رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

الحمض النووي يكشف أسرار مأساة نابليون في روسيا وانهيار جيشه

نابليون بونابرت
نابليون بونابرت

نابليون بونابرت .. يعود العلماء اليوم إلى واحدة من أكثر لحظات التاريخ الأوروبي مأساوية، حين انهار جيش نابليون بونابرت الكبير خلال انسحابه الكارثي من روسيا عام 1812، وهي الحملة التي أودت بحياة نحو 300 ألف جندي من أصل نصف مليون. 

وأعادت دراسة حديثة تسليط الضوء على سبب آخر للمأساة، يتجاوز البرد والجوع، ليكشف عن أوبئة خفية فتكَت بالجنود دون رحمة.

تحليل الحمض النووي يفضح أمراضًا منسية

نجح باحثون في معهد باستور بباريس في استخراج الحمض النووي من أسنان 13 جنديًا فرنسيًا عُثر على رفاتهم في مقبرة جماعية بمدينة فيلنيوس الليتوانية، الواقعة على طريق الانسحاب التاريخي. وأظهر التحليل وجود نوعين من مسببات الأمراض لم يتم توثيقهما من قبل في هذا الحدث:

بكتيريا حمى نظيرة التيفوئيد، وهي عدوى تنتقل عبر الطعام أو الماء الملوثين.

بكتيريا حمى الانتكاس المنقولة بالقمل، التي تسبب نوبات متكررة من الحمى والضعف الحاد.

وأكد الباحث الرئيسي، الدكتور نيكولاس راسكوفان، أن هذه النتائج “تكمل الأدلة السابقة حول التيفوس والجوع والبرد القارس، وتُظهر أن الجنود كانوا يواجهون عدوى متعددة في وقت واحد، مما أدى إلى انهيار جماعي لجيوش نابليون المنهكة”.

ظروف قاسية وموت بطيء على طرق الجليد

كانت مدينة فيلنيوس نقطة تجمع رئيسية لآلاف الجنود الفرنسيين العائدين من روسيا. ومع انقطاع الإمدادات وانخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، تكدّس الجنود الجوعى والمرضى في العراء، لتتفشى بينهم الحمى والإسهال والهلوسة قبل أن يُدفن الكثير منهم في مقابر جماعية مؤقتة.

أدلة الحمض النووي تغيّر فهم المؤرخين

تكشف الدراسة أن أربعة من الجنود أُصيبوا بحمى نظيرة التيفوئيد، واثنين بحمى الانتكاس، وهي أمراض تتوافق تمامًا مع الأعراض التي وردت في مذكرات الناجين من الحملة. 

وتُظهر النتائج أن الانسحاب لم يكن مجرد فشل عسكري، بل كارثة طبية معقدة سبّبتها مجموعة من العدوى التي انتشرت في ظروف صحية منهارة.

العلم الحديث يعيد بناء الماضي

يؤكد الدكتور راسكوفان أن علم الجينوم القديم أصبح أداة ثورية في فهم التاريخ، لأنه “يسمح بتحديد الأمراض التي أصابت البشر في عصور سابقة بدقة غير مسبوقة”. ويضيف أن “دراسة الحمض النووي من رفات الجنود تمنحنا منظورًا جديدًا حول كيف يمكن للظروف القاسية والأوبئة أن تغيّر مجرى الحروب والإمبراطوريات”.

بين سطور التاريخ والطب

تُعيد هذه الاكتشافات صياغة رواية حملة نابليون الروسية، لتُظهر أن الهزيمة لم تكن نتيجة سيوف الأعداء فقط، بل أيضًا نتاجًا لصراع خفي بين الإنسان والمرض. 

ومع تطور تقنيات تحليل الحمض النووي، يبدو أن التاريخ لا يزال يحتفظ بأسرار كثيرة، تنتظر من يُنصت إلى أصواتها القادمة من بين العظام.