ملاحظة بسيطة تكشف مبكراً احتمالية الإصابة بمرض "باركنسون"
في اكتشاف طبي واعد قد يُحدث تحولاً في الكشف المبكر عن "مرض باركنسون" (الشلل الرعاش)، توصّل فريق من علماء الأعصاب في ألمانيا إلى اختبار بسيط يعتمد على مراقبة طريقة دوران الشخص أثناء المشي، يمكنه التنبؤ بخطر الإصابة بالمرض قبل ما يقرب من تسع سنوات من التشخيص الرسمي.
ويُعد هذا التطور، الذي نشرته مجلة Annals of Neurology ونقلته صحيفة Daily Mailالبريطانية، أول دراسة طويلة الأمد تثبت وجود مؤشرات حركية دقيقة يمكن أن تُستخدم كعلامات تحذيرية مبكرة للمرض.
كيف يعمل الاختبار؟
يستند الاكتشاف إلى ملاحظة أن الدوران أثناء المشي من أكثر الحركات تعقيدًا التي يقوم بها الإنسان، لأنها تتطلب تنسيقًا دقيقًا بين الدماغ والجهاز العصبي العضلي للحفاظ على التوازن والاتجاه.
وفي حين أن المشي المستقيم قد لا يُظهر اضطرابات مبكرة، فإن طريقة الالتفاف أو الدوران يمكن أن تكشف عن خلل عصبي دقيق في السيطرة على الحركة.
وفي الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة توبنغن الألمانية ضمن مشروع بحثي طويل الأمد يُعرف باسم TREND (اختصار لتقييم عوامل الخطر للكشف المبكر عن التنكس العصبي)، خضع 924 شخصًا تجاوزوا سن الخمسين للاختبار خمس مرات خلال فترة امتدت إلى عشر سنوات.
وارتدى كل مشارك جهاز استشعار صغيرا مثبتا على أسفل الظهر، أثناء السير في ممر طوله 20 مترًا لمدة دقيقة واحدة بوتيرته الطبيعية. وبعد تحليل البيانات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، لاحظ العلماء أن الأشخاص الذين داروا ببطء وبزاوية أوسع من المعتاد كانوا أكثر عرضة للإصابة بمرض باركنسون بعد نحو 8.8 عام.
"دوران أبطأ... خطر أكبر"
وقال الباحثون في ورقتهم العلمية إنّ "الدوران يتطلب تعديل المسار باستمرار أثناء المشي، وهو عملية تعتمد على توازن معقد بين القشرة الدماغية والجهاز الحركي والمخيخ".
وأضافوا: "عندما تبدأ الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين في التراجع، كما يحدث في المراحل المبكرة من باركنسون، يفقد الدماغ قدرته على التنسيق المثالي، فيُبطئ الشخص دورانه دون أن يدرك ذلك".
ويعتقد العلماء أن تباطؤ الحركة والانحراف في زاوية الدوران هما نتيجة لآلية تعويضية مبكرة في الدماغ، حيث يسعى المريض من دون وعي إلى اختيار مسار أوسع وأكثر أماناً لتفادي السقوط، بسبب ضعف الاستقرار في الوقفة أو المشي.
من هم الأكثر عرضة؟
كشفت الدراسة أيضاً أن الرجال أكثر عرضة بأربع مرات من النساء لتطوير المرض، وأن خطر الإصابة يزيد بنسبة 15% مع كل سنة إضافية من العمر بعد الخمسين. وتشير هذه النتائج إلى أن العوامل البيولوجية والهرمونية قد تلعب دورًا في حماية النساء، على الأقل في المراحل المبكرة من المرض.
وبحلول نهاية فترة المتابعة، تم تشخيص 23 مشاركًا بمرض باركنسون، أي بعد نحو خمس سنوات من آخر اختبار أجري لهم، مما أتاح للباحثين مقارنة أنماط المشي المبكرة لديهم مع المجموعة السليمة.
المرض الصامت
ويُعد مرض باركنسون أحد أكثر الاضطرابات العصبية شيوعًا في العالم، إذ يؤثر على أكثر من 500 ألف شخص في الولايات المتحدة ونحو 150 ألفًا في بريطانيا، مع ارتفاع مستمر في الحالات عالميًا.
ويحدث المرض بسبب موت الخلايا العصبية المنتجة لمادة الدوبامين، وهي الناقل الكيميائي المسؤول عن التحكم في الحركة. وتبدأ الأعراض عادة ببطء شديد وتشمل الرعشة، وبطء الحركة، وتصلب العضلات، وفقدان التوازن، إلى جانب أعراض غير حركية مثل الاكتئاب، واضطرابات النوم، وفقدان حاسة الشم.
لكن التحدي الأكبر هو أن الأعراض لا تظهر إلا بعد فقدان نحو 60 إلى 70% من الخلايا العصبية المسؤولة عن الحركة، ما يجعل التشخيص في كثير من الأحيان متأخرًا جدًا لبدء العلاج الفعّال.


