ﻓﺨﺮﻳﺎت
ما هذا الجمال والجلال، وما هذا الضبط والإتقان، وما هذا التجلى والتحلى، وما هذا الرقى والارتقاء.. كل هذا خيرك يا مصر؟!.. والله إنك لبلاد عامرة فعلًا، أخاذة فعلًا، مبهرة فعلًا، كنانة الله فعلًا.. وصدقوا أولئك الذين قالوا فيها: مصر أم الدنيا.. وأضيف إليهم: إن مصر أم الدنيا وأبوها وجدها وجدتها، إنها أصلها الأصيل، ومشهدها الجميل.. إنها التاريخ فى وطن، وهى الجمال فى أفق العالم، وهى الرمز الحقيقى المنير للوجود.
ولَّادة أنت يا بلادى ما فى ذلك من شك.. ففى زمن تعالت فيه أصوات الناس - وأنا منهم - بأن زمن أساطير التلاوة قد انقضى وفات، ومرَّ وما عاد، وما له أن يعود بعد أن طغى الغث وساد.. أقول كنا قد اتفقنا كمصريين بشكل غير معلن على أن زمن الشيخ رفعت والحصرى وعبدالباسط والبنا والمنشاوى ومصطفى إسماعيل.. وغيرهم قد انتهى وذهب إلى غير عودة، فقد كان فلتة من عمر الزمان، وكان منحة من نَفَس الرحمن.
فى ظل هذه الأجواء يخرج علينا برنامج «دولة التلاوة» بحلاوته، وطلاوته، ومتعته، وروعته، وجاذبيته.. بارك الله فى صاحب فكرته، وأجزل العطاء لكل القائمين على نشأته واستمراريته، والمنشغلين بتطويره، والساعين إلى تقويته.. إنه برنامج جعل الأسرة المصرية تتحلق حوله فى صمت، وخشوع، وانبهار، واستمتاع.
لم تتحلق الأسر المصرية حول عمل تليفزيونى بهذا الشكل منذ أيام برنامج «العلم والإيمان» للعبقرى مصطفى محمود، أو فيلم «عمر المختار»، وكذلك منذ «ليالى الحلمية» للعبقرى أسامة أنور عكاشة، ومعهما مسلسل «أرطغرل» هذا العمل التركى الذى يحكى قصة فترة مضيئة من فترات تاريخ الإسلام الزاهر المضىء.
إن «دولة التلاوة» ليس عبقرية فردية، بل هو عبقرى الفكرة، وعبقرى الإخراج، والتقديم، والتعليق.. أبطاله الحقيقيون هم هؤلاء الشباب الذين أتيحت لهم فرصة يستحقونها بكل جدارة واقتدار.. إنهم شباب من نور، يمثلون العقد المنثور، والجمال المسطور.. لو كان الأمر بيدى لكافأتهم جميعًا وما خذلت أحدًا منهم أبدًا.
لقد جاء برنامج «دولة التلاوة» ليشعرنا بالجمال فى زمن القبح الإعلامى، والجعير التليفزيونى، والنهيق الغنائى.. فعلى رسلكم رجال التلاوة وعباقرة الأداء.. لقد تجاوزتم فى قلوبنا، ونفوسنا، وضمائرنا حد الإبهار.. إنكم ضياء فى عتمة، وطاقة نور فى ظلام قاتم، بكم أبنائنا الأعزاء عادت ثقة المشاهد المصرى فى إعلامه، ولولاكم لتعاظم صد المشاهد عن متابعة الغث المتواصل، والعفن المتلكس الذى تبثه القنوات كلها، العامة منها والخاصة على السواء.. فلا للاكتفاء بأى عدد من حلقات هذا البرنامج، ولا للإعلان عن انتهائه فى أول رمضان.
وخالص التحية لكل من يدعم هذا العمل ويباركه.. إنه من الأعمال التى تقول للمشاهد لا تبتئس فلا يزال فى وطننا شىء جميل.. وأظن أن هذا البرنامج ستقلده بلاد أخرى، وستنظر إليه أمم مغايرة بعين الغبطة وربما الحسد.. لتظل مصر قائدة قوافل العطاء.. وأنموذج التوهج والإبهار.. سلمت ياوطن.
أستاذ الثقافة والدراسات الإسلامية