وسيلة رزق الفقراء.. أم صُداع فى رأس الحكومة؟
وراء كل جريمة «توك توك»
السائقون يصرخون "البلطجية شو هوا سمعتنا"
من الأزقة إلى القوانين.. رحلة بين الفوضى والتنظيم
أستاذ إدارة محلية: 4 ملايين و711 الف مركبة لم يُرخص منها سوى 289 ألفا
قانونية: حبس 6 أشهر عقوبة من يقود مركبة بدون رخصة مع التحفظ عليها
فى خطوة طال انتظارها لمحاصرة فوضى «التوك توك» التى تحوّلت إلى صداعٍ مزمن فى شوارع العاصمة، أصدر الدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة، قرارًا بحظر سير مركبات «التوك توك» فى الشوارع والمحاور الرئيسية، واقتصار حركتها على الطرق الفرعية داخل الأحياء. قرارٌ وصفه المواطنون بأنه خطوة جريئة نحو استعادة هيبة الطريق والنظام المفقود، آملين أن يمتد تطبيقه إلى محافظة الجيزة وسائر المحافظات التى تعانى من المشهد نفسه.
فقد أصبحت مركبة «التوك توك» – رغم أهميتها فى بعض المناطق الشعبية – عنوانًا للعشوائية، وذريعة خلف كثير من الجرائم والمخالفات، من خطف وسرقة وتحرش وحتى نقل مواد محظورة، وسط غياب للرقابة وصعوبة تتبعها. القرار الجديد يلزم رؤساء الأحياء بحصر الشوارع والمحاور التى يُحظر فيها السير، لتكون دليلًا واضحًا أمام الحملات الأمنية التى ستتولى ضبط المخالفين والتحفظ على المركبات، تمهيدًا لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقها.
ويبقى السؤال المطروح: هل تكون هذه بداية حقيقية لتنظيم منظومة «التوك توك»، أم ستبقى الحملات مجرّد «حملات موسمية» تهدأ سرعان ما تبدأ؟ القاهرة بدأت الخطوة الأولى، والعيون تتجه الآن إلى الجيزة وبقية المحافظات، لعلها تحذو حذو العاصمة فى معركة استعادة الشارع المصرى من فوضى «التوك توك». وراء هذه الفوضى تكمن مجموعة من الأسباب التى جعلت «التوك توك» يتحول من وسيلة نقل إلى ظاهرة اجتماعية وأمنية، فسهولة الحصول عليه دون اشتراطات صارمة جعلته الملاذ الأول للشباب العاطلين عن العمل، إذ يمكن لأى شخص أن يقوده دون ترخيص أو تدريب.
حجم «التوك توك» الصغير يمنحه ميزة الحركة فى الشوارع المزدحمة، فيتسلل حيث لا تستطيع السيارات المرور، لكن هذه الميزة نفسها جعلته وسيلة للهروب من أعين الأمن، ما أدى إلى استغلاله فى أعمال خارجة عن القانون، من سرقات وتحرشات إلى نقل ممنوعات أو استخدامه فى مشاجرات واعتداءات.
مآسى سائقى «التوك توك»: «دائمًا السئية تعم»
بين ضجيج السيارات وازدحام المواصلات، ينساب مشهد مألوف لمركبة صغيرة ثلاثية العجلات تُعرف باسم «التوك توك»، لم يعد هذا المشهد مجرد تفصيلة من تفاصيل الأحياء الشعبية، بل أصبح علامة فارقة على واقع اجتماعى واقتصادى معقد، فبينما يرى فيه البعض وسيلة رزق لمحدودى الدخل، يراه آخرون مصدرًا للفوضى ومظلة تُغطّى جرائم عديدة، تدور خلف كلمة «جريمة» التى باتت ترتبط بهذه المركبة فى نظر كثير من المصريين.

