تفسير قوله تعالى "فاعتزلوا النساء في المحيض"
اختلف العلماء في معنى المحيض، وقالوا: المحيض يأتي مصدراً ويأتي اسماً للمكان، يعني: هو مشترك يقصد به محل الدم، أو زمن حضور الدم.
1-القول الأول: المحيض هنا اسم للمحل، يعني: اعتزلوا محل الحيض، وهو الفرج، وأصحاب هذا القول يقولون: يجوز للرجل أن يباشر امرأته في الفرج دون إيلاج وفي غير الفرج؛ لأن الأمر بالاعتزال في الآية يتعلق بمحل الحيض، يعني: في الفرج، فقالوا: يجوز للرجل أن يقبل ويضم ويفاخذ، ويباشر تحت السرة وعند الفرج دون أن يلج، وإنما المحرم عليه فقط هو الإيلاج، قالوا: الدليل قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:٢٢٢].
يعني: اعتزلوا مكان الحيض، وهو الفرج فقط، أو اعتزلوا إدخال الفرج في الفرج، أما غير ذلك فلك أن تتمتع بزوجتك كما شئت، قالوا: وعندنا من السنة ما يعضد هذا المعنى، وهو حديث أنس رضي الله عنه وأرضاه الصحيح الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اصنعوا كل شيء سوى النكاح) قوله: (سوى النكاح) ليس معناه: سوى العقد، وإنما يعني: سوى الوطء، بقرينة أنها زوجته، ومعنى الحديث: اصنع كل شيء قبل باشر ضم فاخذ، قالوا: وهذا دليل من أظهر ما يكون.
2-القول الثاني: للحنابلة والظاهرية، وهؤلاء قالوا: إن معنى قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:٢٢٢] يعني: زمن الحيض، أي: ألا يباشر امرأته وهي حائض؛ لكن نحن نخصص عموم عدم المباشرة بما فوق السرة، أي: له أن يباشر فوق السرة وتحت الركبة، وقالوا: وهذا المعنى يعضده ما ورد في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا وهي حائض- يعني: زمن المحيض- أن تتزر، فيباشرها من فوق الإزار) وورد في بعض الآثار التي فيها كلام أن الأمر بالمباشرة كان فوق الإزار.
فقالوا: هذا دليل أيضاً على أن المعنى: لا تقربها زمن المحيض.
2-ومن الأمثلة:اختلافهم في هل يجوز للرجل أن يتزوج امرأة قد زنا بها أبوه من قبل؟
و منشأ الخلاف هنا الاشتراك في لفظ"النكاح" من قوله تعالى (و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم)
فلفظ "النكاح" يأتي بمعنى: العقد ،و يأتي بمعنى:الوطء
فمن حمله على المعنى الأول أي:العقد ،أجاز للابن أن يتزوج امرأة قد زنا بها أبوه و تابت ،و هذا مذهب الشافعية.
و من حمله على المعنى الثاني ،أي:الوطء ،حرم على الرجل أن يتزوج امرأة قد زنا بها أبوه ،فيكون معنى قوله تعالى (و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم) أي لا تنكحوا ما وطء آباءكم،و هذا مذهب الجمهور.