رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

شهدت مدغشقر مؤخرًا تحولًا سياسيًا دراماتيكيًا، لم يكن محركوه التقليديون من الأحزاب السياسية أو النخب الاقتصادية، بل جيل جديد يحمل اسم «الجيل زد» (Gen Z). فما بدأ كاحتجاجات عفوية على تردى الخدمات الأساسية، سرعان ما تحول إلى حركة شبابية منظمة أدت فى نهاية المطاف إلى الإطاحة بالرئيس أندرى راجولينا وتولى الجيش للسلطة فى أكتوبر 2025. هذه القصة ليست مجرد أزمة سياسية محلية، بل هى تأكيد على دور الشباب العابر للحدود فى صياغة مستقبلهم.

تعود جذور الأزمة إلى نهاية سبتمبر 2025، حيث كان الملغاشيون يعانون من انقطاعات مزمنة فى الكهرباء والمياه فى العاصمة أنتاناناريفو ومدن أخرى، فى بلد يعيش فيه نحو 80% من السكان تحت خط الفقر. لم يكن الغضب جديدًا، لكن ما غيّر المعادلة هو ظهور حركة «الجيل زد مدغشقر»، وهى مجموعة شبابية «بلا قيادة» تتراوح أعمار أفرادها بين 18 و30 عامًا.

بدأت الحركة احتجاجها بمطالب بسيطة ومباشرة: «نريد كهرباء وماءً»، لكنها سرعان ما رفع سقف مطالبها ليصبح «إسقاط النظام»، مستلهمة بذلك حركات احتجاجية مماثلة قادها الشباب فى نيبال وسريلانكا، وواجهت تحديات اقتصادية مشابهة.

ما ميّز ثورة «الجيل زد» هو أسلوبها التنظيمى. بعيدًا عن الهياكل الحزبية التقليدية، اعتمد النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعى ومنصات التنسيق الرقمى للتعبئة السريعة، وتبادل النصائح حول كيفية مواجهة قمع قوات الأمن.

كما استخدموا رموزًا بصرية قوية، مثل علم الجمجمة والعظام (المستوحى من مسلسل الأنمى اليابانى «ون بيس»)، ليعكسوا رفضهم للنظام القديم وشعورهم بأنهم «الأمل الأخير» لبلادهم. لقد جسّدت هذه الرموز حركة احتجاجية عابرة للثقافات، تشعر بالارتباط بقضايا الشباب حول العالم.

ولم تكن الاضطرابات السياسيه الأخيرة فى مدغشقر هى الاولى من نوعها بل أبرز ما يميز المشهد السياسى فى مدغشقر هو الدورات المتقطعة للأزمات السياسية، والتى غالبًا ما تكون عنيفة وتؤدى إلى انقلابات أو تغييرات غير دستورية فقد شهدت البلاد عدة فترات من الاضطراب، أبرزها الأزمة السياسية فى عام 2009 التى أدت إلى إزاحة الرئيس المنتخب وتولى سلطة انتقالية. مثل هذه الأحداث تقوض الشرعية الديمقراطية وتؤدى إلى عزلة دولية مؤقتة، ما يعطل تدفق المساعدات والاستثمارات الحيوية.

وقد كان للفساد أيضًا دور كبير لما له من جذور عميقة فى جميع مستويات الإدارة الحكومية كما تواجه الأنظمة القانونية والقضائية تحديات فى الحفاظ على استقلاليتها، ما يؤدى إلى تطبيق غير متساو للقانون ويُصعّب مكافحة الجريمة المنظمة، خاصة فيما يتعلق بالاستغلال غير القانونى للموارد الطبيعية (مثل قطع الأخشاب الثمينة أو صيد الحيوانات النادرة).

هذا إلى جانب المركزية المفرطة فهناك تركيز للسلطة فى العاصمة «أنتاناناريفو» وفى يد النخبة الحاكمة، ما أدى إلى تهميش المناطق والأقاليم الريفية التى تعانى من نقص فى الخدمات والموارد، وزاد من حدة التوترات بين المركز والمحيط.

كما أن هناك فجوة كبيرة بين النخبة السياسية الثرية والمدن الكبرى، وبين غالبية السكان الذين يعيشون فى فقر مدقع فى المناطق الريفية، مما يخلق بيئة خصبة للاحتجاجات الاجتماعية والاستقطاب السياسى.

ولعبت الخلافات الإثنية دور كبير على الرغم من أن مدغشقر تتمتع بتجانس نسبى، إلا أن التوترات بين المجموعات الإثنية القادمة من الهضبة (ميرينا) والمجموعات الساحلية (كوتيرز) يمكن أن تُستغل سياسيًا خلال فترات الأزمات والانتخابات، ما يزيد من صعوبة بناء هوية وطنية موحدة.

وعلى الرغم من نجاح حركة الجيل زد فى إحداث تغيير جذرى، لكنها وضعت البلاد تحت حكم عسكرى انتقالى. التحدى الأكبر اليوم يكمن فى ضمان عدم سرقة ثمار هذه «الثورة».