ورغم هذه الجوانب المظلمة، يمثل «التوك توك» بالنسبة لآلاف الأسر شريان حياة، فكثير من السائقين يرونه باب رزق وحيدًا يطعم أسرًا كاملة، أحد السائقين رفض ذكر اسمه قائلاً: «أنا مش حرامى، أنا بشتغل عشان أعيش.. لو سبت «التوك توك»، أولادى مش هيكلوا». هذه الجملة تختصر المعضلة بين القانون والحاجة؛ فالفقر والبطالة يدفعان البعض لتحدى القيود، لتتحول وسيلة النقل البسيطة إلى انعكاس لأزمة اقتصادية واجتماعية أعمق.
يقول حسن، شاب عنده 26 سنة من المرج: «الناس أول ما يشوفوا «التوك توك»، بيشدّوا شنطهم كأننا هنسرقهم. مع إنى بشتغل من 8 الصبح لـ12 بالليل علشان أساعد أمى وأخواتى. أنا عمرى ما مدّيت إيدى على حد، بس كلمة «بلطجى» بقت بتوجعنا.
أما محمد عبدالفتاح من الفيوم، فبيحكى إنه بدأ الشغل على «التوك توك» بعد ما قفل المصنع اللى كان بيشتغل فيه: «كنت عامل فى مصنع أحذية، ولما المصنع اتقفل مكنش قدامى غير «التوك توك». هو اللى مأكل عيالى، بس ساعات لما أوقف قدام لجنة أو كمين، بيبصولى كأنى مجرم. ليه؟ عشان فى شوية عيال بيستهبلوا وبيجروا بالناس».
فى حى بولاق، محمود بيحاول يغير الصورة بنفسه: «أنا علمت نفسى أتعامل بذوق، ألبس نضيف، وأحط لافتة ورا مكتوب عليها «احترم الزبون يحترمك». والله الناس بقت تعرفنى بالاسم، وكل يوم يجينى زباين ثابتين. بس برضو، كلمة بلطجى بتطاردنا».
تدخل فاطمة، سيدة أربعينية تركب «التوك توك» يوميًا، وتقول: «بالعكس، فى سواقين محترمين جدًا. فيه واحد فى منطقتنا بيروح المدرسة ياخد العيال ويرجعهم كل يوم، وأهلهم مطمنين عليه. بس الإعلام ساعات بيركز على الأسوأ».
رغم كل الصعوبات، بيحلم السواقين إن يكون فيه تنظيم لشغلهم يحافظ على سمعتهم ويضمن أمان الناس. بيقول سعيد: «نفسنا يكون فيه ترخيص رسمى لكل «توك توك» وسواق، علشان نثبت إننا مش بلطجية، إحنا عمال شرفاء».
التداعيات لا تتوقف عند الجانب الأمنى فقط، بل تمتد لتشمل البنية المرورية والعمرانية، فقد تسببت آلاف المركبات غير المرخصة فى فوضى بشوارع المدن والقرى، وأدت إلى ارتفاع معدلات الحوادث داخل الأحياء الشعبية، فضلًا عن انتشارها فى غياب نظم نقل رسمية فعالة يعكس خللاً فى التخطيط الحضرى، إذ لجأ المواطنون إلى «التوك توك» ليس حبًا فيه، بل عجزًا عن إيج فى عام 2019 أصدر مجلس الوزراء قرارًا بحظر سير مركبات «التوك توك» فى المدن والشوارع الرئيسية، واستبداله بسيارات «مينى فان» لتكون مناسبة للمظاهر الحضارية الموجودة بالمدن، والتخلص من العشوائية، حيث قام رؤساء الأحياء والمدن بالمحافظات بشن حملات يومية لمنع سيره فى الطرق الرئيسية وفرض العقوبات لتجنب حوادث الطرق والسرقات.
وفى مايو 2024 أصدرت الجريدة الرسمية تصديق الرئيس عبدالفتاح السيسى على قانون رقم ١٧ لسنة ٢٠٢٤ بتعديل بعض أحكام قانون المرور الصادر بالقانون رقم ٦٦ لسنة ١٩٧٣ الذى جاء ضمن مواده فى المادتين 24 و28 إجراءات ترخيص التوك توك وتحديد تعريفتها، بالإضافة إلى تحديد خط سيره وذلك للحفاظ على المظهر الحضارى.
