رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

ذكرياتى (٢١)

فى حياة كل واحد منا مواقف لا تنسى سواء من حيث أهميتها أم حيث طرافتها، ويسعدنى أن أسرد فى هذا المقال بعض المواقف التى لا تُنسى فى حياتى سواء لأهميتها أم لطرافتها. لقد كنت، وما زلت، وسأظل ما حييت وفيا لأساتذتى شديد الاحترام والتقدير لهم حريصا على مرضاتهم، وذكرت أكثر من مرة أنى على الجملة كنت محظوظا فى أساتذتى علما وخلقا وإنسانية، ولكن كما يقولون: لا يغنى حذر من قدر، ويقول الشاعر:

إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى

فأول ما يجنى عليه اجتهاده

ويقول الآخر:

لا تحترس بذكاء عند مُقْدَرَةٍ

قد يَهشم الأنف أمر تتقى المُقَلُ

كنت أعد لتسجيل درجة التخصص الماجستير مع أستاذى الأستاذ الدكتور محمد عرفة المغربى أستاذ الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وأكرمنى يوما باصطحابى معه فى سيارته إلى منزله بمدينة نصر بالقرب من المدينة الجامعية لبنات الأزهر وأعطانى مجموعة من الكتب والدواوين الشعرية لأقرأ فيها وأختار من بينها أو فى ضوئها موضوع رسالة الماجستير، وكان ذاك تقريبا يوم الأحد ووعدته أن أعيد الكتب إلى سيادته يوم السبت الذى يليه، وأخذت أقرأ فى هذه الكتب، وكان من بينها ديوان ابن عنين وكنت أفكر جادا فى دراسته وبالفعل أدرجته ضمن عدد من الموضوعات التى رتبتها للبحث عن مدى كونها مسجلة أو غير مسجلة، وكان هذا الموضوع اختيارى الأول من بين الموضوعات التى دونتها فى خطابات البحث عن التسجيل فى الكليات والأقسام والشعب المناظرة لشعبة الأدب والنقد لولا أنى وجدته مسجلا فى إحدى الكليات، وجَدَّ لى يوم الثلاثاء ما يستدعى السفر إلى مسقط رأسى فى قرية صفط راشين بمركز ببا محافظة بنى سويف، فمكثت بها يومى الثلاثاء والأربعاء،

ثم خطر لى أن أزور أحد أصدقائى الأفاضل بالمحافظة يوم الخميس لأبيت عنده وأسافر الجمعة إلى القاهرة استعدادا لتقديم ما انتهيت إليه لأستاذى المشرف فى الموعد المحدد وتسليمه الكتب التى تفضل بإعطائى إياها، وبينما كنت أتناقش مع صديقى وزميلى حول موضوعات التسجيل حان موعد صلاة العشاء فنزلنا إلى المسجد للصلاة وتركنا الكتب على الطاولة، وما أن عدنا حتى وجدت أحد أطفاله قد مزق نحو ثلاثين صفحة من ديوان ابن عنين تمزيقا لا يصلح معه إصلاحها، ولم يكن أمامى سوى يوم الجمعة وعندى بها خطبة بمسجد السايس بمنطقة سوق السلاح بالدرب الأحمر بالقاهرة، وأعلم كم كانت الكتب عزيزة جدا على أستاذى المشرف وبخاصة النادرة منها، ثم دار بذهنى: ماذا يقول عنى أو عليّ وأنا فى بداية أمرى مع سيادته، وهل سيعد ذلك إهمالا غير مبشر بالعمل معي؟! وكان عليّ أن أبحث عن الكتاب فى كل مكتبات القاهرة الكبرى لعل أجد نسخة منه، وكان الكتاب حينئذ نادرا، فأخذت أجوب منطقة وسط البلد من بعد صلاة الجمعة حتى قرب صلاة العشاء، وكلما دخلت مكتبة وقيل لى: الكتاب غير موجود أخرج متحسرا كمن فقد عزيز عليه، ثم أكرمنى الله فى نهاية المطاف، وكانت آخر مكتبة سأدخلها بعد يأس، وسألت القائم عليها عن الكتاب، فقال لى نعم موجود، ولما عرف لهفتى من سؤالى مع ندرة الكتاب حينئذ بالغ فى ثمنه غير أنى لم ألتفت ولم أراجعه، وأعطيته ما يريد وكأنى حصلت على كنز جد ثمين ونفيس، حفاظا على صورتى أمام أستاذى، وفى صباح السبت عدتُ إلى أستاذى بكتبه وخطة لأربعة موضوعات تم التسجيل بفضل الله فى واحد منها، وهو شعراء الموالى فى العصر الأموى: عرض ودراسة ونقد، ووفقنى الله عز وجل للحصول على رسالة الماجستير فى هذا الموضوع بتقدير ممتاز والحمد لله.

وللحديث بقية.

 

 

الأستاذ بجامعة الأزهر