رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

سقوط مدينة الفاشر في السودان على يد قوات الدعم السريع ليس مجرد حدث عابر في حربٍ داخلية، بل هو جرح غائر في جسد الوطن ووصمة عار على جبين من صمت ومن خان. هذه المدينة التي كانت رمزًا للتعايش والصمود في وجه الكوارث، سقطت اليوم فريسة للفوضى والدمار، بعدما أحاطت بها قوات الدعم السريع من كل الجهات لتفرض واقعًا جديدًا من الرعب والإذلال. لم يكن ما جرى انتصارًا عسكريًا بقدر ما كان انهيارًا أخلاقيًا، حين تحوّلت البنادق إلى أدوات للانتقام والنهب والقتل، وأصبحت أرواح المدنيين سلعةً رخيصة في سوق الحرب.

الفاشر لم تسقط لأن مقاتليها انهزموا، بل لأن الدولة السودانية تآكلت من الداخل، ولأن صمت العالم على جرائم الحرب في دارفور شجّع الجناة على المضيّ قدمًا في وحشيتهم. الروايات الخارجة من المدينة تفيض بالمآسي: جثث في الشوارع، عائلات تفرّ سيرًا على الأقدام، نساء وأطفال يختبئون بين الأنقاض، ومسلّحون يسيطرون على البيوت وينهبون الممتلكات في وضح النهار. لم يعد هناك قانون ولا دولة، بل فوضى يفرضها السلاح على حساب كل قيمة إنسانية.
وتأتي هذه الاتهامات في ظل تقارير محلية ودولية توثق عمليات قتل جماعي وإعدام جرحى ومرضى داخل المستشفيات وتصفية عاملين في الجمعيات الخيرية، حيث أعلنت مفوضية العون الإنساني أن أكثر من ألفي مدني بينهم نساء وأطفال ومسنون قُتلوا خلال يومين فقط.
المشهد اليوم في الفاشر يكشف عن سقوط آخر، أعمق من سقوط الأرض، وهو سقوط الضمير الإنساني. قوات الدعم السريع لم تكتفِ بالاستيلاء على المدينة، بل تجاوزت كل حدود الرحمة وهي تمارس الإعدامات الميدانية وتصفية المعارضين والنازحين على الهوية. إنّها ليست حربًا بين جيشين، بل إبادة ممنهجة ضد المدنيين، تُنفَّذ تحت أنظار العالم الذي يكتفي بالتصريحات والمخاوف. الأمم المتحدة تتحدث عن تصاعد غير مسبوق في أعداد القتلى، لكنّ صرخات الضحايا لا تجد آذانًا تصغي ولا قلوبًا تتحرك.

إنّ ما يجري في الفاشر ليس شأنًا محليًا، بل جريمة كبرى ضد الإنسانية، تهدّد وحدة السودان ومستقبله. تركُ المدينة لمصيرها تحت سطوة المليشيات هو خيانة لحق الشعب في الأمان والحياة. من سكت اليوم سيجد نفسه غدًا أمام خريطة جديدة لبلادٍ تتفتت أمام عينيه. سقوط الفاشر ليس نهاية معركة، بل بداية انكسار إذا لم يتحرك الضمير الوطني والعربي والدولي لإنقاذ ما تبقّى من السودان. إنها ساعة الحقيقة، فإما أن ينتصر العقل والحق والعدل، وإما أن يبتلع الطغيان ما تبقّى من روح الوطن.