لمرة ثانية خلال هذا العام حركت الحكومة أسعار الوقود، لتدفع معدل التضخم لزيادة حتمية بعد عدة شهور حقق فيها استقرارا ملحوظا. شملت الزيادات الأخيرة أسعار السولار والبنزين بأنواعه وبلغت نسبة الزيادة نحو 11.6%.
وكان معدل التضخم قد تراجع إلى 12% خلال شهر أغسطس الماضى، مقابل 13.7% خلال يوليو الماضى، لكن من المؤكد أنه سيرتفع مرة أخرى نتيجة الإجراء الأخير.
والملاحظ أن التحريك الأخير لأسعار الوقود على وجه التحديد لن يوفر لميزانية الحكومة سوى 28 مليارا من الجنيهات، بما يوازى أقل من 600 مليون دولار. وهى قيمة لا تُضاهى أبدا الآثار المنتظرة من ارتفاعات فى أسعار كافة السلع.
وفى ظنى، فإن الوفر المتحقق من تحريك أسعار الوقود كان يمكن تحقيق أضعاف مضاعفة له عبر قطاعى الاستثمار والصادرات، لو حصل كل قطاع منهما على حوافز حقيقية، وشهد تيسيرات متكاملة.
وأتذكر أننى كتبت فى أبريل الماضى، عندما أجريت الحكومة زيادة سابقة لأسعار الطاقة مقالا فى «الوفد» كان عنوانه «إصلاح الاستثمار أنفع للاقتصاد من زيادة أسعار الوقود» أوضحت فيه أن الحل السهل لمواجهة أى عجز فى موازنة الحكومة هو إلزام المواطنين بمختلف طبقاتهم بسداده، لكن الحلول الحقيقية المستدامة تستلزم إصلاحا شاملا لبنية الاستثمار والصادرات لتتحسن عائداتهم بما يوفر فوائض مالية تحقق استقرارا فى معدلات التضخم وتمنع موجات الغلاء.
وحسبنا أن نتذكر أن مصر شهدت فى مارس 2024 صفقة واحدة فى مجال الاستثمار أتاحت لمصر نحو 35 مليار دولار استثمارات جديدة، بما حقق توازنا وانتعاشا عظيما. وأذكر أننى قلت وقتها أننا لو نجحنا كل عام فى تنفيذ صفقة مماثلة، لصادر لدينا فوائض كبيرة، ولأمكن تمويل مشروعات تنموية عظيمة ومستدامة، يشعر بها المواطن البسيط، خاصة فى مجالى الصحة والتعليم.
وأتصور كأحد المعنيين بقطاع الاستثمار أنه مازال لدينا الكثير الذى لم يتم إنجازه لجعل مصر بلدا جاذبا للاستثمارات العالمية فى مختلف المجالات خاصة قطاعى الصناعة والخدمات. فمازالت هناك مشكلات واضحة فى تخصيص الأراضى، ولازالت إجراءات الحصول على تراخيص تمر بإجراءات مُعقدة، ومازال تشغيل المشروعات يخضع لمنظومة معقدة من البيروقراطية، ومازالت هناك أزمة ثقة بين المستثمرين والمنظومة الضريبية.
إننا فى حاجة لحلول مستدامة تضع فى اعتبارها البعد الاجتماعى، ومصر لديها مقومات ومزايا التحول لمركز استثمارى عالمى، بشرط إزالة العقبات والقضاء تماما على البيروقراطية.
إن مصر فى حاجة لمشروعات كبيرة وكثيرة، متنوعة، وموزعة جغرافيا فى كافة المناطق، لأن ذلك يعنى بالضرورة، توفير فرص عمل كبيرة للخريجين، وتحقيق قيمة مضافة، والحصول على عائدات حكومية طبيعية نتاج التشغيل والأرباح، فضلا عن إتاحة نظم عمل أكثر تميزا، وفتح الباب لمنافسات مشروعة تسهم فى زيادة وتحسين المنتجات والخدمات. وبشكل عام، فإن الاستثمارات الجديدة هى مفتاح التقدم الاقتصادى والتنمية المستدامة، والتركيز فى جذبها أفضل من اللجوء كل بضعة شهور إلى تحريك أسعار سلع أساسية، على رأسها الوقود الذى يمس حياة المواطنين جميعا.
وسلام على الأمة المصرية