رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

فى الذكرى ٥٢ لحرب أكتوبر المجيدة

اللواء د. محمد قشقوش: خطة الخداع الاستراتيجى أذهلت إسرائيل .. والكبارى كانت حكاية عبور فوق المستحيل

اللواء د. محمد قشقوش
اللواء د. محمد قشقوش

الثغرة .. أكذوبة إسرائيلية كبرى

«حرب أكتوبر.. دهاء التخطيط وروح الانتصار»

«جسد الانتصار العظيم فى 6 اكتوبر 1973 ملحمة كبرى فى تاريخ المصريين شعبًا وجيشًا، وفى تاريخ العرب أنظمة وشعوبًا.. إنها الحرب التى لم يتوقعها أحد.. إنها المرة الأولى التى ينتصر فيها العرب على اسرائيل منذ  قيام تلك المستعمرة التى دعمها الغرب منذ نشأتها، وتبارت دوله فى دعمها بالمال والسلاح، حتى تحول جميع سكانها إلى جيش لديه نهم غير انسانى فى الإحتلال والقتل، لقد حطم المصريون فى اكتوبر اسطورة الجيش الذى لا يقهر، وفتك أحفاد الفراعنة بجيش من المشردين فى الأرض، تم تجميعه من كل مكان  ليكون شوكة فى حلق الأمة العربية، لقدكانت حرب اكتوبر المجيدة حرب وجود خاضها اصحاب التاريخ والحضارة والتقاليد والأعراف ضد المشردين الذين لفظهم الغرب وأراد التخلص من شرورهم، فجمعهم فى مكان وأعطاهم كل ما يريدون دون حساب وفتح أمامهم احدث الترسانات العسكرية، ليكون لهم وجود ودولة فى تلك المنطقة وجعلوا منهم أسطورة، تمهيدًا لاستخدامهم فى تحقيق اهدافهم ومصالحهم».

وفى ذكرى مرور ٥٢ عامًا على نصر أكتوبر المجيد عام 1973، نستعيد تفاصيل واحدة من أعظم المعارك العسكرية فى التاريخ الحديث، مع أحد شهودها الكبار، اللواء الدكتور محمد قشقوش، مستشار الأكاديمية العسكرية العليا، والمستشار الاستراتيجى للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، وأحد القادة العسكريين الذين عايشوا مراحل الإعداد والتخطيط والتنفيذ فى معركة الكرامة المصرية.

وفى حواره مع جريدة «الوفد» يكشف لنا اللواء قشقوش كواليس عبور القناة، وكيف فُتحت ثغور خط بارليف بالمياه، والدور الحيوى للكبارى الألمانية، وخطط الخداع الاستراتيجى، ويحلل لنا كيف انتصر المصريون بالإرادة، حتى قبل أن تعبر الدبابات.

< سيادة اللواء، حدثنا عن دور الكبارى فى حرب أكتوبر؟

<< الكبارى كانت مفتاح العبور، وهى التى حولت الضفة الشرقية لقناة السويس من حصن إسرائيلى إلى طريق مفتوح للدبابات والمدرعات المصرية. أنشأت هذه الكبارى مساء السادس من أكتوبر، بعد فتح وتدمير خط بارليف، أو ما يُعرف بـ«خط برلين»، باستخدام خراطيم المياه. وتم تصميم هذه الكبارى لتحمل دبابات تصل حمولتها من 80 إلى 100 طن، وهى كانت فى الأساس كبارى من مخلفات الحرب العالمية الثانية، وكانت حكاية عبور فوق المستحيل.

< هل صحيح أن المياه كانت وسيلتنا لاختراق خط بارليف؟ وكيف تم ذلك؟

<< نعم، كانت الخطة عبقرية. استخدمنا خراطيم مياه شديدة الضغط لفتح الساتر الترابى الضخم على الضفة الشرقية. لكن التحدى كان فى الحصول على ماكينات الدفع القوية، فبعثنا بعض المهندسين المصريين تحت غطاء زراعى إلى إنجلترا وألمانيا لجلب هذه المعدات. والماكينات الألمانية كانت الأفضل من حيث القدرة على الضخ، وتم تهريبها بمهارة شديدة عبر جوازات زراعية، وبتنسيق تام بين الجيش والمخابرات.

< وماذا عن تركيب الكباري؟ وكيف تمت فى ظروف القتال؟

<< قامت هيئة قناة السويس بالتعاون مع القوات المسلحة بتصنيع نهايات وبدايات الكبارى، لتناسب طبيعة الأرض، ويُمكن للمدرعات الخروج من منحدراتها بأمان. الدبابات المصرية عبرت الكبارى دون أن تبلل بنقطة مياه واحدة، وكان لدينا نحو 5 إلى 10 كبارى ثقيلة، بالإضافة إلى كبارى خفيفة ومعديات.

< كم استغرقت القوات المدرعة في عبور القناة؟

<< بعد 20 ساعة فقط من بدء الحرب، فى صباح 7 أكتوبر. تم العبور عبر الكبارى فى البحيرات المرة الكبرى والصغرى وبحيرة التمساح. هذه الكبارى كانت مخصصة لعبور الآليات الثقيلة مثل الدبابات وناقلات الجند، وتم تركيبها خلال الليل فى ظروف صعبة للغاية.

