صناعة السفن واليخوت بالبحيرة.. حرفة عريقة يتوارثها الأبناء عن الأجداد (صور)

في مدينة رشيد بمحافظة البحيرة، تلك المدينة الساحلية العريقة التي عُرفت عبر التاريخ بأنها مهد الصناعات البحرية وميناء الحرفيين المهرة، لا تزال صناعة السفن واليخوت من الحديد تحتفظ بمكانتها بين أيدي أبناء المدينة الذين توارثوا هذه المهنة جيلًا بعد جيل، محافظين على إرثٍ صنع هوية رشيد عبر قرون من الزمن.
داخل إحدى الورش الواقعة بالقرب من شاطئ النيل في مدينة رشيد، يعمل الأستاذ محمد المعداوي، الكيميائي وعضو مجلس إدارة شعبة صناعة السفن على مستوى الجمهورية، إلى جانب شقيقه الأستاذ عبد الكريم المعداوي، حيث يواصلان رحلة العائلة الطويلة في صناعة السفن واليخوت بمختلف أحجامها وأنواعها، في مشهد يعكس العراقة والإتقان والاعتزاز بالمهنة.
يقول الأستاذ محمد المعداوي في حديثه لـ«الوفد»: «صناعة السفن في رشيد ليست مجرد عمل، بل هي حياة كاملة.. مهنة ورثناها عن الآباء والأجداد، ونعمل بكل حب للحفاظ عليها رغم تغيرات العصر وتطور الوسائل الحديثة».
ويضيف المعداوى أن ورشته تُعد من أقدم الورش في المدينة، وقد ساهمت على مدى سنوات طويلة في صناعة العشرات من السفن التي أبحرت في مياه النيل والبحر المتوسط، سواء للاستخدام التجاري أو السياحي أو الصيد.
أما شقيقه عبد الكريم المعداوي، فيؤكد أن صناعة السفن من الحديد تتطلب دقة عالية ومهارة خاصة، مشيرًا إلى أن مراحل الصناعة تبدأ من تصميم الهيكل الخارجي باستخدام ألواح الصاج السميكة، مرورًا بعمليات اللحام والطلاء والعزل، وصولًا إلى تركيب المحركات وأجهزة الملاحة.
ويضيف المعداوى: «نحرص على استخدام خامات قوية تتحمل عوامل الزمن والملوحة، ونلتزم بمعايير الأمان والجودة في كل مرحلة من مراحل التصنيع».
الأستاذ محمد المعداوى البالغ من العمر خمسين عامًا، وأحد أبرز الحرفيين في رشيد، والذي ورث المهنة عن والده وأجداده.
يقول المعداوى: «رشيد فيها أنواع كتيرة من السفن بنصنعها، منها سفن الصيد، والمراكب النيلية، واليخوت السياحية، وسفن النقل الخفيف، و كل نوع له مقاسات وتصميمات خاصة بتتناسب مع طبيعة عمله».
ويشير المعداوى إلى أن أكثر ما يميز الصناعة في رشيد هو الاعتماد على الخبرة اليدوية التي لا يمكن أن تعوضها الآلات الحديثة، حيث يقوم الحرفيون بقياس الأبعاد ورسم الخطوط والانحناءات بدقة فائقة قبل البدء في تشكيل الصاج.
ورغم ما تواجهه المهنة من تحديات اقتصادية ومنافسة الصناعات الحديثة، إلا أن أبناء رشيد ما زالوا متمسكين بهذا التراث الذي يمثل لهم هوية ومصدر فخر.
تُعد رشيد اليوم من المدن القليلة في مصر التي ما زالت تحافظ على تقاليد صناعة السفن اليدوية، وتشكل ورشها الصغيرة مدارس لتعليم المهنة للشباب.
ويختتم المعداوي حديثه قائلاً: «هدفنا أن نُبقي هذه الصناعة حية، وأن يرى الجيل القادم ما صنعه أجدادنا بأيديهم.. فالسفينة التي تُبنى في رشيد ليست مجرد حديد وصاج، بل روح ومجد تاريخي يسري في وجدان كل رشيدي».


