وبشأن عقوبة سير «التوك توك» من مكان لأخر فهى تختلف من مكان لآخر حسب قرار المحافظ أو رئيس الحى ففى حى المعادى قرر رئيس الحى أن تكون عقوبة سيره بلغت 3000 جنيه، وفى الإسكندرية قد وصلت العقوبة لـ10000 جنيه بالإضافة إلى مصادرته فورًا.
الملف فى انتظار حلول جذرية
أكد الدكتور حمدى عرفة، أستاذ الإدارة الحكومية والمحلية وخبير البلديات الدولية، أن الملف يحتاج إلى حلول جذرية وتنفيذ القرارات السابقة التى لم تُفعل حتى الآن، موضحًا أن محافظة الجيزة والقاهرة هما الوحيدتان اللتان منعتا الاسكوتر الكهربائى بقرار رسمى.
وأوضح «عرفة» أنّ القرار الحكومى رقم 139 لسنة 2021 نص على استبدال نحو 5 ملايين «توك توك» بسيارات «ڤان» أكثر أمانًا وتنظيمًا، إلا أنه لم يُنفذ بعد، كما لم يُنفذ قرار وزير قطاع الأعمال الأسبق بتصنيع 100 ألف «توك توك» كهربائى.
وأضاف أن مصر تضم نحو 4 ملايين و711 ألف «توك توك»، لم يُرخص منها سوى 289 ألف مركبة فقط، وفقًا لتقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وهو ما يعنى إهدارًا لمليارات الجنيهات من رسوم التراخيص والغرامات غير المحصلة.
وأضاف أن قانون المرور رقم 121 لسنة 2008 وتعديلاته، وكذلك قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979، يمنحان المحافظين صلاحيات واسعة فى تنظيم سير «التوك توك» وتحديد أماكن تواجده.
وأكد الخبير أن هذا القطاع يمثل اقتصادًا موازيًا يوفر ما يزيد على 250 ألف فرصة عمل سنويًا، بإجمالى 4 ملايين سائق ينقلون قرابة 28 مليون مواطن يوميًا، وتقدر دخولهم الشهرية بنحو 18 مليارًا و800 مليون جنيه، ما يتطلب إعادة تنظيمه لا إلغاؤه، عبر إنشاء وحدة خاصة لتراخيص «التوك توك» داخل إدارات المرور بكل محافظة لتقنين أوضاع المركبات وضبط عملها.
كما شدد «عرفة» على ضرورة منع قيادة الأطفال دون 18 عامًا لتلك المركبات، باعتبار ذلك مخالفة صريحة لقانون المرور، مشيرًا إلى أن 48% من سائقى «التوك توك» تقل أعمارهم عن السن القانونية.
العقوبات القانونية
قالت نهى الجندى الخبيرة القانونية إنّ وفقًا لقانون المرور رقم 66 لسنة 1973 وتعديلاته، يعاقب القانون كل من يقود مركبة بدون ترخيص أو دون لوحات معدنية أو رخصة قيادة.
وأضافت «الجندى»: قد تصل العقوبات إلى الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامات مالية كبيرة، مع التحفظ على المركبة لحين التصالح أو صدور حكم قضائى.
واستكملت: كما تندرج أفعال التحرش تحت مواد قانون العقوبات، ويُعاقب عليها بالحبس لمدة قد تصل إلى خمس سنوات إذا اقترنت بظروف مشددة، مثل العودة أو ارتكاب الواقعة فى أماكن عامة. أما من يرتكب أفعال استعراضية تُعرض الآخرين للخطر، فقد يُواجه تهم الإضرار بأمن وسلامة الطريق، وهى تهم تصل عقوبتها إلى السجن.
