشكل يثير الفزع.
ورغم ذلك، لا يزال المبنى يستقبل عشرات المرضى يوميًا من القرى المجاورة، الذين لا يجدون بديلًا عن هذه الوحدة التي تخدم مساحة جغرافية شاسعة.
تقول إحدى الممرضات التي تعمل بالمكان منذ أكثر من عشر سنوات: كل يوم ندخل الوحدة وإحنا خايفين، سقف غرفة الكشف بيتساقط منه الجبس، والمطر في الشتاء بيغرق العيادات، ومع ذلك بنحاول نخدم الناس قدر المستطاع.
المرضى بين الخطر والعوز:
داخل ساحة الانتظار الصغيرة، يجلس المرضى على مقاعد حديدية صدئة، يحملون أوراقًا وأدويةً بسيطة، وبعضهم يضع قطعة قماش على رأسه لتجنب ما قد يسقط من السقف.
يقول أحد المواطنين من قرية مجاورة: الوحدة دي المفروض تكون للعلاج، لكنها بقت خطر علينا، ومع ذلك مضطرين نجي، أقرب مستشفى على بعد أكثر من 40 كيلومتر، والمواصلات قليلة.
أما أم رحمة، وهي سيدة في الستين من عمرها، فتقول وهي تمسك بيد حفيدها: الولد سخن من امبارح، وجيت بيه الصبح بدري، عارفه إن المكان خطر، بس أروح فين؟ مافيش وحدة تانية ولا حتى دكتور خاص قريب.
خدمات محدودة.. وكوادر تعمل بالإصرار:
تعاني الوحدة من نقصٍ حاد في الكوادر الطبية والمستلزمات، لا يوجد سوى طبيب واحد يتناوب في أيام محددة، إضافة إلى ممرضة وفني تحاليل، غرفة الطوارئ بلا تجهيزات كافية، وجهاز الضغط معطل منذ أسابيع.
يقول الطبيب الشاب العامل بالوحدة: نحاول نعمل اللي نقدر عليه، لكن الإمكانيات ضعيفة جدًا، مبنى قديم متهالك، لا يصلح لاستقبال الحالات الحرجة، أحيانًا أضطر أكتب تحويل عاجل للمستشفى العام، وأخاف على المريض في الطريق.
البيئة لا تصلح.. ولا الصيانة تصل:
على الرغم من الشكاوى المتكررة التي رفعها الأهالي للوحدة المحلية ومديرية الصحة بأسوان، فإن الوضع لم يتغير.
كما يقول الأهالي: "تمت أكثر من مرة، لكن دون خطوات عملية تُذكر، في كل مرة، يتم تسجيل الملاحظات، ثم يعود الصمت من جديد".
يقول أحد كبار القرية: “قدّمنا طلبات كتير لترميم الوحدة أو بناء جديدة، لكن كل مرة نسمع وعود. المبنى خلاص انتهى عمره الافتراضي، عايزين حل قبل ما تحصل كارثة.
الجنوب يستحق حياةً آمنةً:
توشكي ليست مجرد اسم في خريطة الجنوب، بل حلم قومي بدأ منذ التسعينيات ليكون رمزًا للزراعة والتنمية.
ولكن كيف تتحقق التنمية الشاملة في ظل خدمات صحية متهالكة تهدد حياة المواطنين؟
صحة الإنسان هي أساس أي نهضة، وأي خلل في هذا الأساس يُفقد المشاريع قيمتها ومعناها.
من هنا، يوجه أهالي توشكي صوتهم إلى: وزارة الصحة والسكان لسرعة إرسال لجنة هندسية لفحص المبنى، واتخاذ قرار عاجل بالترميم أو الإحلال، ومحافظة أسوان لضم الوحدة إلى خطة التطوير العاجلة للمناطق النائية.
فالوحدة الصحية في توشكي لم تعد تحتمل الانتظار، والمرضى لا يمكنهم المداواة تحت سقف مهدد بالسقوط.
إنها صرخة باسم الإنسانية قبل أن تكون مطلبًا خدميًا: أنقذوا وحدة توشكي الصحية.. قبل أن تتحول من مكان للعلاج إلى شاهد على الإهمال.