احتفال ثقافى عالمى فى أبوسمبل
الشمس تتعامد على وجه الملك رمسيس الثانى

شهد معبد أبوسمبل بمحافظة أسوان، فجر أمس، توافد جموع غفيرة من المصريين والسائحين لمشاهدة واحدة من أروع الظواهر الفلكية والهندسية فى الحضارة المصرية القديمة، وهى ظاهرة تعامد الشمس على وجه تمثال الملك رمسيس الثانى فى قدس الأقداس بالمعبد. تزامن هذا الحدث الفريد مع أجواء احتفالية مبهجة، حيث قدمت فرق الفنون الشعبية المشاركة فى مهرجان أسوان عروضًا فلكلورية استقطبت تفاعل الآلاف، وأشعلت الأجواء.
أقيم الاحتفال تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة واللواء دكتور إسماعيل كمال محافظ أسوان، ونظمته الهيئة العامة لقصور الثقافة، وشهده المهندس عمرو لاشين نائب محافظ أسوان، والفنان أحمد الشافعى رئيس الإدارة المركزية للشئون الفنية، ونخبة من القيادات الثقافية والتنفيذية والإعلاميين، احتشد الآلاف من أبناء أسوان والسائحين أمام المعبد، ليشهدوا لحظة الإشراق.
وفى اللحظة المنتظرة، أشرقت أشعة الشمس لتضيء وجه تمثال الملك رمسيس الثانى داخل قدس الأقداس، مجسدة دقة الفلك والهندسة المعمارية المصرية القديمة، وبالتزامن مع هذه اللحظة المهيبة، شهدت ساحة المعبد عروضًا فنية حية على أنغام فرق تقدم الفلكلور المصرى، حيث شاركت 8 فرق فنون شعبية فى الاحتفال، وهى فرق سوهاج، بورسعيد، العريش، كفر الشيخ، الأقصر، الأنفوشى، أسوان، وملوى.
نالت الفعاليات تفاعل الجماهير بشكل كبير مع الألوان الزاهية والإيقاعات الحيوية والرقصات الشعبية، التى عكست التنوع الثقافى والتراث الفنى الغنى لمختلف محافظات مصر.
يُعد مهرجان أسوان، الذى انطلقت فعالياته منذ 17 أكتوبر الجارى فى 14 موقعًا بالمحافظة قبل أن تنتقل إلى أبوسمبل، تتويجًا فنيًا للحدث. وقد نُفذ المهرجان بإشراف الإدارة المركزية للشئون الفنية بالتعاون مع إقليم جنوب الصعيد الثقافى، وقدم استعراضات فنية لاقت إقبالًا جماهيريًا غفيرًا.
الاحتفال السنوى بظاهرة تعامد الشمس لا يمثل فقط مشهدًا فلكيًا مدهشًا، بل هو أيضًا مناسبة ثقافية وسياحية هامة تؤكد عظمة الحضارة المصرية القديمة وتجذب أنظار العالم إلى هذا التراث العريق، فهذه الظاهرة تتكرر مرتين سنويًا، يعود تاريخ بناء المعبد إلى عهد الملك رمسيس الثانى (الأسرة التاسعة عشرة)، حيث نُحت داخل الصخر ليكون مزارًا لعبادة الآلهة الكبرى آمون-رع ورع-حور-آختى وبتاح، بالإضافة إلى الملك نفسه. كان الهدف من هذا التصميم الفلكى المتقن هو السماح لأشعة الشمس بالتسلل لمسافة تزيد على 60 مترًا لتضيء تماثيل الملك والآلهة الثلاثة المرتبطة بالشمس والحياة فى قدس الأقداس، فيما تبقى أشعة الشمس بعيدة عن تمثال الإله بتاح، إله الظلام، فى دلالة واضحة على التعمد والتحكم الهندسى الكامل فى مسار الضوء.
تُشير التقديرات التاريخية إلى أن توقيت الظاهرة كان يوافق يومى 21 أكتوبر و21 فبراير، ويُعتقد أن هذين اليومين كانا يرمزان ليوم ميلاد الملك ويوم تتويجه على العرش، وهو ما يجسد الرؤية المصرية القديمة لربط الملك بالإله الشمسى «رع» والخلود. ورغم أن الظاهرة اكتشفت حديثًا فى شتاء عام 1874م، إلا أن استمرارها لأكثر من 33 قرنًا يؤكد دقة التخطيط. وقد طرأ تغيير وحيد على توقيت الظاهرة بعد عملية الإنقاذ الضخمة التى قادتها اليونسكو فى الستينيات لإنقاذ المعبد من الغرق تحت مياه بحيرة السد العالى، حيث تم نقل المعبد ورفع مستواه، ما أدى إلى تأخر التعامد ليصبح فى يومى 22 أكتوبر و22 فبراير، لتظل هذه المعجزة الفلكية مصدر إبهار وإشعاع ثقافى وسياحى عالمى حتى يومنا هذا.
