تصحيح مسار
تعد الثروة الحيوانية ركيزة أساسية للأمن الغذائى والاقتصاد الريفى فى مصر، وفى هذا الإطار، يمثل مرض الحمى القلاعية تحديًا خطيرًا يهدد القطيع الحيوانى، مما يستلزم يقظة مستمرة، وفى ظل انتشار هذه الحمى دوريًا، تظهر على الساحة ظواهر اقتصادية واجتماعية تستغل خوف المربين أو جهل المستهلكين، ومن أبرز هذه الظواهر حاليًا، العروض المغرية والمريبة لبيع اللحوم ومصنعاتها بأسعار زهيدة جدًا، قد تصل إلى حوالى 130 جنيهًا للكيلو جرام، والتى تُروج بشكل مكثف على منصات التواصل الاجتماعى.
والحمى القلاعية هو مرض فيروسى شديد العدوى يصيب الحيوانات كالأبقار، والأغنام، والماعز، والجاموس، والفيروس المسبب للمرض له 7 أنماط مصلية رئيسية، مما يجعل السيطرة عليه تحديًا كبيرًا، وينتقل الفيروس بسرعة هائلة من خلال الاتصال المباشر بين الحيوانات المريضة والسليمة، والرذاذ المنبعث من تنفس الحيوان المصاب، خاصة فى الأماكن المزدحمة مثل الأسواق.
والمرض نادرًا ما يكون مميتًا للحيوانات البالغة، لكنه يسبب خسائر اقتصادية فادحة بسبب الحمى المفاجئة والخمول وفقدان الشهية، وظهور تقرحات فى الفم واللسان واللثة وعلى حلمات الحيوان، كما يصاب الحيوان بعرج شديد وصعوبة فى الحركة والأكل، وهبوط حاد في إنتاج الحليب بنسبة قد تصل إلى 80%، وزيادة نسبة الإجهاض في الحيوانات الحوامل.
أما بالنسبة للعلاج فإنه لا يوجد علاج نوعى للفيروس نفسه، لكن العلاج يركز على المضادات الحيوية الموضعية لعلاج التقرحات ومنع العدوى البكتيرية الثانوية، وأيضا العناية الداعمة بتوفير علف سهل البلع وغسل الفم والأقدام للحيوانات المصابة بمطهرات مناسبة.
وقبل العلاج فإن الوقاية والمكافحة هى الركيزة الأساسية للسيطرة على المرض من خلال التلقيح والتحصين بتطبيق برنامج تطعيم دورى ومكثف باللقاحات المناسبة للأنماط المصلية المنتشرة فى مصر، وكذلك تطبيق إجراءات صارمة للعزل والحجر الصحى للحيوانات الجديدة والمصابة، مع الاهتمام الشديد بتطهير وتعقيم أماكن الإيواء وعربات النقل، والسيطرة على الأسواق لمنع حركة الحيوانات المريضة.
وبالتزامن مع انتشار المرض، تظهر عروض بيع اللحوم ومصنعاتها بأسعار متدنية للغاية تصل إلى حوالى 130 جنيهًا للكيلو على مواقع التواصل، مما يثير تساؤلات جدية حول مصدر هذه اللحوم وعلاقتها المحتملة بتفشي الحمى القلاعية، فالمصادر المشكوك فيها لا بد أن تثير الجدل، لأن غالبًا ما تكون هذه العروض ناتجة عن لحوم حيوانات مريضة أو نافقة يتم ذبحها خارج السلخانة الرسمية، حيث يلجأ بعض ضعاف النفوس إلى الذبح السريع للحيوانات المصابة أو التى تدهورت حالتها جدًا بسبب المرض لتجنب خسارة ثمنها بالكامل، ثم يتم بيعها بأسعار زهيدة لسرعة التصرف فيها، كما أن اللحوم التي تباع بهذه الطريقة لا تخضع للفحص البيطرى الرسمى قبل الذبح وبعده، مما يعرض المستهلك لخطر الإصابة بأمراض أخرى تنتقل عبر اللحوم الفاسدة أو الملوثة، حتى لو لم تكن الحمى القلاعية مباشرة، حيث إنها لا تصيب البشر غالبًا عبر اللحوم المطبوخة، لكنها دليل على ذبح حيوان مريض، كما أن هذه المصادر تعمل على تضليل المستهلك بهذه الأسعار الرخيصة جدًا، «130 جنيهًا أو أقل للكيلو» فهى أقل بكثير من تكلفة تربية وتغذية الحيوان السليم، مما يؤكد أنها لحوم غير مطابقة للمواصفات الصحية، وهى إغراء للمواطن الباحث عن توفير النفقات.
ومما سبق فإنه يجب على المواطنين توخى أقصى درجات الحذر وتجنب شراء اللحوم من هذه المصادر مجهولة الهوية على الإنترنت، والبحث عن الختم الرسمى للتأكد من أن اللحوم تحمل الختم الرسمى للسلخانة المعتمدة التابعة لوزارة الزراعة، والعمل على شراء اللحوم من مصدر موثوق، والشراء يجب أن يتم من محلات جزارة معروفة وخاضعة للرقابة، والابتعاد النهائى عن الإغراءات الرخيصة، وأن يتذكرون دائمًا أن السعر المنخفض جدًا في سوق اللحوم هو مؤشر خطر على سلامة وجودة المنتج.
وختاما.. تظل مكافحة الحمى القلاعية مسئولية مشتركة بين الجهات الحكومية والمربين والمستهلكين، فالحكومة مطالبة بتكثيف حملات التحصين والرقابة على الأسواق ومنافذ البيع غير الرسمية، بينما المربى مطالب بالالتزام بأسس التربية السليمة والأمن الحيوى، أما المستهلك، فهو خط الدفاع الأخير عن صحته وسلامة عائلته.
إن انتشار عروض اللحوم الرخيصة على الإنترنت ليس فقط خطرًا على الصحة العامة، بل هو تهديد للأمن الغذائى القومى ، يستوجب تضافر الجهود لردعه، ويجب أن تكون سلامة الغذاء هى الأولوية، وندعو الجميع للتضحية بالوفر المادى القليل في سبيل ضمان جودة وسلامة المنتج الحيوانى.