< كيف صُمم اللواء 130 مشاة ميكانيكى برمائي؟ وما دوره؟

<< تم تصميمه خصيصًا للمهام البرمائية، وضم تشكيلين رئيسيين من الكتائب البرمائية، بهدف العبور السريع إلى شرق القناة والتوغل فى عمق سيناء. كل تفصيلة كانت محسوبة، بما فيها توقيتات العبور والمواقع الجغرافية ونوع السلاح المناسب لكل فرقة.

< كيف جمعت الحرب بين القتال والمناخ الروحانى لشهر رمضان؟

<< من اللحظة الأولى كانت الحرب مرتبطة بروحانية عظيمة. طلب الفريق سعد الشاذلى استبدال صيحة النصر المعتادة، وقرر أن تكون «الله أكبر» بعد أذان العصر فى قيادة الجيش الثالث. الرجال خاضوا المعركة وهم صائمون، المسلم والمسيحى معًا. كانت حربًا مقدسة، وحرب تحرير حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

< متى بدأ الإعداد الحقيقى للحرب؟

<< من لحظة انتهاء نكسة 67. الشعب رفض الهزيمة، ورفض تنحى الرئيس جمال عبد الناصر. رفعنا شعار «ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة»، وبدأنا فورًا فى تعويض خسائرنا من الاتحاد السوفيتى، سواء فى الطائرات أو الدبابات أو الدفاع الجوى.

< حدثنا عن خطة الخداع الاستراتيجى.. كيف خدعنا إسرائيل والعالم؟

<< الخطة كانت متقنة جدًا، سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا. خدعناهم فى توقيت الحرب، فى نوايانا، فى تحركاتنا. مثلًا، أرسلنا ممثل للرئيس السادات لواشنطن قبل ساعات من الحرب، واستقبلنا وزير الدفاع الرومانى فى القاهرة. كما استوردنا مضخات المياه من أوروبا تحت ستار مشاريع زراعية. حتى الإعلام كان له دور، عبر التركيز على إعلانات الحج والعمرة، لإيصال رسائل مضللة.

< وما أهمية توقيت الحرب بالضبط؟

<< اختير بعناية شديدة. شهر أكتوبر يسبق الجليد على الجولان، ويواكب رمضان. الأسبوع الأول من الشهر كان مثاليًا من حيث المد والجزر، ويسمح ببناء الكبارى فى الجزء الأول المقمَر من الليل، والعبور فى الجزء المظلم. الساعة الثانية ظهرًا كانت منتصف اليوم، وأفضل توقيت لتنفيذ الضربة الجوية وبدء العبور.

< ماذا عن التدريب العسكرى واللوجستي؟

<< التدريب كان مرهقًا، ليلا ونهارا، شاملا لكل أنواع القتال، بما فى ذلك العبور، مواجهة الاحتياطيات، والعمل فى ظروف القصف. قمنا بتحديث بنك الدم، جهزنا الطرق، السكك الحديدية، الموانئ، وخطط السيطرة والتحرك التكتيكى لعشرات الآلاف من المركبات.

< ما حقيقة معركة الثغرة؟

<< هى أكبر أكذوبة إسرائيلية. تسللت قوات العدو إلى الغرب، وهاجمت السويس يوم 24 أكتوبر لكنها فشلت فشلًا ذريعًا. بل إن القوات المصرية حاصرتهم وضغطت لتصفية الثغرة. إسرائيل كسبت فقط نصف معركة من أصل 8، بينما مصر كسبت 6.5 معركة، واحتفل الإسرائيليون بوقف إطلاق النار وكأنهم فروا من فخ كبير.

< ما أهم البطولات التى تتذكرها من المعركة؟

<< كثيرة. تحرير القنطرة شرق، تدمير النقاط الحصينة فى بارليف، السيطرة على مركز قيادة تبة الشجرة، الاستيلاء على مدافع 155مم فى عيون موسى. أيضًا تغلغل قوات اللواء البرمائى فى عمق سيناء كان إنجازًا كبيرًا رغم قلة وسائل الدفاع الجوى المتحركة.

< كيف أثّر النصر فى خيار السلام بعد الحرب؟

<< قبل الحرب، إسرائيل رفضت كل مبادرات السلام. بعد الحرب، تغير الموقف بالكامل. أدركت إسرائيل أن مصر قادرة على الانتصار، فبدأت تسمع لصوت العقل. السلام هو نتيجة مباشرة للانتصار العسكرى فى أكتوبر، وهو ما مهد لتنمية سيناء، وحماية طابا واستعادتها بالتحكيم.

< وأخيرًا.. ما أهم دروس حرب أكتوبر للأجيال الجديدة؟

<< إن الإرادة الوطنية والتخطيط الجيد قادران على تغيير التاريخ. لم نحارب بما نريد، بل بما نملك. ورغم تفوق العدو فى السلاح، تفوقنا فى الروح والكفاءة والإعداد. النصر لا يأتى صدفة، بل يأتى بالعمل، الإيمان، والتضحية. أكتوبر هو درس فى العزيمة والعبقرية المصرية.