على فكرة
عندما ينطوى عنوان الفيلم على سؤال استنكارى يقول: «فيها إيه يعنى ؟» فهو يمهد المشاهد لتقديم عريضة دفاع لمنتقديه، تجيب عن تساؤله، فضلا عن أن العنوان يحمل فى ذاته إجابة دفاعية عن وقائعه.
ويروى فيلم «فيها إيه يعنى؟» قصة مهندس فى منتصف العمر صلاح «ماجد الكدوانى» تفرغ بعد موت مفاجئ لزوجته وتقاعده، للعيش مع ابنته الوحيدة ندى «أسماء جلال» وزوجها عادل «مصطفى غريب» وحفيدته الصبية أمينة «ريتال عبدالعزيز» - والاسم مشتق من كلمة رتل بصوت جميل بارع – حيث تقوده صدفة إلى العودة إلى شقته القديمة فى مصر الجديدة، لكى يكتشف أن جارته وزميلته فى الدراسة بالمدارس وفى كلية الفنون الجميلة وحبه القديم ليلى «غادة عادل» قد عادت إلى العيش مجددا مع أمها «ميمى جمال» فى الشقة المجاورة. الحبيبة السابقة أضحت مطلقة بعد مرورها بتجربة زواج فاشلة ومؤلمة. وحين تلتقى بصلاح الذى تفجرت بداخله مشاعر الحب القديم، تبدأ لحظات العتاب والمكاشفة والتردد فى الاستجابة لذلك الحب العائد. فهى مثقلة بمشاعر الخذلان وعدم الثقة والشك فى المشاعر العائدة إليها من حبيب الصبا، بعدما أدى سفر صلاح إلى الخارج عقب اتفاقهما على الزواج، إلى فراقهما، وذهاب كل منهما إلى ارتياد طريق منفصل.
ويزداد تردد ليلى وتتخذ قرارا بالفراق الثانى، حين تعلم بالصدفة، أنه سوف يسافر مصاحبا لابنته للعمل فى الخارج. فندى شديدة التعلق بأبيها، وهى الأخرى من خوفها الشديد أن تفقده بعد رحيل أمها، تنتابها وساوس متسلطة لافتقادها عنصر الشعور بالأمان تدفعها للتحكم باسم الحب، فى سير حياة أسرتها وطرق طعامهم وأمور حياتهم اليومية. لكن خطة لطيفة ظريفة تحيكها الصبية أمينة وأبوها، تنجح فى أن يستعيد صلاح وليلى قصة حبهما القديم ويبعثاه للحياة من جديد.
المفردات السينمائية للفيلم تكشف عن جيل جديد من المواهب فى كافة عناصره، وعن كفاءتها الفنية الواضحة وقدرتها البليغة على التأثير والتعبير، انتظروهم جميعا فى قادم الأيام. فمما يشرح القلب أن هذا الفيلم الناعم الرومانسى خفيف الظل هو الأول لمخرجه «عمر رشدى حامد» واشترك فى كتابته «مصطفى عباس ووليد المغازى ومحمد أشرف» وكانت جمل الفيلم الحوارية كاشفة لمدى بلاغة اللغة التى تكشف خبرة المؤلفين بتعقيدات النفس البشرية. ولعله الظهور الأول لموهبة شابة مبهرة الحضور هى «ريتال عبدالعزيز». أما غادة عادل فقد جسدت بأوتار وجهها الجميل المفعم بالانفعالات وبصمتها تفاصيل اللحظات الانفعالية بعفوية وتمكن باهر. وأضفى «مصطفى غريب» على الأحداث بتلقائيته لمسات كوميدية بارعة، عززها الحضور الساخر لأم ليلى «ميمى جمال». ونجحت أسماء جلال فى التعبير عن الخوف من مفاجآت الحياة، بالتشدد فى مواجهة تفاصيلها.
أما «ماجد الكدوانى» فلعب دوره وكأنه لا يمثل، معتمدا على رهافة حساسيته، وهدوئه القريب إلى النفس ومعايشته العميقة للحظات القلق والانفعال والترقب، والاختيار المستحيل بين حين يفترض الا يتناقضا: الأبنة والحبيبة. أبرزت مفاتن كل هذا الأداء الفذ الجميل موسيقى خالد حماد التى تنقلت برشاقة بين الرقة والنعومة، والدقة اللازمة لتصاعد الأحداث وتفسير تقلبها.
الفيلم يأخذنا إلى رحلة فنية ممتعة وساخرة ومشحونة بالتضامن العاطفى، للدفاع عن الحب، كل أنواع الحب، ولنقد التسلط والاستحواذ باسمه، ولحث الإنسان الحر، فى أى عمر على البحث عما ما يحقق له الرضا والسعادة والتوازن النفسى، بما أقنعنا بالاجابة عن سؤاله فيها إيه يعنى؟: مافيهاش حاجة خالص. بل فيها حاجة حلوة.