مقاومة المضادات الحيوية تقتل 5 ملايين إنسان
منظمة الصحة: البكتيريا الخارقة تهدد العالم

نيويورك: إسلام الشافعي
حذّرت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، من أن العدوى الشائعة أصبحت أكثر صعوبة – وأحياناً مستحيلة – في العلاج، إذ أظهرت بيانات جديدة أن واحدة من كل ست إصابات بكتيرية حول العالم مقاومة للمضادات الحيوية التقليدية، مما يعرّض ملايين الأشخاص للخطر ويضغط على الأنظمة الصحية عالمياً.
ووفقاً لأحدث تقرير رصد أصدرته المنظمة، ارتفعت مقاومة المضادات الحيوية في أكثر من 40 % من تركيبات البكتيريا والأدوية التي خضعت للمراقبة بين عامي 2018 و2023، بمتوسط ارتفاع سنوي يتراوح بين 5 و15 %.
وقال المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس: «تتفوق مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية على تطورات الطب الحديث، مهددة صحة العائلات في جميع أنحاء العالم».
وأضاف: «مع تعزيز الدول أنظمة المراقبة الخاصة بمقاومة المضادات، يجب أن نستخدم هذه الأدوية بمسؤولية، ونتأكد من إتاحة الدواء المناسب، وأدوات التشخيص المعتمدة، واللقاحات للجميع».
جائحة صامتة
استند التقرير إلى بيانات من أكثر من 100 دولة، مقدّماً أوضح صورة حتى الآن عن حجم المشكلة. وأظهر أن واحدة من كل ثلاث إصابات في منطقتي جنوب شرق آسيا وشرق المتوسط تعود إلى بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، مقارنة بواحدة من كل خمس إصابات في إفريقيا.
وتحدث مقاومة الميكروبات (AMR) عندما تتطور البكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات لتتحمل الأدوية المصممة للقضاء عليها، ما يجعل العدوى أصعب في العلاج، ويزيد خطر الإصابة بأمراض شديدة أو الوفاة، ويهدد عقوداً من التقدم الطبي.
وتوصَف هذه الظاهرة بأنها «جائحة صامتة»، ويقودها الاستخدام المفرط وغير المنضبط للمضادات الحيوية في البشر والحيوانات والزراعة، إلى جانب ضعف مكافحة العدوى وعدم توفر أدوية ذات جودة عالية.
وتقدّر المنظمة أن مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية تسببت مباشرة في 1.27 مليون وفاة عام 2019، وساهمت في نحو خمسة ملايين وفاة حول العالم. ويحذر خبراء من أنه دون تدخل عاجل، قد تؤدي العدوى المقاومة بحلول عام 2030 إلى خسائر سنوية تبلغ ثلاثة تريليونات دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
صعود «الجراثيم الخارقة»
أظهر التقرير أن أكبر تهديد يأتي من البكتيريا سالبة الغرام، وهي مسببات أمراض يصعب القضاء عليها وتقاوم أنواعاً متعددة من الأدوية.
ومن بين هذه الأنواع، برزت بكتيريا «إيشيريشيا كولاي» (E.coli) و«كليبسيلا رئوية» (K.pneumoniae) – وهما سبب شائع لالتهابات الدم – بمستويات مقلقة من المقاومة للجيل الثالث من السيفالوسبورينات، وهي العلاج الأساسي للعديد من الإصابات الخطيرة.
وأشار التقرير إلى أن أكثر من 40 % من سلالات E. coli و55 % من سلالات K. pneumoniae في العالم أصبحت مقاومة لهذه المضادات، بنسبة تجاوزت 70% في بعض مناطق إفريقيا. كما تفقد مضادات حيوية أساسية أخرى – مثل الكاربابينيمات والفلوروكينولونات – فعاليتها أمام هذه الميكروبات وغيرها، منها «السالمونيلا» و«الأسينيتوباكتر».
وحذر التقرير من أن تصاعد المقاومة «يجبر الأطباء على اللجوء إلى المضادات الحيوية الأخيرة»، وهي علاجات مكلفة ومعقدة وغالباً ما تكون غير متوفرة في الدول منخفضة الدخل، مما يقلل خيارات العلاج ويرفع خطر الوفيات.
وبيّن التقرير أن انتشار المقاومة هو الأوسع في الدول ذات الأنظمة الصحية الضعيفة وقدرات الرصد المحدودة، مما يكرّس حلقة مفرغة تؤدي فيها البيانات الناقصة والهياكل الطبية الهشة إلى تفاقم النتائج.
ورغم إحراز تقدم في تتبع المقاومة، لا تزال فجوات البيانات كبيرة. فقد ارتفع عدد الدول المشاركة في نظام المراقبة التابع للمنظمة منذ إطلاقه عام 2016 من 25 إلى 104 دول، إلا أن ما يقارب نصف الدول الأعضاء لم تقدّم بيانات خلال عام 2023.
كما أن العديد من الدول المبلِّغة تفتقر إلى أنظمة قادرة على إنتاج بيانات موثوقة وشاملة.
وأكد إعلان سياسي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2024 بشأن مقاومة الميكروبات التزام المجتمع الدولي بمواجهة المشكلة من خلال نهج «الصحة الواحدة» الذي يدمج بين صحة الإنسان والحيوان والبيئة.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن على الدول الآن تحويل تلك الالتزامات إلى خطوات ملموسة.
وقال تيدروس: «إن مستقبلنا يعتمد على تعزيز الأنظمة التي تقي وتشخّص وتُعالج العدوى، ويجب أن نبتكر مضادات حيوية من الجيل الجديد ونطوّر اختبارات تشخيص سريعة في نقاط الرعاية».