قيام الليل.. عبادة الأسرار ودعاء النبي ﷺ لصفاء القلب ونور الإيمان

صلاة قيام الليل من أعظم العبادات التي تُظهر تقوى الإيمان وتزيد من صلة العبد بربه، فهي عبادة سرية بين العبد وخالقه، يتقرب بها المسلم في جوف الليل بعيدًا عن الأعين والضوضاء.

وقد حثّ النبي ﷺ على قيام الليل وجعله زادًا إيمانيًا دائمًا، فقال: «أقربُ مَا يكونُ العبدُ من الرَّبِّ في جوفِ اللَّيلِ الأخيرِ، فإنِ استطعتَ أنْ تكونَ مِمَّنْ يذكرُ اللهَ فِي تلكَ السَّاعةِ فكُنْ» [رواه الترمذي والنسائي].

دعاء النبي في قيام الليل

ورد في السنة النبوية المطهرة عدد من الأدعية التي كان يرددها رسول الله ﷺ عند تهجده، ومنها ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن النبي ﷺ كان إذا قام من الليل يتهجد قال:

"اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ... اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ".

فضل القيام في القرآن والسنة

جعل الله سبحانه وتعالى لقيام الليل منزلة رفيعة، فقال في كتابه الكريم:
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}.
كما وردت أحاديث نبوية تبين محبة الله لعباده القائمين، ومن ذلك ما رواه أبو الدرداء أن النبي ﷺ قال:
"ثلاثةٌ يحبُّهمُ اللهُ ويضحكُ إليهم ويستبشرُ بِهِمْ... والَّذِي لهُ امرأةٌ حَسَنَةٌ وفِرَاشٌ لَيِّن، فيقومُ مِنَ اللَّيلِ فيقولُ: يَذَرُ شهوتَهُ ويذكُرُنِي، ولوْ شاءَ رَقَدَ..." [رواه الطبراني].

قيام الليل في حياة النبي ﷺ

عُرف عن رسول الله ﷺ كثرة قيامه بالليل حتى تورمت قدماه من طول الصلاة، وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تروي أنه بكى كثيرًا أثناء قيامه حتى ابتلت لحيته وصدره بالدموع، وعندما سُئل عن سبب ذلك قال:
"أفلا أكون عبدًا شكورًا".
وكان يستشعر عظمة الآيات التي تنزل، مثل قوله تعالى:
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ}.

أدعية مستحبة في قيام الليل

نقلت السنة مجموعة من الأدعية الجامعة التي يمكن أن يرددها المسلم في قيام الليل، ومنها:

اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، وأعظِم لي نورًا.

اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء، وبقوتك التي قهرت كل شيء، وبنور وجهك الذي أضاء له كل شيء، أن تغفر لي وترحمني وتفرّج همي وكربي.

زاد العابدين وسر العارفين

يبقى قيام الليل عبادة عظيمة تجمع بين الدعاء والقرآن والخشوع، وتُعد طريقًا لصفاء القلب ونيل رضا الله، وقد جعلها العلماء "زاد العابدين وسر العارفين"، فهي لحظة خلوة بين العبد وربه يفيض فيها النور والطمأنينة على القلب، ويُستجاب فيها الدعاء ويُرفع فيها العمل.