رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

نبض الكلمات

في كل دورة انتخابية جديدة، يطلّ المشهد البرلماني بوجهٍ مألوف، قوائم جاهزة، أسماء مفروضة، ووجوه لا يعرفها الشارع الذي يفترض أنها تمثله، ترفع الشعارات ذاتها عن "الكفاءة" و"الخبرة" و"الولاء للوطن"، لكن الحقيقة المرة أن معايير الاختيار أصبحت تدور في فلك ضيق لا يرى أبعد من حدود المصالح، والموازنات، والترضيات ، اليوم، لا أحد يسأل: من هؤلاء الذين يتصدرون القوائم؟ الا من رحم ربي فهم الرموز الشعبية الذين يعرفهم الشارع قبل الافراد ، هل يعرفون أوجاع الناس؟ هل مرّوا يوما في شارع شعبي أو جلسوا مع عمال مصنع أو فلاحين منهكين؟ ، فالقائمة أصبحت أداة إدارية لا سياسية، يُختار أعضاؤها على أساس الولاء لا الكفاءة، والقدرة على الصمت لا الجرأة على التعبير ، والخطير في المشهد أن الدوائر الانتخابية فقدت حقها الطبيعي في تمثيل نفسها، فالناخب لم يعد يختار من يعرفه ويثق فيه، بل يُفرض عليه اسم من خارج منطقته، لا يعرف جغرافيتها، ولا يعيش همومها، ولا حتى يدرك ملامحها الاجتماعية ، تحولت القوائم إلى صفقات مغلقة بين من يملك المال ومن يملك القرار، والنتيجة ، برلمان من المقاعد لا من المواقف..أما المال السياسي، فقد صار اللاعب الأخطر في هذه المعادلة ، فمن لا يملك رصيدًا ماليًا ضخما يُقصى ببساطة، مهما كانت كفاءته أو شعبيته، وفي المقابل، من يملك المال يستطيع أن يحجز مكانه في القائمة كأنها سلعة في مزاد سياسي مفتوح ، هكذا يصبح البرلمان انعكاسا لميزان الحسابات البنكية لا لنبض الشارع المصري.
إن أخطر ما يحدث الآن هو تجريف السياسة من مضمونها الشعبي، وتحول البرلمان من سلطة رقابة وتشريع إلى ديكور شكلي لتجميل المشهد العام، فكيف يُمكن لمجلس يضم وجوها بلا انتماء سياسي حقيقي ولا تواصل جماهيري أن يعبرعن أزمات المواطن الذي يئنّ تحت وطأة الغلاء، والبطالة، وتراجع الخدمات؟.. فالبرلمان ليس ناديا اجتماعيا للنخبة، ولا منصة لتصفية الحسابات أو توزيع النفوذ، إنه في جوهره صوت الناس، وضمير الأمة، وحائط الصد الأخير أمام انحراف الحكومة، لكن حين يُختزل في "قوائم هندسية" مرسومة في غرف مغلقة، يفقد هذا الدور تمامًا، ويتحول إلى صدى باهت لقرارات جاهزة.
إن مصر اليوم تمر بظروف استثنائية صعبه من الداخل و الخارج ، بحاجة إلى برلمان حقيقي قوي من أبناء دوائرهم، ممن يعرفون الشارع لا من يسيرون فوقه، برلمان يعيد الثقة بين المواطن والدولة، ويعيد للسياسة معناها النبيل قبل أن تتحول إلى مجرد مقاولة انتخابية يديرها المال، برلمان يقر قوانين وتشريعات خطيرة تثمن مفاصل الدولة المصرية وتعزز العلاقة بين المواطن والحكومة، المشهد الانتخابي اليوم يبدو مشدودًا بين رغبة الحكومة في السيطرة المحكمة على مسار النتائج، وبين تململ قوى المجتمع التي تبحث عن مساحة تمثيل حقيقية داخل برلمان يُفترض أنه "صوت الشعب".. لكن الحقيقة التي يدركها الجميع هي أن المعادلة القديمة لا يمكنها الصمود طويلاً، فكل هندسة مفرطة تخلق تشوها سياسيًا، وكل غياب للتنافس الحقيقي يولد فراغا لا تملؤه الشعارات، الانتخابات  ليست معركة مقاعد، بل معركة شرعية ورؤية: هل تريد الحكومة برلمانا يصفق، أم برلمانًا يفكر؟ ويقر تشريعات قوية هل نعيد إنتاج نفس النخبة القديمة بأسماء جديدة، أم نفتح الباب أمام دماء سياسية مختلفة قادرة على التعبير عن أوجاع الناس لا أوامر المكاتب المغلقة؟  وإن أخطر ما في هذه المرحلة ليس التنافس بين المرشحين، بل التواطؤ على إفراغ السياسة من مضمونها، فالهندسة المفرطة كما في أي بناء قد تُسقط الهيكل كله إن تجاهلت أساساته الشعبية، ولذلك، فإن ما يجري الآن ليس مجرد انتخابات، بل اختبار حقيقي لمستقبل الحياة السياسية في مصر، إما أن نعيد للسياسة معناها، أو نكتفي ببرلمان من الصمت والتصفيق.
رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية 
[email protected]