الزاد
ما حدث على أرض شرم الشيخ رسالة واضحة لكل الدنيا،
مصر لا تتراجع، ولا تهتز أمام ضغوط أو تحديات.
ولو اجتمع العالم كله ضدها، تظل ثابتة لا تتغير، لا تساوم، ولا تبيع موقفها.
موقفها دائمًا مع الحق، مهما كلفها ذلك.
نجحت القيادة المصرية فى وقف الحرب والتوصل إلى اتفاق بجهود جبارة، لم تتوقف رغم الحروب ضدها.
على الأرض المصرية، وأمام أنظار العالم كله،
يكتب التاريخ صفحة جديدة من صفحات الدبلوماسية المصرية المشرفة.
انطلاق الجولة الثانية من المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس وإسرائيل فى شرم الشيخ ليس مجرد حدث سياسى عابر، بل مؤشر دقيق على ثوابت الجغرافيا السياسية فى الشرق الأوسط.
حين تعود الأطراف المتنازعة، مهما كانت توجهاتها أو مرجعياتها، إلى الأرض المصرية، فهذا يعنى أن القاهرة ما زالت — رغم كل التحولات الإقليمية والدولية — العنصر الحاكم فى معادلة السلام والحرب على حد سواء.
مصر هى دائما العنصر الثابت وباقى الأطراف هى المتغير.
إقامة هذه المفاوضات فى «شرم الشيخ» جنوب سيناء تحمل أكثر من دلالة. فهى ليست فقط إشارة إلى الثقة الدولية المتجددة فى الدور المصرى، بل أيضًا تأكيد على أن مصر، برؤيتها المتوازنة وموقعها الفريد، تظل الضامن الحقيقى لأى اتفاق تسوية يمكن أن يصمد أمام تعقيدات الواقع.
لقد أثبتت التجربة أن كل محاولات تجاوز مصر أو الالتفاف على دورها تنتهى إما إلى طريق مسدود أو إلى اتفاق هش لا يعيش طويلًا. مصر لا تمارس الدبلوماسية من موقع الوجاهة، بل من منطلق المسئولية التاريخية التى تفرضها عليها طبيعتها الجغرافية وثقلها السياسى.
اللافت فى المشهد أن هذه الجولة تأتى فى وقت بالغ الحساسية، حيث تتقاطع حسابات القوى الإقليمية مع أجندات الأطراف الدولية، فى ظل إدارة أمريكية تبحث عن إنجاز سياسى يعيد لها بعضًا من الحضور الذى تراجع فى ملفات المنطقة. ومع ذلك، تبقى مصر اللاعب الذى لا يمكن تجاوزه، لأنها تمتلك ما لا تمتلكه أى دولة أخرى، القدرة على مخاطبة جميع الأطراف بلغة يفهمونها دون أن تفقد حيادها.
من زاوية أخرى، يمكن قراءة استضافة شرم الشيخ لهذه المفاوضات على أنها رسالة مزدوجة،
رسالة إلى الداخل بأن الأمن المصرى هو الامتداد الطبيعى للأمن الإقليمى، ورسالة إلى الخارج بأن مصر لا تزال تملك زمام المبادرة متى شاءت، وأن أى حديث عن ترتيبات للسلام أو التهدئة لا يمكن أن يتم بمعزل عنها.
القاهرة طبيعة تعى الصراع العربى الإسرائيلى بأبعاده العسكرية والسياسية والإنسانية، وتدرك أن الاستقرار لا يُفرض بالقوة، وإنما يُبنى على تفاهمات واقعية تحفظ الحد الأدنى من الحقوق والكرامة. لذلك فإن دورها فى هذه المفاوضات لا ينحصر فى استضافة اللقاءات أو توفير الغطاء الدبلوماسى، بل يمتد إلى صياغة التوازنات وضبط إيقاع النقاش بحيث لا ينهار الجسر بين طرفى الصراع.
إن اختيار شرم الشيخ تحديدًا ليس مصادفة؛ فهى مدينة السلام التى استضافت عبر العقود قممًا شكلت ملامح النظام الإقليمى العربى، من مكافحة الإرهاب إلى دعم القضية الفلسطينية، لتظل شاهدة على أن مصر ليست مجرد وسيط، بل هى مركز ثقل إقليمى يصوغ اتجاهات المستقبل.
فى النهاية، قد تتغير المبادرات، وقد تتبدل الوجوه، لكن ثابت واحد لا يتغير، أن مصر هى بوابة السلام، وصاحبة الحق التاريخى فى رسم ملامح الاستقرار فى المنطقة.
من القاهرة يبدأ الحوار، ومن شرم الشيخ تُكتب فصول التهدئة، لأن مصر — ببساطة — ليست طرفًا فى المعادلة، بل هى المعادلة ذاتها.
أهل فلسطين قالوا
من احتمى بمصر، فقد احتمى بالعروبة كلِّها، وبالضمير الأخير فى زمنٍ غابت فيه الضمائر.
هى سياجُ العروبةِ حين تتهاوى الأسوار، وصوتُ العقلِ حين تصمّ المدافعُ الآذان.
«تُفاوضُ لتُنقذ، وتتحمّلُ لتصون، وتبذلُ لتُبقى الأملَ حيًّا فى وجه كيدِ المعتدى».
وما حدث على أرض شرم الشيخ لم يكن مجرد جولة مفاوضات، بل كان فصلًا جديدًا من فصول حضور مصر القومى والإنسانى. هناك، حيث تجتمع النوايا المتناقضة، وتشتبك المصالح الإقليمية والدولية، اختارت مصر أن تكون بوابة العقل وصوت العدالة. لم تساوم على الحق، ولم تنحز إلا للإنسان، فكانت المظلة التى احتمى بها الجميع، واليد التى امتدت لتُطفئ نيران الكراهية قبل أن تلتهم ما تبقى من حلم السلام.